يعيش العالم الاسلامي هذه الأيام مرارة الذكرى المئوية للنكبة الاسلامية الكبيرة التي تتمثل في الاعتداء على مقدسات أولياء الله بهدم أضرحة أئمة أهل البيت عليهم السلام المقدسة والطاهرة بالبقيع في المدينة المنورة، وكذلك قبور العظماء من صحابة الرسول (ص) وحشد من كبار الصحابة الطيبين والتابعين وزوجات الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم).. حيث لا يزال “بقيع الغرقد” يستصرخ الضمير الانساني لإنقاذه من براثن أبناء الطلقاء الحاقدين على الإسلام والمسلمين والبشرية بفرقتهم الوهابية الارهابية التكفيرية المنحرفة، الذين يمتهنون انتهاك المقدسات الاسلامية ويعيثون الفساد في الارض على طول تاريخهم المنحوس.
قرن و”بقيع الغرقد” في المدينة المنورة یستنجد إعادة هويته ومكانته الإسلامية والتراثية والتاريخية المجيدة والإهتمام به، حيث المراقد الطاهرة لأئمة المسلمين الأربعة المعصومين من أهل بيت النبوّة والرسالة (عليهم السلام)، وهم الإمام الحسن المجتبى ابن أمير المؤمنين (ع)، والإمام علي بن الحسين زين العابدين (ع)، والإمام محمد بن علي الباقر (ع)، والإمام جعفر بن محمد الصادق (ع)، وكذلك مراقد كل من: إبراهيم بن رسول الله (ص) وسيدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء بنت الرسول الأعظم (ص) سيدة نساء العالمين (برواية).
قرن و”بقيع الغرقد” هذه الأرض المقدسة والمشرفة والقطعة من الجنة لما تحتضن في اكنافها من أجساد زكية مطهرة الى جانب قبور بعض زوجات الرسول (ص) من أمهات المؤمنين وكذلك عمه العباس بن عبدالمطلب (س) وعماته, وكذا اسماعيل بن الامام جعفر الصادق (ع), ووالدة الامام علي أمير المؤمنين (ع) سيدتنا فاطمة بنت أسد (س) وكذلك زوجة الامام علي (ع) سيدتنا أم البنين (س), ومرضعة النبي (ع) السيدة حليمة السعدية, وجمع من الصحابة والتابعين الأجلاء وعلى رأسهم الصحابي الجليل جابر بن عبدالله الانصاري (رض) الى جانب قسم شهداء الإسلام الأولين.. يأن من ألم جراح هتك حرمته وقدسيته.
قرن و”بقيع الغرقد” يعيش الإنتكاسة الاسلامية الكبرى بهدم الأضرحة والقبب المباركة التي كانت عظيمة في أعين الناس، شامخة في قلوب المسلمين، محفوظة حرمتها وكرامتها، وكان الناس يتوافدون على هذه البقعة المقدسة لزيارة المدفونين فيها، عملاً بالسنة الاسلامية من استحباب زيارة القبور وخاصة قبور ذرية رسول الله (ص) وأولياء الله تعالى؛ على يد زمرة وهابية تكفيرية منحرفة أوجدها الاستعمار البريطاني الخبيث بأفكار لا تمت للإسلام من صلة ابتدعها محمد بن عبد الوهاب (1703 – 1792) ومحمد بن سعود رجوعاً لأفكار “ابن تيمية” الضالة المضلة.. فكانت جريمة الهدم الثانية لتلك المراقد المقدسة وتسويتها بالأرض في الثامن من شوال عام 1344هجري قمري ـ الموافق لـ21 نيسان (إبريل) عام 1925 ميلادي.
قرن و”بقيع الغرقد” يعيش جراح البدعة الوهابية النتنة التي ابتدعها التكفيريين من قادتهم المتوحشين ليعيثوا في هذه البقعة المباركة الخراب بزعم حرمة تعلية القبور وحرمة زيارتها عند هذه الفرقة الضالة والمنحرفة ، وحولوا مقبرة “بقيع الغرقد” الى تراب ومدر وأحجار بعدما كان مفروشاً بالرخام ونهبوا كل ماكان فيه من فرش غالية وهدايا عالية، وسرقوا المجوهرات واللآلئ التي كانت داخل أضرحة أهل البيت عليهم السلام؛ كما فعلوا ويفعلون حتى يومنا هذا بسائر مساجد المسلمين الذين يخالفونهم الرأي والعقيدة وينتهجون طريق الصواب.
قرن و”بقيع الغرقد” وسائر مراقد أئمة الهداية السماوية تعيش الحقد الوهابي التكفيري البغيض في كل مكان بلغوه ومنها ما حل بمرقد الامامين العسكريين عليهما السلام بمدينة سامراء عام في 22 شباط 2006 (23 محرم الحرام سنة ١٤٢٧) وكذلك هدم قبور الصحابة وأئمة المسلمين والمساجد التي بنيت عليها في اليمن خلال سنوات العدوان السعودي الوهابي التكفيري القائم حتى هذه اللحظة؛ والوهابية شاهرة سلاح هدم قبور الصحابة وخيرة التابعين وأهل بيت النبي (ص) الذين طهرهم الله عزوجل من الرجس تطهيرا.. حيث كانت المدينتان المقدستان (مكة المكرمة والمدينة المنورة) ولكثرة ما بهما من آثار دينية، من أكثر المدن تعرضا لهذه المحنة العصيبة والمأساة النازفة حتى يومنا هذا على يد آل سعود فتاوى هذه الزمرة المنحرفة، التي أدمت قلوب المسلمين وقطعتهم عن تراثهم وماضيهم التليد.
قرن و”بقيع الغرقد” يئن من ألم الهدم الثاني لأضرحة وقباب وقبور أولياء الله وأئمة المسلمين، فيما الهدم الأول كان مع قيام قيام الدولة السعودية الأولى حيث قام آل سعود بأول هدم جزئي للبقيع وذلك عام 1220 للهجرة.. وعندما سقطت دويلتهم هذه على يد العثمانيين أعاد المسلمون بناء “البقيع الغرقد” على أحسن هيئة من تبرعات المسلمين، فبنيت القبب والمساجد بشكل فني رائع حيث عادت هذه القبور المقدسة محط رحال المؤمنين بعد أن ولى خط الوهابيين لحين من الوقت.. وما أن عادوا داعمين لدولة آل سعود الثالثة وعبد العزيز حتى أعادوا فكرة هدم قبور الصالحين من أئمة الأئمة والصحابة والتابعين مرة اخرى، ولم يكتفوا بذلك بل تطاولوا أكثر وهموا بهدم المرقد الطاهر لرسول الله (ص) لولا خوفهم من غضب المسلمين في البلاد الاسلامية خاصة الحجاز(شبه الجزيرة العربية).. فاكتفوا بهدم “بقيع الغرقد” مرة اخرى عام 1344 للهجرة.
وختاماً، لو تتبعنا القرآن الكريم لرأيناه يعظّم الأولياء والصالحين من المؤمنين ويكرّمهم بالبناء على قبورهم ـ حيث كان هذا الأمر شائعاً بين الأُمم التي سبقت ظهور الإسلام ـ فيحدّثنا القرآن الكريم عن أهل الكهف حينما اكتشف أمرهم ـ بعد ثلاثمائة وتسع سنين ـ بعد انتشار التوحيد وتغلّبه على الكفر؛ حيث انقسم الناس آنذاك الى قسمين: قسم يقول: (ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا) تخليداً لذكراهم ـ وهؤلاء هم الكافرون ـ بينما نرى المؤمنين ـ التي انتصرت إرادتهم فيما بعد ـ يدعون الى بناء المسجد على الكهف، كي يكون مركزاً لعبادة الله تعالى، بجوار قبور أُولئك الذين رفضوا عبادة غير الله .
فلو كان بناء المسجد على قبور الصالحين أو بجوارها علامة على الشرك، فلماذا صدر هذا الاقتراح من المؤمنين؟! ولماذا ذكر القرآن الكريم اقتراحهم دون نقد أو ردّ؟! أليس ذلك دليلاً على الجواز، (قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِداً).. فهذا تقرير من القرآن الكريم على صحّة هذا الاقتراح ـ بناء المسجد ـ ومن الثابت أنّ تقرير القرآن الكريم حجّة شرعية.. لذا نرى أنّ سيرة المؤمنين الموحّدين في العالم كلّها كانت جارية على البناء على القبور، وكان يُعتبر عندهم نوعاً من التقدير لصاحب القبر، وتبرّكاً به لما له من منزلة عظيمة عند الله سبحانه وتعالى، ولذلك بني المسجد وأصبحت قبور أصحاب الكهف مركزاً للتعظيم والاحترام .