23 ديسمبر، 2024 9:04 م

قرار مجلس الامن 2107 والعلاقة بين العراق والمجلس الامن

قرار مجلس الامن 2107 والعلاقة بين العراق والمجلس الامن

إن العلاقات القائمة بين الدولة العضو والمنظمة الدولية لا يمكن إن تتمخض عن خضوع تلك الدول للمنظمات التي أسستها أو أنظمت إليها إذ إن هذه الأخيرة ليست سوى أداة لتنسيق الأهداف المشتركة التي تعجز الدول الأعضاء فرادى عن الوفاء بها فتعهد بها من ثم إلى تلك المنظمات لتحقيقها وهي عندما تفعل ذلك لتتنازل البتة عن سيادتها لصالح تلك المنظمة وإنما توكل إليها مهمة تحقيق بعض الأهداف المشتركة بينها بواسطة الأجهزة الخاصة بالمنظمة والتي تمثل الدول الأعضاء حجر الأساس فيها حيث يتوقف نجاح هذه الأجهزة على التعاون الجدي لتلك الدول وحسن نيتها في أداء الالتزامات الملقاة على عاتقها( ) ومن ثم لا ينبغي اعتبار المنظمة الدولية سلطة عليا فوق الدول تنتقص من سيادتها وتمارس عليها حقا من حقوق السلطة، وإذا كان الانضمام للمنظمة الدولية يقيد بالضرورة من حرية الدولة في ممارسة سيادتها فكذلك الشأن فيما يتعلق بكل ماتبرمه الدولة من معاهدات أيا كانت طبيعتها دون إن يؤثر ذلك إطلاقا في طبيعة المنظمة الدولية فليست هي بأي حال من الأحوال سلطة فوق الدول( ) وليس لها في أي حال من الأحوال سوى سلطات محدودة أو محددة سواء نصت على ذلك وثائق تأسيسها أو غفلت عنه وسواء أكانت منظمات عالمية عامة أو منظمات إقليمية متخصصة مما يرتب عليها بالتالي ضرورة التزامها بحدود تلك الاختصاصات الصريحة منها والضمنية( ).
     فالقاعدة الأصولية التي تحكم العلاقات بين الدولة العضو والمنظمة الدولية تحصر دور هذه المنظمات بواجب التنسيق دون التدخل في الشؤون الداخلية وهو ما أكدته محكمة العدل الدولية ومجده الميثاق في المادة الثانية (الفقرة الأولى والسابعة) وكذا جاء في رأي المحكمة الاستشاري الذي أصدرته المحكمة في قضية تعويض موظفي الأمم المتحدة ((إن الاعتراف لتلك الأخيرة بالشخصية القانونية الدولية لا يعني البتة أنها تعد دولة أو أنها تتمتع بذات الحقوق وتتحمل ذات الالتزامات المقررة للدول كما انه ليس مؤداه كذلك، في نظر المحكمة أنها تعد دولة فوق الدول أيً ما كان مقصود هذا الاصطلاح، إن هذه النتيجة تعني فحسب ،في رأي المحكمة، إن المنظمة تعد من أشخاص القانون الدولي لها أهلية التمتع بالحقوق وتحمل الالتزامات الدولية )) ( )  .
     غير إن ذلك لايحول وفقا لما هو مطبق في القانون الدولي دون تدخل بعض المنظمات فيما يعد من صميم الاختصاص الداخلي للدول ولعل مرد ذلك أمران أولهما إن مصطلح الاختصاص الداخلي غير محدد المعالم يتسع محيطه ويضيق وفقا لعناصر ومبادئ وأفكار هي الأخرى متغيرة ، وثانيهما إن القيود التي تحول دون تدخل المنظمة في الاختصاص الداخلي للدول الأعضاء لاتعدم لذلك الاختصاص وإنما توقفه فقط( ) ويكون للمنظمة في الوقت الذي تزول فيه تلك القيود إن تمد سلطاتها واختصاصاتها فتتناول تلك المسائل التي تحسبها الدول الأعضاء من صميم شؤونها الداخلية إلا إن تدخلها هنا يجب إن يتم وفقا لمراعاة مستفيضة للمبادئ والأسس التي أقيمت عليها المنظمة ويأتي مبدأ المساواة القانونية في مقدمة تلك المبادئ فقد نص عليه  ميثاق الأمم المتحدة في الفقرة الثانية من الديباجة وفي الفقرة الثانية من المادة الأولى وفي الفقرة الأولى من المادة الثانية بحيث يشمل هذا الحق صيانة شخصية الدولة وحقوقها في السيادة الكاملة وسلامة إقليمها واستقلالها السياسي( ) وبالتالي فان أي عمل تقوم به المنظمة الدولية يجب إن يحرص أمثل الحرص على الاستقلال السياسي للدول الأعضاء وعلى السلامة الإقليمية وهو ما أكده الأمين العام للأمم المتحدة في تصريحه بشأن طلب الحكومة المصرية سحب قوات الطوارئ الدولية من إقليمها في أيار 1976 إذ أشار إلى انه (( إذا لم يحق للدولة المضيفة لقوات الأمم المتحدة إن تطلب سحبها – أي قوات الطوارئ الدولية- أو إذا طلبت ذلك ولم تنسحب تحولت تلك القوات إلى قوات احتلال لأراضي الدولة المضيفة وهذا يتناقض مع ميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي واستقلال تلك الدولة وسلامتها الإقليمية)) ( ). 
كما ينبغي لتدخل المنظمة إن يكون بشكل توصية سواء أكانت توصية بسيطة تحتفظ إزاءها الدول بحرية كاملة في رفضها أم الامتثال لها أم كانت توصية مقرونة بمراقبة تنطوي على عنصر إلزام بحيث يترتب على الدول التي لا تنفذها إن تبين أسباب رفضها أو كانت توصية تنطوي على نتيجة معينة تلزم الدول بتحقيق النتيجة المتوقع إحرازها، لأن جميع صور التوصية هذه تتقبلها الدول ((بطيب خاطر))( ) حتى لو كانت تلك التوصية تنصب على دستور الدولة العضو( ) فقد وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 29حزيران 1962 على مشروع القرار الذي قدمته مجموعة الدول الأفريقية والآسيوية بإجراء تعديلات دستورية كبيرة في روديسيا الجنوبية تكفل المساواة بين العناصر المختلفة و جاءت الموافقة بأغلبية 72 صوت وامتناع 27 دولة ومعارضة دولة واحدة هي المملكة المتحدة إذ عدت القرار صادرا بلا سند قانوني يعطي للأمم المتحدة التدخل فيما يعد من صميم الشئون الداخلية لروديسيا( ).
      وبجدر بالمنظمة أخيرا قبل إن تشرع  في عملية التدخل إن تراعي مبدأ حسن النية في العلاقة بينها وبين أعضائها فإذا ما أوكلت مهمة لعضو كان لها إن تأخذ كل عمل يقوم به العضو وان لم يتبين مغزاه على انه خطوة في تنفيذ ما أوكل إليه ووفقا هذا السياق جاء قرار محكمة العدل الدولية في قضية التجارب النووية بين فرنسا واستراليا سنة 1973 ((إن المحكمة رأت في نهاية المطاف عدم جدوى الاستمرار في نظر الدعوى ذلك إن المحكمة إذا ما اقتنعت بما تنوي إن تلتزم به الدولة في تصرفاتها المستقبلية فلا يجوز لها إن تفترض احتمال عدم قيام الدولة بالتزاماتها هذه)) ( ).
     هذه هي أبرز أسس وملامح وصفات وشروط العلاقة بين المنظمة الدولية والدول الأعضاء فيها ولو أجريت محاولة لإخضاع العلاقة بين العراق ومجلس الأمن أحد أجهزة الأمم المتحدة لتلك الأسس والشروط لكانت نتيجة تلك المحاولة الإخفاق حيث لم تعمل الأمم المتحدة ممثلة بمجلس الأمن على مراعاة الاختصاص الداخلي للعراق وتجاوزت حدود ذلك الاختصاص وتدخلت وكان تدخلها تجاوزا لكل شروط التدخل التي أسلفنا الإشارة إليها فلم تراع مبدأ المساواة القانونية الذي كفله الميثاق نفسه والذي حدد مفهومه بالاستقلال السياسي والسيادة الإقليمية فعبثت بالإقليم العراقي واقتطعت منه ما تشاء وألحقته بدولة أخرى ربما لاترغب في مثل هذا الإلحاق وضيقت عليه السبل وحالت بينه وبين الوصول إلى البحر وألبست تدخلها صيغة الجبر والقهر والإلزام متناسية أنها تتعامل مع دولة ذات سيادة تتقبل التوصية أكثر من تقبلها للقرار .