تضعنا الرقابة عادة تحت مجهر التصويب والتصحيح والتقويم، لاسيما وأن كلنا خطاؤون، كما أنها تبعد عنا شبح الحساب والعقاب من قبل نظيرنا الإنسان في الدنيا، ومن الله جل وعلا في الآخرة. وهذا المبدأ يصح حتى في العلاقات الفردية وعلى أدنى المستويات والأعمال. فوجود الرقيب إذن، إيجابي في كل الأحوال. لذا نرى في كل وزارة او هيئة او مؤسسة كادرا متخصصا للرقابة، وكلما كانت المؤسسة أكثر أهمية او أشد حساسية في البلد كان دور الرقابة أوسع، وأكثر دقة. وأحيانا يكون عمل الرقابة علنيا بخطط وخطوات مكشوفة للجميع، ولاضير من ذلك مادامت كل الجهات متفقة على ضرورة وجوده. وفي أحيان أخرى يكون عمل الرقابة سريا، من دون علم الجهة المراقَبة، وهذا مانراه في أجهزة الاستخبارات والأمن والتحريات، وما الى ذلك من المؤسسات التي يوجد فيها طرف ليس من مصلحته وجود رقيب على عمله، وقطعا هذا ينم على عدم مشروعية هذا العمل، او كونه في تضاد مع جهة او جهات أخرى يصيبها ضرر من جراء القيام به. وهناك حالات أخرى يكون فيها عمل الرقيب سريا جدا.. جدا، كتلك التي تجري في دهاليز السياسيين والتي تكشف لهم المبطن ليس من الأعمال فقط، بل من النيات والأفكار التي تدور في خلد العدو والصديق، والقريب والبعيد، السليمة منها وغير السليمة، والتي لم تظهر على أرض الواقع بعد.
اليوم نمر نحن العراقيين بظرف حساس جدا، وماحساسيته هذه إلا لكون عنصر الوقت فيه لايتحمل تأخيرا أو تسويفا او مماطلة، فالثمن المدفوع من جراء أي من هذه الثلاثة سيكون غاليا جدا، ويقوم بدفعه أناس لاذنب لهم في كل مايحصل. والظرف هذا يشترك في العيش تحت وطأته كل العراقيين، بدءًا من أصغر فرد في المجتمع، صعودا الى أكبر رأس على قمة هرمه.
وعلى ذكر أكبر رأس على قمة هرم الدولة العراقية، وددت الإشارة الى أن منصبا مثل منصبه يكون بطبيعة الحال أول المسؤولين عن انفلات الرقابة في البلد، فمن المؤكد أن من أولويات مسؤولياته الحفاظ على جدوى الرقابة في مؤسسات دولته، فيكون العين الساهرة والرقيبة على الرقباء، وإلا فإشغاله منصبا كهذا يعد افتراءً على المواطن الذي يلتمس الإخلاص في مسؤوليه وساسة بلده، إذ من غير المعقول أن يشترك جميعهم -الساسة والمسؤولون ورئيس البلاد- في تهديم أسس البلد كل من موقعه، سواء أكان ذلك بالإهمال أم بالتهاون أم بالتواطؤ أم بالخيانة!
شاهد ما تقدم من سطور، هو الفرحة العارمة التي بدت على رأس الدولة العراقية ورقيب الرقباء وحامي الدستور، رئيس جمهوريتنا الديمقرطية الفدرالية التعددية فؤاد معصوم، تلك الفرحة التي أطارته -وليس طيّرته لاسمح الله- بحسن استقباله وتهليله بعودة نوابه الثلاث، والذين صدر بهم بيان بالإقالة قبل أكثر من عام، وفق حاجة البلد الى تقليل النفقات والمصروفات التي أثقلت كاهل المواطن. وحدث مثل هذا في ظرفنا الاقتصادي الحالي يهمش المواطن ومصلحته وحاجته، ويرمى بحاضره ومستقبله الى مجهول سبقهما اليه ماضيه، كما أنه يضرب احترام رغبته عرض الحائط. فهنيئا للثلاثي تسنمهم مناصبهم من جديد، وألف مبارك لرئيسنا على لم شمل نوابه، أما المواطن فليس له من السلة عنب، ولن ينوبه من الطيب نصيب، وليخرج “من المولد بلا حمص” بيقين راسخ أن ضحك ساسته ليس على الذقون فحسب، بل هو ضحك على مصائر البلاد وملايين العباد.
[email protected]