22 نوفمبر، 2024 1:14 م
Search
Close this search box.

قردٌ في سوق الغزل يتفوق على جوزيف ناي

قردٌ في سوق الغزل يتفوق على جوزيف ناي

كانت الساعة تشير للثالثة مساءً حينما أوقفت سائق الأُجرة للذهاب لباب المعظم، وكما جرت العادة القصصية المصاحبة لسردية هذه الجزئية من حياتنا، يتقمص السائق عدة أدوار فتارة تجده البطل الخارق الذي ينتشل أحدهم من مشكلة ما، وفي كثير من التارات نجده ليوناردو دي كابريو تلهث خلفه كيت وينسليت، وفي ظل هذه الثيمة الواقعية وهنا أقصد معناها القاصر لا ماذهب إليه رولاند توبياس من تعريف لها، فأننا مضطرون للاستماع.
وفي ظل الزحام المعتاد فلا مناص من تفحص ذات اللوحات التجارية والإعلانية التي تزين جانبيّ الطريق، مضافًا لذلك بدأ فعالية السجائر والتي تستمد شرعيتها ضد اللياقة من هذا الكم من البؤس الذي ينتجه الوضع، وبعدها يبدأ الحديث حول السياسة، وإنني أظن بل متأكد أنها إحدى أكثر الجمل الصحيحة،لأننا لم نتحدث يومًا بصلبها بقدر ما كان المسار الذي نناقشه في أعلى المستويات (رون سايد) وكثيرًا مانضرب السيطرات فيها بالتعميم وسائر تدرنات الشعبوية، العويل يعقبه تشكي ثم الكثير من السُباب، هذا ملخص أنباء الأحاديث السياسية في كل الأماكن المجتمعية بما فيها دواوين السوشل ميديا، فلا يمكن الحديث في خضم ذلك مالم تقدم هذا القربان في البدء، وكأن الأمر أصبح نسقًا نفسي متجذر في كل الجزئيات المششتة التي تنسج الهوية العراقية.
وبعد حبو مرير وصلت السيارة لمجاورة سوق
الغزل من جهته اليمنى، وقعت عيني على أقفاص القردة حيث كنّ موضوعات بشكل عمودي تلافيًا لضيق المساحة، وفي القفص السفلي عمد القرد الذي فيه لأحداث شغب من خلال القفز المستمر في بقعته الضيقة مما أفقد توازن بقية الأقفاص ، لم يلحظ صاحبها ذلك بسبب انشغاله بالتعامل مع المشترين، في خضم ذلك كان المارة يقومون بالتحرش بالقرد لكي يزداد.

تأملت في المشهد مستحضرًا جوزيف ناي وأطروحته الناعمة التي لم تنضج منهجيًا بالنسبة لي في ظل تعويمها من حيث الماهية والمآلات بلا أي فصل عن تداخلاتها الكثيرة مع المفاهيم الأخرى، ومع تنحية نفسي جانبًا، بدأت مستغرقًا في الموجود منها، منتقلًا لأشتقاقها الضدي ألا وهو الحرب الناعمة، الذي لو سلمنا جدلًا بنجاعة أطروحة ناي ستكون هي الغاية الحقيقية لها، ورغم رفض عدة منظرين أمريكيين هذا الطرح القادم من الشرق الأوسط وعدوه دعاية مضادة وتبرير للانغلاق ، إلا إن المناصب التي تولاها منظرها الأساسي و الذي بدأها من سبعينيات القرن المنصرم بتوليه منصب مساعد وزير الخارجية للشؤون الأمنية والتكنولوجية ومن ثم بين فترتي 1993_1994م تسلم منصب مدير مجلس المخابرات المركزية NIC والذي يضم 17 جهاز استخباراتي، وفي نهاية التسعينات تحديدًا في عهد كلينتون شغل منصب نائب وزير الدفاع الأمريكي، إن النظر لهذه المناصب الذي تولاها والتي جميعها كانت ذات خلفية عسكرية تجعل المتأمل يسخر من الإطار الطوباوي الذي يغلفه ناي لأطروحته، ومما زاد السخرية تهكمًا آخر دعوته لتوأمة مفهومه مع القوة الصلبة أي العسكرية، وهذا مايفند العباءة السلمية ويعزز من حضور الوجه الحربي لهذا المفهوم بشكلٍ لايقبل الشك.
وصلت للبيت بعد المخاضات المستمرة التي نعانيها في الطرق، محملًا بهذه المعادلة الترابطية التي تخيلها الذهن (قفص+ قرد= حرب ناعمة)،
مع ذلك كانت غواية النعاس أشد وطأة، غلبني النوم، وفي ظل الضبابية الزمانية للحلم فلا أعرف مالوقت الذي أستغرقه ليقتحم منامي، ذات القرد ولجانبه سبورة، رغم شعور قليل بالدراية بإنني على قيد حلم لكن الأمر فيه ممنوع من التصريح وفي ذلك شبه لبرامج المقالب إذا يعلم الجميع إن الكل يعلم ذلك، لكن يتكرر إنتاجها، ومن غير مقدمات، بدأ يوجه خطابه
_ لقد قمت باعطاء دروس للحمير وقد نجحت لكن أشك إذا ما أعطيت للإنسان.
_الحمير تفهم بعضها البعض.
_ سخيف جدًا، ودعك من براز النكات، وأنتبه لي، انكم عاطفيون وهنا تكمن الصعوبة، ولم يكن قصدي الإهانة.
_ لدينا العاطفة في مقابل ذلك شهوتكم بمعناها العام تسوقكم للأقفاص، فلا داعي لجعل ماهو جزء من الماهية مثلبة، اتفقنا؟.
_عاطفتكم إن شكلت جو عام تحولت لما هو أدنى من الغابة، إذا غالبًا ماتكون إما مسكونة أو على شفى حفرة من الاحتراق….، لذلك لسنا بتسابق أفهمت؟.
_ حسنًا.

ثم أخذ يشرح، وإما عن مافكرت به من ارتباط حين رؤيتي داخل القفص فمرد ذلك لتشابه كلا المكانين قفصي ووطنك، وأسمح لي إن نعود
لوجهيّ المفهوم (القوة والحرب) نجد كلاهما يؤكدان على إن المستهدف هو المجتمع سوى كان الأمر عن طريق الجذب كما يذهب ناي أو التلاعب النفسي كما يقول منضجوا الإطار الحربي، والمجتمع وفق البناء الهرمي السياسي الواقعي لا المثالي يشكل دائما الطبقة السفلى للدولة، بينما يعرف الجميع من هم قاطنوا الطبقة العليا، لذلك وبالاستناد لوجهيّ المفهوم…..، وقد أخذ يرسم سهمًا منطلقًا من جهة أطلق عليها تسميتين الدولة الجاذبة وفق (القوة الناعمة) والدولة العدو وفق (الحرب الناعمة) منهيًا إياه إلى حيث الطبقة التي تشمل أسفل «ما سماه الدولة المستهدفة من ثم جر سهم إضافي ينطلق من الطبقة السفلى إلى العليا داخل الجهة المستهدفة، ولكن…..، حاولت طرح السؤال قبل إن يوقضني صوت الهاتف، أحدهم يتصل.

خرجت بعدها إلى شراء بعض الحاجيات، ثم زرت أحد الأصدقاء وهو كان صاحب الاتصال إذا قام من خلاله بدعوتي لمأدبته، وكان يقطن في ذات الفرع، تبادلنا الأحاديث المعتادة، تحت مرأى ببغائه الذي كان يردد مايقوله صديقي، كم كان قفصه جميلا.

أحدث المقالات