منذ تسلم الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة بايدن مقاليد البيت الأبيض، والرئيس الجديد، يقوم بإصدار وإلغاء العديد من القرارات الهامة التي اتخذها نظيره السابق ترامب بشأن سورية، وكان آخرها في 8 شباط 2021، إذ أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) أن قواتها في سورية لم تعد مسؤولة عن حماية النفط، وأن واجبها هو مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية، وذلك خلافاً لما كان أعلنه الرئيس السابق ترامب.
على خط مواز، امتنع وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن عن تأييد اعتراف إدارة ترامب بسيادة كيان الاحتلال على هضبة الجولان المحتلة، مشيراً بدلاً من ذلك إلى أهمية المنطقة لأمن الاحتلال، ومنح الرئيس السابق ترامب اعترافاً أمريكياً رسمياً بسيادة الكيان الصهيوني الإرهابي على الجولان في عام 2019، في تحول كبير عن سياسة اتبعتها الولايات المتحدة لعشرات السنين.
في العلن بايدن هو رجل ديمقراطي وأنه يتحرك باتجاه الدفاع عن الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان ومواجهة التنظيمات المتشددة المتطرفة وحل الأزمات في الدول العربية. لكن نؤكد هنا أن بايدن هو من قاد مشروع التفتيت في العراق عام 2003 وهو من اقترح عام 2006 دولة كردية على الحدود الجنوبية الشرقية لتركيا، وهو من أكد بأن يكون الحسم في سورية عسكريا وليس سياسياً، كما كان من أهم الداعمين لإرسال السلاح والعتاد إلى مجموعات قسد تحت ذريعة محاربة مجموعات داعش الإرهابية.
كما أن هناك تقارير كثيرة لا نتوقع أن تبدل واشنطن من نهجها تجاه سورية، فأمريكا منذ عقود طويلة تحمل العداء والحقد على سورية، فهي تعمل على تعقيد الملف السوري أكثر فأكثر والحؤول دون حدوث التفاهمات إذا ما شعر أن الأمور ستكون على حساب واشنطن وحلفائها المحليين والإقليميين والدوليين في المنطقة، والحث على عدم انسحاب القوات الأميركية من شرق الفرات وزيادة الدعم المقدم لقسد والوقوف إلى جانب مخطط تقسيم سورية و افتعال أزمات متجددة عبر اشعال جبهات عسكرية جديدة بين الحكومة السورية وقسد أو بين الأكراد والعرب لتكريس الخرائط وتثبيتها جغرافياً، بالإضافة الى تعزيز موقع إسرائيل ونفوذها في المنطقة من خلال إنجاز المزيد من خطوات التطبيع العربي -الإسرائيلي.
أميركا لطالما قالت أنها تحمي حقول النفط السوري من الوقوع في يد عصابات داعش، وتذرعت بأن وجودها في سورية سببه حماية هذه الحقول وبهذا الإعلان هي تسحب حجة وجودها وتستبدلها بحجة واهية أخرى. فالحقيقة التي يجب أن ندركها بيقين إن بقاء القوات العسكرية الأميركية في سورية لمحاربة داعش كما يدعي الرئيس بايدن، سيعني بأي حال من الأحوال الإبقاء على قناة مناورة تحاصر التمدد الروسي في الملف السوري عموما، وفي مناطق حقول النفط والغاز في شرق الفرات خصوصاً، كل ذلك سينبثق عنه أدوار أخرى بمستويات مختلفة، أهمها مصير مناطق شرق الفرات ، والدعم الأمريكي لمنح أكراد “الإدارة الذاتية” كياناً مستقلاً مدعوماً سياسياً من الولايات المتحدة.
إن المسرحية الهزلية والتي تقودها واشنطن وأعوانها لتحرير سورية من القوى المتطرفة والمرتزقة الأجانب، خاصة بعد إنتشار المعسكرات التدريبية للجماعات المسلحة والقوى المتطرفة وتوسعها في المنطقة، ومع هذا لم نرَ أو نسمع عن إستهداف الجيش الأمريكي لهذه التجمعات والمعسكرات، بل سمعنا عن دعمِهم وإمدادهم بالأسلحة المتنوعة والفتاكة، بل وشن الغارات الجوية على من يقومون بمحاربتهم ، لذلك فإن الهدف الحقيقي وراء الحرب على سورية يتمثل في كسر إرادة الشعب السوري ودوره وإنقاذ المشروع الأمريكي من الانهيار خاصة بعد صمود الجيش السوري وتحركه لتطهير الأراضي السورية من داعش وأدواتها، بالإضافة الى العودة للسيطرة على المنطقة من خلال البوابة السورية.
وبإختصار شديد: إن كانت أمريكا جادة في القضاء على الإرهاب، فلتتجه أولاً إلى المصدر المغذي للإرهاب في الفكر والمال والرجال وكل أنواع الدعم الأخرى، سواء كانت إسرائيل أو بعض الدول العربية التي تعمل لخدمة الإرهاب، ومن هذا المنطلق فإن داعش صنيعة أميركا، بل إن إيجادها يأتي بهدف شق الصف الإسلامي وإشغال المسلمين عن خطر الكيان الإسرائيلي وأهدافه في المنطقة. وبالتالي فأن من مصلحة الجميع أن تنهض سورية وتتعافى كي تمارس دورها التاريخي في حفظ الأمن القومي وإحباط كل المخططات التي تستهدف تفكيك دول المنطقة.