ما زالت منطقة جنوب الموصل تزخر بالكفاءات العلمية التي رفدت الجامعات العراقية بخيرة أبنائها من أصحاب الشهادات العليا، الذين سهروا الليالي من أجل بلوغ أهدافهم وتحقيق أحلامهم. لقد أراد هؤلاء أن يظهر ابن الريف بمظهر الفارس العلمي المتميز، كما ظهر أجداده فرساناً في ساحات الحرب والوغى.
ومن بين هذه الكفاءات يبرز اسم الأستاذ الدكتور مؤيد محمد سليمان الدليمي، ابن قرية البكر – العاصمة التاريخية لقبيلة الدليم في جنوب الموصل، القرية التي أنجبت العلماء والأطباء والمهندسين، وكانت ولا تزال منبعاً للوحدة الوطنية والتواصل الإنساني.
انطلق الدكتور مؤيد من هذه البيئة الريفية ليحقق حلمه بدراسة الماضي، وكيف استطاع الإنسان القديم أن يقدّم لأبناء قومه كل ما يملك من إمكانات وظروف. ومع ولعه بعالم الآثار، اختار أن يتخصص في الدراسات المسمارية، وأن يترجم للعالم اللغة السومرية والحضارات التي أبدعت على أرض الرافدين من بابل وآشور، تلك الحضارات التي وصل صداها إلى أصقاع الدنيا.
في كلية الآثار بجامعة الموصل، واصل الدكتور مؤيد مشواره الأكاديمي، فحصل على البكالوريوس ثم الماجستير، وصولاً إلى شهادة الدكتوراه في اختصاص الآثار، وحقق إنجازاً علمياً مميزاً بتأسيس وتطوير قسم الدراسات المسمارية. واستفادت جامعة الموصل من خبرته الكبيرة وإبداعه المتواصل، فتقلد مناصب أكاديمية وإدارية مهمة، كما شارك في مؤتمرات وزمالات بحثية عالمية، في جامعات مرموقة مثل أكسفورد وميونيخ.
أما صفاته الشخصية، فهي لا تقل بهاءً عن إنجازاته العلمية؛ فهو متواضع، صريح، لا يجامل في الحقائق العلمية، ويمتلك رصانة أكاديمية رفيعة المستوى. يشهد له طلبته وزملاؤه بالجدية والحرص على البحث العلمي الرصين، وله مؤلفات وبحوث بارزة، منها كتاب عن النباتات الطبية في المدونات الأثرية.
نحن اليوم أمام كفاءة علمية متميزة تجسّد صورة الأستاذ الجامعي الحقيقي، الذي يجمع بين العلم والعمل، بين البحث الأكاديمي والمشاركة المجتمعية.
حقاً، يا قرية البكر، إنكِ محظوظة برجالك الشجعان وعلمائك الأفذاذ الذين رفعوا اسمك عالياً، وأثبتوا أن الدرجات العلمية التي كانت حِكراً على أبناء المدن أصبحت في متناول أبناء القرى والأرياف. وها هو الدكتور مؤيد محمد سليمان الدليمي شاهد حيّ على ذلك.
وفقكم الله جميعاً لخدمة العراق ومسيرته العلمية، وجعل جهودكم في ميزان الخير والتوفيق…