صندوق النقد الدولي كما معروف للجميع هو منظمة عالمية تابعة للأمم المتحدة وتم إنشاؤه بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وكان الغرض الأساس لإنشاؤه هو لإعادة إعمار البلدان التي تضررت وتدمرت في الحرب وخاصة الدول الكبرى, وبعد ذلك انضمت دول عديدة لهذا الصندوق وتساهم كل دولة برصيد مالي وحسب امكانياتها يوضع في خزانة الصندوق وتنص تعليماته بأنه من حق أي دولة عضو فيه أن تتقدم بطلب قرض مالي لأغراض محددة وفق التعليمات مثل الكوارث الطبيعية والحروب والمشاكل الاقتصادية الكبيرة ويمنح لها بفوائد ميسرة والتسديد يكون على فترات طويلة بعد تقديم ضمانات كافية من قبل الدول المقترضة, هذا الكلام هو المعلن رسمياً ولكن مايحصل على أرض الواقع يختلف تماماً حيث تتحكم بمقدراته عدداً من الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية حيث وضعت هذه الدول الجزء الأكبر من الودائع الموجودة في خزانته وساعدها بذلك أوضاعها الاقتصادية المزدهرة فجعلها بذلك هي المتحكمة بمقدرات هذه المنظمة بالكامل ولها القول الفصل في جميع القرارات المهمة وخاصة في منح القروض للدول الأعضاء, والذي يتابع مسيرة صندوق النقد الدولي وانجازاته منذ تأسيسه ولحد الآن يجد أن المستفيد الأول من وجوده هي هذه الدول الكبرى وخاصة الاستفادة من القروض بحجة الرصيد المالي الكبير من الودائع الموضوعة من قبلها. ونجد بالمقابل وضعت هذه الدول العراقيل والشروط القاسية أمام الدول الاخرى الأعضاء وخاصة النامية منها والضعيفة اقتصادياً ولو تم منح قرضاً لدولة نامية فان الشروط الموضوعة ستثقل إقتصاد هذا البلد بقيود وصعوبات وآثار سلبية تبقى آثارها لسنوات طويلة قد يدفع ثمنها الأجيال, لذا في اعتقادي ان اللجوء لمثل هذه القروض هو خيار خاطيء ستكون نتائجه وخيمة على البلد المقترض, والعراق ونتيجة الظروف الإقتصادية العصيبة التي يمر بها ونتيجة انخفاض أسعار النفط العالمية والتحديات الارهابية والتناحرات السياسية الموجودة والتي أوصلت البلاد الى مشاكل اقتصادية كبيرة وأصبح عاجزاً عن تجاوزها فاضطر لطلب قروض من صندوق النقد الدولي لتجاوز هذه الأزمات لأنه يعّد كطوق النجاة الأخير لخروج البلد من انهيار كبير في جميع مفاصل الاقتصاد, والطلب على طاولة إدارة الصندوق منذ سنوات والمباحثات والمفاوضات بين الحكومة العراقية والصندوق مستمرة طوال هذه السنوات وأخيراً وبعد جهود حثيثة تمت الموافقة على هذا القرض البالغ 13 مليار دولار على أجزاء وبشروط قاسية لم تعلن تفاصيلها بشفافية للرأي العام, فالمعلن ان القرض سيكون
الجزء الاول منه على مرحلتين الأولى كتمويل متسارع بـقيمة 88 مليون دينار و بلا شروط والغرض منه لمواجهة التقلبات في ميزان المدفوعات العراقية اثر انخفاض أسعار النفط, أما المرحلة الثانية وهي منح مبلغ خمسة مليار دولار ونصف خلال ثلاث سنوات وعلى شكل دفعات ستكون وفقا لاتفاقية الاستعداد الائتماني، التي وقعها العراق مع الصندوق في وقت سابق, اذ تلزم العراق تنفيذ الشروط المهمة والصعبة التي وضعها الصندوق لضمان الحصول على القرض.
ماأريد مناقشته في هذه السطور القليلة ان هذا القرض الذي لجئت الحكومة اليه مجبرة سيكون له فوائد وأضرار فأما الفوائد فانه سيساعد العراق على ديمومة زخم المعركة الكبيرة التي يخوضها ضد داعش الإرهابي والتي تستهلك الجزء الأكبر من ميزانية البلد وكذلك سيمكن العراق من الخروج من المأزق الاقتصادي الخطير الذي يعيشه وسيجبر الحكومة العراقية ووفق الشروط الموضوعة من الصندوق على اتخاذ خطوات حقيقية لاصلاح الاقتصاد وأهمها هو الخروج تدريجياً من تأثير الاقتصاد الريعي الذي يعتمد بشكل رئيسي على عائدات النفط ومحاولة خلق تنمية حقيقية في القطاعات المختلفة الصناعية والزراعية وغيرها وسيجبر الحكومة أيضاً على إجراء إصلاحات في القطاع المصرفي الذي يعيش أسوا حالاته والفائدة الأخرى هو ان البنك الدولي سيفرض رقابة صارمة على تنفيذ القرض بجميع مراحله خوفاً من الفساد المستشري في جميع مؤسسات الدولة وهذا الشرط في اعتقادي هو الذي سيساعد على احتمال نجاح تطبيقه, أما أضرار هذا القرض فهي عديدة ومنها انه سيثقل العراق بالديون لسنوات طويلة وستترك آثارها السلبية بشكل واضح على جميع مفاصل الحياة وكذلك الشروط التعسفية الغير معلنة من قبل الطرفين خوفاً من الراي العام وهي سحب الدعم الحكومي على بعض الأمور التي تمس حياة المواطن بشكل مباشر ومنها أسعار الوقود والبطاقة التموينية ومنع تخصيص الدرجات الوظيفية في مؤسسات الدولة لثلاث سنوات على الأقل وحجب بعض المخصصات عن الموظفين مثل مخصصات الزوجية وغيرها من الأمور التي سيدفع ثمنها المواطن بشكل تدريجي وليس دفعة واحدة حتى يتحمل الصدمة, علاوة على أمر مهم وحسب بعض التسريبات التي تم الإطلاع عليها بأن أكثر من ثلث هذا القرض سيخصص الى إقليم كردستان أي بنسبة تفوق ال17% المخصصة للإقليم بكثير مع عدم إلزام الإقليم بتطبيق الضوابط الصارمة التي تم فرضها على بغداد.