قرار حذف المجلس الفقهي: تحوّل حزب الدعوة من المرجعية الفقهية إلى المرجعية الحزبية

قرار حذف المجلس الفقهي: تحوّل حزب الدعوة من المرجعية الفقهية إلى المرجعية الحزبية

المقدمة
شكّل حزب الدعوة الإسلامية عند تأسيسه أواخر الخمسينيات تجربة غير مسبوقة في الوسط الشيعي؛ إذ جمع بين الطابع الديني المستمد من المرجعية، وبين الطابع التنظيمي الحركي المتأثر بالمدّ الإسلامي السياسي العام. غير أنّ هذا التوازن لم يدم طويلًا، فقد شهد الحزب منعطفًا خطيرًا تمثّل في صدور كتيّب داخلي بعنوان “قرار حذف المجلس الفقهي”، وهو القرار الذي غيّر البنية الفكرية والتنظيمية للحزب بصورة عميقة.
أولًا: الخلفية التاريخية للمجلس الفقهي
منذ البدايات، كان الحزب يتبنى وجود مجلس فقهي يشرف على مساره الفكري والسياسي، ويمنحه الشرعية الدينية.
استند هذا الخيار إلى رؤية السيد محمد باقر الصدر الذي شدّد على أن أي حركة إسلامية لا يمكن أن تنفصل عن المرجعية الفقهية.
المجلس كان يضم عددًا من الفقهاء الذين يمثلون “الغطاء الشرعي” للحزب، ويبتّون في المسائل الحساسة.
ثانيًا: مضمون قرار الحذف
الوثيقة الداخلية قررت رسميًا إلغاء المجلس الفقهي داخل الحزب.
استبدلت القيادة المرجعية بالاعتماد على “المؤمنين العدول” أي النخبة الإسلامية الواعية من الكوادر الحزبية.
استند القرار إلى الآية الكريمة:
> {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} [آل عمران: 104].
عمليًا، هذا التحول عنى أن الحزب بات يمنح الشرعية لنفسه من داخل التنظيم، لا من خارج المرجعية الدينية.
ثالثًا: الدوافع وراء القرار
1. الخلاف مع المرجعية: كان هناك توتر دائم بين الحزب والمرجعية النجفية، خاصة مع السيد محسن الحكيم ثم السيد الخوئي، بسبب تحفظهم على العمل الحزبي السري.
2. الهاجس الأمني: وجود مجلس فقهي مكشوف يعرّض الفقهاء للخطر في مواجهة النظام البعثي.
3. التأثر بفكر الإخوان المسلمين: حيث تُسند القيادة إلى “النخبة المؤمنة” بدلًا من الفقيه المرجع.
4. الرغبة في الاستقلال: أرادت القيادات الحزبية التحرر من سلطة الفقهاء والمرجعية في القرارات السياسية والتنظيمية.
رابعًا: التداعيات والنتائج
انسحاب الفقهاء: مثل السيد كاظم الحائري الذي اعتبر القرار خروجًا على أسس الشرعية.
فقدان الغطاء الفقهي: الحزب لم يعد يستند إلى مرجعية شرعية واضحة، بل صار حزبًا سياسيًا أكثر منه حركة دينية.
إضعاف الهوية الشيعية الخاصة: بعدما اقتربت صياغاته الفكرية من الحركات السنية كالإخوان المسلمين وحزب التحرير.
تصدعات داخلية: ظهر تيار يدافع عن “فقهية الحزب” وآخر يصر على “تنظيمية الحزب”.
خامسًا: البعد الفكري
القرار مثّل انتقالًا من فكرة المرجعية الفقهية إلى المرجعية الحزبية.
عمليًا، نسف هذا الخيار إحدى الركائز العقائدية للتشيع، وهي أن الفقهاء نواب الإمام في زمن الغيبة.
هذا ما دفع بعض النقاد للقول إن الحزب تبنى “فكرًا هجينًا” لا هو شيعي خالص ولا هو إخواني صرف.
إن قرار “حذف المجلس الفقهي” لم يكن مجرد خطوة تنظيمية داخلية، بل كان انعطافة فكرية كبرى، وضعت حزب الدعوة على سكة جديدة: من حركة شيعية ذات غطاء فقهي إلى تنظيم سياسي يعتمد على كوادره الداخلية لإنتاج شرعيته. وهذا القرار لا يزال موضع جدل كبير في تقييم مسيرة الحزب ودوره في الفكر الإسلامي المعاصر.

أحدث المقالات

أحدث المقالات