فوضى رأي عام وسجال سياسي، أحدثه قانون أمريكي بخصوص العراق، يتعامل مع الوضع العراقي على اساس مكونات بشكل مباشر لاكتلة واحدة وحكومة تمثلها؛ حيث مررت لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب الأميركي مشروع قانون يفرض شروطا لتخصيص مساعدات عسكرية أميركية للعراق بقيمة 715 مليون دولار من ميزانية الدفاع لعام 2016. القرار ينص على تخصيص المبلغ المذكور للقوات المشاركة في القتال ضد تنظيم داعش، على أن يذهب 25 في المئة منه مباشرة إلى قوات البيشمركة والقوات السنية. واشترط القرار صرف الـ75 في المئة المتبقية بعد أن تقدم وزارتا الدفاع والخارجية ما يثبت التزام الحكومة العراقية بعملية المصالحة الوطنية، وفي حال فشلتا في إثبات ذلك، يذهب 60 في المئة من المبلغ المتبقي للقوات الكردية والسنية. تكمن خطورة القرار الأمريكي في أنه يؤسس لفكرة التعامل مع مكونات الشعب العراقي كلً على حدى، وهذا قرار قد يبنى عليه قرارات لاحقة من الولايات المتحدة ذاتها وبلدان اخرى غيرها مثل الأتحاد الأوربي، كما إن القرار يشجع المكونات العراقية على اللجوء للخارج على ان يتعاملوا مع الحكومة الأتحادية ويعزز فكرة الأنقسام المجتمعي والسياسي أكثر.
ورد في نص القرار ان العراق سيستفيد من معونة عسكرية اجمالية قدرها 715 مليون دولار، وهذه نقطة إيجابية اغفلها الجميع. تكمن إستفادة العراق في ان الحكومة العراقية تعاني من عجز نقدي يعيق مساعيها لشراء سلاح وذخيرة حتى ان رئيس الوزراء العراقي طلب عند زيارته للولايات المتحدة مؤخراً، ان يشتري سلاح بالدين. كما اخبرنا وزير الدفاع العراقي عدة مرات ان قوات الجيش العراقي تقوم احياناً بأقتراض سلاح وذخيرة من قوات الحشد الشعبي والبيشمركة بالنظر للنقص الموجود في الوزارة ومع تزايد عدد المتطوعين والعسكريين. كما إن العراق قد خسر معدات عسكرية تقدر بمئات الملايين من الدولارات بل ان البعض قال مليارات بسبب سيطرة داعش على عدة محافظات عراقية والأستخواذ على مستودعات للجيش العراقي، مما احدث نقص في إمكانيات وزارة الدفاع التي وفرتها عبر صفقات تسليح في سنوات سابقة.
بعيداً عن فكرة التقسيم ونزولاً للواقع، فأن فكرة الرفض وردود الفعل العراقية اتجاه القانون تكمن في عدة اسباب اخرى، فالمقصود بمعارضة التسليح خارج الحكومة العراقية ليس الأكراد بل العرب السنة. فالأكراد يتسلحون منذ اول يوم دخلت فيه داعش الموصل ومن عدة بلدان بينها المانيا وايطاليا وفرنسا وبعيداً عن الحكومة العراقية والتي تبرر ذلك بأنه يمرعبرها ولاشيء في الواقع يؤيد التبرير الحكومي، حتى ان الأكراد يمتلكون اسلحة ومعدات لاتمتلكها اليوم الحكومة العراقية ولا حتى الحشد الشعبي وتأكيد لذلك فأن النائب هيثم الجبوري كشف يوم الاثنين عن وصول 70 طناً من الاسلحة المتنوعة الى اقليم كردستان من المانيا دون علم الحكومة. كما ان الحشد الشعبي وبعض الفصائل فيه قد تسلحوا بشكل مباشر من ايران وكما البيشمركة فأن بعض معداتهم لاتمتلكها الحكومة العراقية وبالتأكيد لم يتسلحوا عبرها ومن خلالها. اما سبب رفض الحكومة العراقية والتحالف الوطني تحديداً فأنهم يخشون من مصير هذا السلاح وهل هو فعلاً سيكون لمقاتلة داعش؟!. وماذا بعد داعش؟. كما ان الحكومة سبق لها تسليح بعض الصحوات السنية المقربة منها في سنوات سابقة لكن السلاح قد إختفى بعد حين كما تقول، كما هناك قلق من امكانية تشجيع السلاح للعرب السنة على اقامة اقليمهم او استخدامه في نزاع مع الدولة او حتى تركه لداعش كما تركه الجيش العراقي عند الأنسحاب من الموصل وغيرها. الحكومة في هذا الجانب اكثر واقعية وهي تعترف رسمياً من خلال الفكرة بأن هناك مشكلة في العراق بين العرب السنة والدولة لم يتم حلها للأن مما يتسبب في عدم وجود ثقة متبادلة. حتى الأكراد لو لم تكن لهم مصلحة في التسليح بنفس القانون لرفضوه وشنوا حملة ضده، ذلك لأن مناطق العرب السنة هي المجاورة لهم والخلاف على حدود المحافظات والمناطق المتنازع عليها هو بينهم؛ مما يدعوهم لعدم تأييد ايجاد قوة قريبة منهم. كما ان الحشد الشعبي لايريد منافس على الأرض بعد ان استطاع ان يكون الكيان الوحيد في الساحة بجانب القوات الحكومية وبقوة عسكرية كبيرة وتأييد شعبي واسع له وحده. ومثلما يتخوف الشيعة والأكراد من القوة السنية، يتخوف السنة من القوة الشيعية والقوة الكردية.
كل حجج معارضة تسليح العرب السنة تبدو واهية، ذلك لأن عدة عشائر سنية تقاتل داعش منذ أشهر بأمكانيات أقل من البسيطة ووقعت عليها مجازر كبيرة من تنظيم داعش مثل ماحصل مع البونمر في الأنبار وغيرهم كما حصل في صلاح الدين، ولم تسعفهم الحكومة في اسناد او دعم. لاحقاً هذا أدى وسيؤدي لعزوف عن القتال فلا أحد يدخل معركة بلا سلاح وهو أمر منطقي. اليوم هنالك مالايقل عن عشرة الاف متطوع من عشائر الأنبار ينتظرون تسليح حتى يباشرون المعركة وفق تصريحات لرئيس مجلس اسناد العراق حميد الهايس المقرب من احزاب الحكومة، وغيرهم في محافظات اخرى. وهؤلاء يريدون تحرير محافظاتهم بأنفسهم دون معارضة في اسناد من قوات اخرى مثل الحشد الشعبي او البيشمركة، لكن ماتريده الأحزاب هو تهميش هؤلاء وزج مقاتليها بدلاً عنهم في المعارك كطرف أساسي وهذا لن يؤدي إلا لمشكلة مثل تلك التي حدثت في تكريت وقد أكبر بكثير لأن تكريت كانت خالية من السكان تقريباً اما بقية المحافظات فيها سكان مدنيون لايمكن التعامل معهم وتمييز المتورط من المدني إلا من ابناء المحافظة ذاتها.
قطعاً ان رئيس الوزراء العراقي في مأزق، فهو لايمتلك فعل شيء في قضية تسليح العرب السنة تحديداً بالنظر للواقع السياسي والعسكري على الأرض والمعارضة الشديدة التي تحظى بها الفكرة. والأكيد ان هذه الأزدواجية في التعامل مع البيشمركة والحشد الشعبي من جهة والتشدد اتجاه العشائر قد احدثت تصدع سياسي قابل للتطور أكثر كما تطور الأن ليصل لقرار من الكونغرس الأمريكي.
التقدم في المعارك هو ماكون هذا الرأي المعارض، فأولاً لم تكن المعارضة بهذا الشكل الحاد لكن مروراً بالوقت باتت موجودة. العراقيون يتعاملون مع مشكلة داعش بأنها معركة نخوضها وإنتهينا ولاداعي ان نسلح احد او نخلق قوة تنافس وتتفاوض وتفرض شروط، لكن نظرة العالم تختلف فالأمر ان داعش في النهاية قوة محسوبة على السنة ومقاتلتها من السنة نفسهم ليس بهدف هزيمتها عسكرياً في الأساس بل كي يتم القضاء على الفكرة ذاتها وحتى لاتذهب داعش وتعود اخرى كما حصل وذهبت القاعدة ثم عادت داعش وكان السبب ان غرور الأنتصار العسكري والذي احدثه السنة نفسهم بطرد القاعدة، قد انعكس على السياسة مما وفر بيئة جديدة في مناطق السنة لتنظيم اشرس من القاعدة. فالحلول العسكرية وقتية لا دائمية والحلول الصحيحة هي بألغاء اسباب وجود هكذا تنظيمات وتدمير البيئة التي تتغذى عليها.
لايبدو ان هناك حل غير قانون الحرس الوطني والذي يفترض الأتفاق عليه الأن أو حتى كما رأى القيادي في التيار الصدري أمير الكناني؛ حيث دعى لتشكيل “الحرس الوطني” في المناطق السنية على الأقل، كخطوة استباقية حتى من دون تشريع نيابي أسوة بـ”الحشد الشعبي” لتفويت الفرصة على القرار الأمريكي. البرلمان العراقي صوت على رفض القرار الأمريكي لكن بتصويته عزز رؤية الولايات المتحدة حيث ان السنة والأكراد انسحبوا من التصويت، بينما انبغى ان يكون هناك اتفاق ليصوت الجميع حتى يكون قرار رفض عراقي متكامل يحقق شيء، اما بصيغة ماحدث فأنه بلاقيمة. كما ان مجلس محافظة كركوك قد صوت على مباركة القرار الأمريكي وهنالك الكثير مما يؤكد الأنقسام العراقي الحاد والذي يوجب ان يكون هنالك صيغة حوار داخلي والأتفاق على المرحلة القادمة وشكلها تجنباً للمشاكل.