عرفته شاعرا وقاصا عراقيا مبدعا وواعدا في بداية مشواره الادبي ينبئ بولادة شاعر مخضرم لايقل شأنا عن كبار القامات الشعرية في عراق الحضارات …كان شابا مرهف الحس ،كثير المطالعة ،واسع الثقافة،رقيق المشاعر،دائم البسمة،منفرج الاسارير، كان شعره المجعد الاصفر وشاربه الكث الاشقر وعيناه الخضراوان مع بياض البشرة كونه في الاصل من اقصى غرب العراق تضفيان عليه وسامة رجولية لافتة ومميزة لايمتلكها اكثرنا من شباب المنطقة – المجولحين – كعمال مناجم الفحم بالسخرة ، برغم الاناقة واللباقة والسشوار والتحضير والتعطر والتأنق للمناسبات -والخشات والطلعات -على افضل ما يرام ، لا ادري حقيقة والى يومنا هذا لماذا كان يخصني انا بالتحديد للبوح بأسراره وما يختلج في صدره عن حبه لإبنة عمه ونيته خطبتها والزواج بها في القريب العاجل اثناء الحرب المشتعلة على كل الجبهات والتي لايعلم احد يقينا متى ستكون نهايتها ، وقد يكون الزواج بعد انتهاء الحرب لتكون فرحة مضاعفة ، فرحة بالزواج من محبوبته وفرحة بنهاية حرب قتلت أكثر من مليون انسان واخذت ثلاثة أضعافهم من الجرحى والاسرى والمفقودين والمشوهين …لا ادري لماذا كان يخصني انا ايضا ومن بين عديد اصدقائه بمعاناته من زوجة ابيه بعد وفاة أمه صغيرا، ولا ادري لماذا كان يعرض عليَّ نصوصه الادبية من قصص قصيرة ومحاولات شعرية، ربما لأنني أعشق الشعر ، ربما لأنني أهوى القصة القصيرة ، ربما لانني مصغ جيد أحسن الانصات الى محدثي محترما رأيه وان كان مخالفا،ربما لأنني اكتب اكثر مما اتحدث بكثير،ربما لأني حافظ للاسرار ، لاأدري حتى الان وكم تمنيت لو انه اخبرني عن ذلك ..كنا نجلس سوية على دكة كراج منزل خمسيني قديم وخلفنا سيارة اميركية طويلة عريضة – مجرقعة – موديل 1966 يأبى صاحبها ان يبيعها ، لأصغي الى كل ما يقول بإمعان ..كان يكثر مازحا من استعارة عبارة عادل امام الشهيرة في مسرحية”شاهد ما شافش حاجة ” والتي خرج فيها عن النص ، فكان توفيق لايفتأ يرد على الرأي الذي يعجبه ويفاجئه بعد ان يستعصي عليه الحل بـ” ينصر دينك يا استاذ نفيسة “ولكأني به وهو يردد تلكم العبارة جذلا يقلد بها مفردة (وجدتها)، لأرخميدس يوم اكتشف قانون الطفو داخل الحمام مع الفارق بطبيعة الحال !
تواعدنا قبل ايام من سفره الأخير على ان يولم لنا فور عودته من الجبهة سالما ليقرأ علينا وبعد الفراغ من الوليمة صفحات من ديوانه،من اوراقه،من يومياته،من مذكراته،من قصص ماتزال مخطوطة في – دفتر ابو الستين – لم يتسن له قراءتها عليَّ من قبل ،ليبوح بأسرار جديدة عن حبه وعن حبيبته التي ينوي الزواج بها مع انه لم يصارحها بحبه يوما قط….!
ذهب توفيق الى حيث لايدري ولاندري ، ودعته في كراج النهضة ولما تزل ابتسامته كعهدي بها عريضة مشرقة ولاتكاد أن تفارق محياه ..الا ان توفيق لم يعد بعدها ابدا ..لم يولم لنا وليمته المنتظرة كما وعد ، بل نحن واصحابه واقاربه من أولمنا عليه ..استشهد توفيق في احدى قواطع العمليات حيث الخنادق المتداخلة والحدود الملتهبة بقصف مدفعي ايراني مزقه اشلاءا ، وظلت محاولاته الشعرية والقصصية الانسانية التي تفيض رقة وعذوبة وشاعرية حبيسة ادراج مكتبته المنزلية الصغيرة والمتواضعة يؤججها حب عذري قد يكون من طرف واحد لحبيبة لم تعلم حتى بحبه لها ، كلماته ماتزال ترن في اذني مذ رحيله وحتى كتابة السطور ..شيعته الى مثواه الاخير في مقبرة الكرخ مع ثلة من الاصدقاء وعدت القهقرى الى دكة كراج السيارة القديمة وحيدا وانا انعى صديقا وفيا مخلصا وارثي قصائد حب يتيمة لم تر النور قط …في الشهر التالي ” استشهد صلاح “بعد ان صار صديقا عزيزا من اصدقاء الدكة القديمة اياها بدلا من توفيق وكانت له قصة حب عذري هو الآخر يحب أن يسمعني اياها ويستأنس برأيي فيها اسوة بتوفيق ، ولكن مع فتاة احلام اخرى نظم بحقها قصائد تلو الاخرى لم تكتمل ولم تصل الى مسامع من يحب بعد …رحم الله شهداء العراق واسكنهم فسيح جناته بمناسبة يوم الشهيد العراقي .اودعناكم اغاتي
عرض قتل الاسرى العراقيين من قبل الجيش الايراني الصفوي الفارسي الشرير.