أن ما جئنا به هو مجرد تساؤل يحق لأي مواطن عادي يوجهه الى المحكمة الاتحادية ، ما هو موقفها في حالة تعرض البلد لخطر عسكري محدق او كارثة بيئية والحكومة هي حكومة تصريف أعمال يومية ؟، أننا كنا سنكون مع قرار الاتحادية بشأن مشروع قانون (الأمن الغذائي) لو أنه لم يكن وليدا لمناكفة سياسية بين كتل اطالت بتصرفاتها من عمر حكومة تصريف الأعمال اليومية ، وقد كانت المحكمة الاتحادية السابقة جزءا مسببا للانسداد السياسي وإطالة عمر الحكومة المنتهية ولايتها بتفسيرها الخاطئ للفقرة اولا من المادة 76من الدستور ، وبالنتيجة فأن الحكم صار خصما في هذه الحالة .
أن التدابير التي لا تحتمل التأخير والتي لم يعرها الدستور النافذ أهمية تعد ركنا أساسيا في اصدار القوانين ، ذلك أن حياة الدول لا تسير على وتيرة واحدة وانما تتخللها فترات الشدة والأزمات التي قد تهدد كيانها واستمرار وجودها ، فإذا كانت السلطات العامة يقع على عاتقها التزام النظام القانوني في ظروفها العادية إلا أن هذا النظام قد يعجز في فترات الاخطار والازمات عن وضع الحلول المناسبة ، ففي مثل هذه الظروف يجب احترام القوانين التي وضعت موضع التنفيذ ولكن بمنظار مغايير لا يبتعد عن روح هذه القوانين ، وفي حالة عدم اتخاذ مثل هذا الإجراء قد يؤدي الجمود إلى تعرض الدولة للخطر وهو ما لا يتلاءم ونية أي مشرع والقائمة على وجوب الحفاظ على كيان الدولة ووحدة المجتمع .
أن نظرية الضرورة الملجئة لها أهمية كبرى في كل مناحي الحياة الإنسانية ، فما من انسان في هذا الكون الا وتحيط به ظروف تدفعه للخروج خروجا استثنائيا عن بعض القواعد الواجب احترامها ، وان الضرورة الملجئة لحالة مثل حالة العراق الذي يتمتع فيه الساسة بالحرية المطلقة لتعطيل الإدارة العامة تعد علاجا ناجعا لتجاوز حالات الخطر سييما وان الدستور النافذ يعد دستورا عاجزا عن معالجة حالات الخطر والأزمات التي قد تلحق بالبلاد
أن التدابير التي لا تحتمل التأخير لم يكن ليعالجها دستور عام 2005 وهو خطأ تشريعي تجاوزه الدستور الكويتي على سبيل المثال وفقا لما جاء بالمادة 71 منه والتي تنص على ،،اذا حدث فيما بين ادوار انعقاد مجلس الأمة أو في فترة حله ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير ، جاز للأمير أن يصدر في شأنها مراسيم تكون لها قوة القانون ، فما بالكم ونحن في دورة انعقاد مجلس النواب المنتخب حديثا وله حق التشريع ومراقبة التنفيذ . ولو على حكومات تصريف الأعمال اليومية .
أن الضرورة الملجئة في أصل القوانين هي جزء من مبدأ المشروعية ، وهي تعني التقدير الذي تمارسه السلطة التنفيذية في غياب الحكومة الدائمة وأنها جائزة عمليا إذا كانت تحت سلطة البرلمان ، ولنا في المادة 156 من الدستور المصري مثلا حيث نصت إذا حدث في غير دور انعقاد مجلس النواب ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير ، يدعو رئيس الجمهورية المجلس لانعقاد طارئ لعرض الأمر عليه ، واذا كان مجلس النواب غير قائم يجوز لرئيس الجمهورية إصدار قرارات بقوانين ، وكما أكد الخبير الدستوري الاردني الدكتور سيف الجنيدي ، من أن صدور الارادة الملكية السامية بقبول استقالة الحكومة وتخويلها بتسيير الأعمال ، هو إجراء يتفق مع الدستور الأردني نصا وروحا ، والحكومة المكلفة بتسيير أمور الدولة تتسم بالشرعية ولها ممارسة الصلاحيات الحكومية جميعها بما فيها إجراء الانتخابات النيابية تحت إشراف الهيئة المستقلة للانتخاب ومن ثم يتوجب خضوعها للفقرة ثانيا من المادة 74 من الدستور ،
أن الخلاف الناشء بين الفقهاء حول صلاحيات حكومات تصريف الأعمال كان واقعا في الحالات العادية ، وكلها تتفق ولو بدرجات متفاوتة على ضرورة أن تكون كاملة الصلاحيات في حالات الأزمات والطوارئ وحالات الحرب ، ويفضل أن تكون تحت رقابة مجالس النواب أن وجدت أو المحاكم الدستورية ،
أن اعتراض المحكمة الاتحادية على صلاحيات حكومة تصريف الأعمال اليومية الحالية يعد اعتراضا مشروعا من حيث روح الدستور أما دستوريا فإنها اي الحكومة انتهت مدة ولايتها بنهاية الدورة البرلمانية ، في حين أن ما ذهبت إليه الفقرة . د . من ثامنا من المادة 61 تشير إلى كونها حكومة تصريف الأعمال اليومية بعد أن عدها الدستور مستقيلة نتيجة لسحب الثقة ولمدة لا تتجاوز الثلاثين يوما وهو يوم تأليف مجلس الوزراء الجديد وفقا لأحكام الفقرة ا من المادة 76 من الدستور ، ولم يكن المشرع يعلم وهو يضع هذه المادة أن الخلافات السياسية ستهزأ بالدستور وتعطل توقيتاته وتجعل من ضعفه شغل المحكمة الاتحادية المستديم والقائم على النزاعات الفردية لا نزاعات برامج أو خلاف في التزامات التنفيذ الحقيقي لمصالح الناس.
أن الكتل السياسية جميعها تعلم أنها لم تعد تملك الشرعية الشعبية بعد عزوف أكثر من 83 بالمئة من الناخبين عن الاشتراك بالانتخابات لعام 2021 ، وأنها لا زالت تسيطر على الساحة بفعل اشتراك الأقلية الموالية لها بالمال أو التهديد بالسلاح وأنها لا زالت تحارب بسيف المحكمة الاتحادية بعضها البعض الآخر ، وان حكومة تصريف الاعمال هي موالية لها شاءت ام ابت ، وان الكثير من وزرائها تلاحقهم علامات الاستفهام ، وان المحكمة الاتحادية تخشى على المال العام الكبير المهيا للسرقة تحت لافتة قانون الأمن الغذائي ، والذي هو قانون من حق المواطن والذي يراد به باطل لصالح الفاسدين ..