23 ديسمبر، 2024 10:28 ص

قرارات مجلس الوزراء … وحدود التخويل الدستوري

قرارات مجلس الوزراء … وحدود التخويل الدستوري

القسم الثاني
إن الأمانة العامة لمجلس الوزراء ، ومن منطلق التراجع السلبي عن رأيها السابق ، بادرت إلى الإيضاح بكتابها المرقم ق/2/5/27/17217 في 20/5/2010 ، إلى أن (( إستمرار بعض الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة ، بصرف الرواتب والمخصصات المقررة للمدراء العامين ، لبعض المرشحين للتعيين بوظيفة مدير عام ، إستنادا لأحكام قرار مجلس الوزراء المرقم (371) لسنة 2009 ، على الرغم من تخلف بعض شروط التعيين الواجب توفرها في المرشح للمنصب أعلاه ، وبهذا الصدد نود إعلامكم بعدم إنطباق القرار آنفا على المشمولين بالوصف المذكور ، ولذلك إقتضى التنويه )) .

إن وصفنا للملاحظة بالتراجع السلبي الذي لا نؤيده لضعفه ، يستند إلى تحفظنا التام على كل ما سبق من توجيه ، لإنعدام السند القانوني في صرف راتب ومخصصات الأصيل ، للمرشح للتعيين أو للقائم بمهام الوظيفة وكالة ، كما إن ضعف السبب ( من تخلف بعض شروط التعيين الواجب توفرهـا في المرشح للمنصب ) ، ليس في صالح مؤسسات الدولة ، كونها دليلا على إستغلال المتنفذين في دوائر الدولة لفرص الإستفادة القصوى من الإجراءات المخالفة للقانون عن جهل أو تجاهل ، بغية الحصول على أكبر قدر من المنافع والمكتسبات الآنية ، في ظل غياب المساءلة القانونية عن كل التجاوزات والخروقات القانونية ، وإلا كيف يمكن ترشيح من لا تتوفر فيه شروط إشغال إحدى الوظائف المتقدمة في التشكيلات الإدارية أو الفنية لدوائر الدولة ، والطلب من السلطتين التشريعية أو التنفيذية ، كلا حسب إختصاصها وصلاحياتها ، إقرار تعيين من لم تتوفر فيه الشروط ، إلا إذا كان المرشح والمسؤول عن ترشيحه في مأمن من المساءلة والعقاب ، وقبل ذلك كيف يجوز صرف راتب ومخصصات الوظيفة الشاغرة ، على أمل تعيين القائم بمهامها أصالة بعد إشغاله لها وكالة ، دون التحسب لعدم حصول التعيين لأي سبب كان ؟!، لأن إقرار التعيين من قبل إحدى السلطتين المذكورتين ، لا يقتصر على توفر شروط التعيين القانونية فقط ، بعدما إبتعدت المهنية والكفاءة والخبرة عن ساحة المنافسة الوظيفية ، لتحل محلها وشائج درجات ذوي القربى عرقيا وطائفيا ومذهبيا وحزبيا ، وتأثير مستويات العلاقات الشخصية والمصالح الحزبية المشتركة في توزيع المغانم على مقتضيات المصلحة العامة ، بحيث تنتهي الملاحظة القيمة بعبارة ( ولذلك إقتضى التنويه ) ؟!، وكأن صرف المال العام بغير وجه حق يقتضي (التنويه) فقط ، بدلا من إتخاذ الإجراءات الإدارية الحازمة والحاسمة ، لتجسيد درجة الجد المطلوب في معالجة الخلل ، وما نتج عنه من فساد إداري ومالي وتربوي واضح المعالم والنتائج بالأدلة والبراهين ، لإسترداد المبالغ المصروفة خلافا للقانون ، وإحالة المخالفين إلى القضاء ، إن وجد في الوقائع الإدارية ما يوجب ذلك ، ولا أعتقد أن الأمانة العامة غافلة عن التداعيات السلبية لذلك التساهل في التوجيه والإرشاد ، وما سيؤدي إليه من تمادي الكثيرين وإصرارهم على ممارسة مخالفة أحكام القانون وعدم الإلتزام بالتعليمات والتوجيهات ، لا سيما بعد توجيه الأمانة العامة المذكورة ، مكاتب المفتشين العامين في الوزارات كافة ، إلى قيامهم بإجراءات المراجعة والتدقيق ، ( تماشيا مع سياسة الحكومة العراقية في محاربة مظاهر الفساد الإداري ، ومنها تعيين الموظفين ومنح الدرجات أو المناصب ، دون إعتماد معيار سنوات الخدمة والكفاءة والشهادة والتوصيف الوظيفي والتدرج في تسنم المناصب الإدارية ، واتخاذ الإجراءات الضرورية في الوقاية والردع ) ، الذي لم نلمس منه شيئا ، كما يبدو من آخر ما لوحظ بشأن الموضوع ، وما تم ختمه بعبارة ( لذلك إقتضى التنويه ) ، التي لا تتناسب ومكانة مصدر التوجيه ، وحجم المخالفة ونوعية الضرر الذي لحق بخزينة الدولة .

إن أحكام القواعد القانونية العراقية الأصيلة ، زاخرة بما يغني عن الإستشهاد أو المقارنة مع نصوص أوامر سلطة الإحتلال المؤقتة للعراق ، إلا إن للضرورة أحكام ، عندما تتفق القواعد من حيث المبدأ لتحقيق الأهداف والغايات ، وتختلف من حيث نسيج الصياغة اللفظية للنص ، لنبرهن لمن لا يروق له الإستشهاد إلا بنص الأجنبي المحتل المفروض بالقوة الغاشمـة ، بأن عدم إستحقاق المرشح لأي وظيفة أو منصب شاغر أو من يقوم بمهام أي منهما وكالـة ، لراتب ومخصصات الوظيفة المشغولة أصالة ، إلا بعد التعيين الصحيح والسليم قانونا ، حيث ( إذا شغرت وظيفة مدير عام لأي سبب كان ، فللوزير المختص أو رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة ، أن يكلف من بين أقدم وأكفأ موظفي الدائرة أو الوزارة أو الجهة عند الإقتضاء ، من الحاصلين على شهادة جامعية أولية في الأقل ، وفي الإختصاص ذي العلاقة بعمل الدائرة أو في الإختصاص المقارب له ، أن يتولى إدارتها وكالة لمدة لا تزيد على ثلاثة أشهر ، إلى حين تعيين مدير عام أصيل لها ، ويتمتع المدير العام وكالة بجميع صلاحيات المدير العام ) ، حسب نص القرار المرقم (12) في 17/2/1997(1) ، الذي لم يتم تطبيقه ، بسبب تعارض ما يتضمنه من قواعد لا تتفق والطموح والطمع غير المشروع لمسؤولي الصدفة ، فإذا كانت الوظيفة المتقدمة في مواقع الإدارة العامة لا تزيد مدة إشغالها وكالة على ثلاثة أشهر ، لغرض تعيين مدير عام أصيل لها خلال مدة الوكالة ، فكم ستكون مدة إشغال الوظائف الأقل أو الأعلى منها وكالة ؟، وإذا كان تمتع الموظف القائم بمهام الوظيفة الأعلى وكالة ، ينحصر في إستخدام صلاحيات المدير العام الأصيل فقط ، فمن أين جاء السند القانوني للتمتع بجميع الحقوق والإمتيازات الممنوحة للأصيل خلال مدة الوكالة ، إن علينا أن نتذكر ولا ننسى أن من نافلة القول في العرف الإداري ( الوكيل كالأصيل ) ، وما يعنيه ذلك من ممارسة الوكيل لصلاحيات الأصيل ، وتحمله مسؤولية القيام بمهام الوظيفة الأعلى لغرض تيسير إنجاز الأعمال فقط ، وإذا كان إشغال الوظائف الشاغرة بدرجة أعلى وفقا لأحكام قانون الخدمة المدنية ، لا يجيز إستحقاق الموظف لراتب الدرجة الأعلى الشاغرة التي جرت ترقية الموظف إليها ، إلا بعد أن يحين إستحقاقه القانوني للترفيع حقيقة ، فكيف يكون العكس من ذلك ، وعلى أي أساس أو سند قانوني مخالف تم تمكين من يشغل الوظيفة الأعلى وكالة ؟!. التمتع بإستحقاقات الأصيل المادية ؟!، وما الفرق بينهما ؟!، أسئلة كثيرة لا يقابلها غير تمسك الفاشلين والفاسدين بقواعد الفشل والفساد ، ومنها الإصرار على إشغال الوظائف المتقدمة في دوائر الحكومة وكالة ، بسبب عدم إمتلاك الرؤية السليمة لتأمين حاجة دوائر الدولة من القيادات والكوادر الإدارية المتقدمة ، وعدم إمتلاك مقومات القدرة على إدارة شؤون دوائر الدولة أصالة ، بعد إفراغها من الكفاءات المهنية العملية لأسباب سياسية تافهة ، ظنا من سلطات الصدفة بأنها تحسن صنعا ، قبل أن تتمكن من أن تكون أفضل من سابقتها مهنيا بمقدار نقير أو قطمير؟!.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- نشر القرار في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (3659) في 3/3/1997