القسم الأول
تناولنا في مقال ( تصريف الأعمال اليومية … ماذا … وإلى أين …) ، ما يمكن لمجلس الوزراء من ممارسته وإتخاذ الإجراءات في الحالات الإستثنائية ، حسب الصلاحيات المخولة له بموجب المادة (80 ) من الدستور ، وإلى حين تشكيل مجلس الوزراء البديل ، ولما وجدنا البحث ضروريا في مضمون البند ( ثالثا ) منها ، وخاصة في مجال ممارسة مجلس الوزراء صلاحية إصدار القرارات بهدف تنفيذ القوانين ، فقد رأينا الإيضاح بعدم إمكانية مجلس الوزراء على إصدار القرارات التي لها قوة القانون ، لتحديدها بهدف تنفيذ القوانين بموجب النص الدستوري ، والتي يمكن وصفها بالتعليمات المركزية العليا لتسهيل تنفيذ القوانين ، بآليات عمل عامة شاملة وموحدة ، مراعاة للمركز القانوني الذي يتمتع به مجلس الوزراء ، ولأن ( رئيس مجلس الوزراء هو المسؤول التنفيذي المباشر عن السياسة العامة للدولة … ) حسب نص المادة (78) من الدستور ، وليس هو المسؤول التنفيذي الأول والوحيد عن السياسة العامة للدولة ، وبذلك فإن قرارات مجلس الوزراء لا تعدل قانونا ولا تلغيه ولا تستبدله ، فكيف بها إذا جاءت بأحكام تتجاوز حدود المسموح به دستوريا ، وتلك من المشاكل التي لا بد من إيضاحها ، ولما ينتج عنها من إشكاليات إدارية ومالية لا يقوى الموظف التنفيذي على مناقشتها أو ردها ، أو أن يكون باستطاعته إقناع المستفيدين الذين لا يصغون إلا لصوت تحقيق منافعهم الشخصية ، وإن كانت على حساب عدم إستحقاقهم لها ، بسبب إصدارها بفعل توجهات سياسية غير مهنية ، أو بطريق الخطأ الناتج عن تفسير أو سوء تقدير حاجة الموضوع خارج سياقات مقتضياته أو متطلباته المهنية ، وللآسف المدعومة بتعليمات وزارة المالية المسايرة لما يصدر من تشريعات ، تسهيلا لتنفيذها قبل تدقيقها ومراجعتها ، وتلك أبرز أسباب التداعيات السلبية في التنفيذ الإداري والمالي ، وتفاقم نتائجه الضارة على مستوى إدارة شؤون دوائر الدولة ، وحقوق وواجبات المواطنين بشكل عام والموظفين منهم بشكل خاص .
إن القصد من إصدار تلك القرارات هو تيسير تنفيذ القوانين ذات الأحكام العامة في الموضوعات
المشتركة أو الخاصة ، المراد تنظيمها أو معالجتها أو تيسير تطبيقها ، وليس خروجها عن جوهر وإطار دورها في التنفيذ ، كوضع أحكام جديدة لم يتضمنها القانون موضع التنفيذ ، أو تفوق أحكامها على أحكام القوانين بقوة سلطتها التنفيذية لا التشريعية ، بدلا من إنسجام قواعد وآليات الإجراءات التنفيذية مع المضمون التشريعي للقوانين ، باعتبار التنسيق هو الكفيل الضامن لتحقيق الأهداف المرجوة من التشريعات ، دون خروجها عن طبيعتها بقرارات تتجاوز حدود مهامها المساعدة على التنفيذ ، حين تستخدم كلمة ( التكليف ) مثلا ، خارج معنى ومفهوم المقصود منها ، لأنها إلزام بعض المواطنين بالعمل في وظائف معينة لمدة محددة ، بقرار صادر عن رئيس الدولة ، وإلا تعرضوا للعقاب الجنائي ، وهو بذلك يختلف عن التعيين أو التنسيب في الوظيفة المدنية وكالة أو أصالة ، إلا إن المتابع لنوعية بعض القرارات الصادرة عن مجلس الوزراء ، يجد قفزها على قواعد العمل التشريعي بقرارات تتجاوز حدود التخويل الدستوري ، وقد أشير في الملاحظة المثبتة في فهرست قرارات مجلس الوزراء ( الواردة في الصفحة (3) من الجزء الأول من الوقائع العراقية لسنة 2008 ) ، إلى أن قرارات مجلس الوزراء غير الموجودة في جريدة الوقائع العراقية ، قد صدر فيها قانون أو تشريع لم ينشر لحد الآن ، وذلك ما يؤكد إصدار مجلس الوزراء لقرارات لها قوة القانون أو تتفوق عليه ، قبل صدور القانون أو التشريع المتضمن محتوى ما تهدف إليه تلك القرارات من أغراض ، ومن المعروف أن لا يسري ذلك على المقترحات والتوصيات والإجراءات الإدارية اللازمة لممارسة بقية الصلاحيات الواردة في المادة (80) من الدستور ، لحاجتها إلى المراسلات الإدارية الإعتيادية أو السرية الموثقة ، وليس إلى قرارات أو أنظمة أو تعليمات ملزمة ، وعليه ارتأينا عرض بعض القرارات التي تجاوز مجلس الوزراء فيها حدود صلاحياته على سبيل المثال لا الحصر ، تيسيرا للإطلاع وكما يأتي :-
1- قرار مجلس الوزراء المرقم (371) في 30/10/2009(1) ، الخاص بإمتيازات إشغال الوظائف وكالة . حيث تقرر ما يأتي :-
أ- إستمرار وكلاء الوزارات وأصحاب الدرجات الخاصة كافة ، المعينين وكالة بتوصية من مجلس الوزراء ، بتقاضي راتب ومخصصات الأصيل ، وينطبق ذلك على المدراء العامين
المعينين وكالة ، والمرشحين للتعيين أمام مجلس الوزراء .
ب- عدم الرجوع إلى الموظف المعين في منصب إداري وكالة ، باستقطاع راتب ومخصصات الوظيفة التي شغلها ، طالما أنه مكلف من الوزير المختص بذلك .
ج- التأكيد على الإلتزام بالأحكام القانونية الخاصة بإشغال الوظيفة وكالة ، وإنهاء التكليف فورا ، في حالة إنتهاء المدة المحددة في القانون ، ومراعاة ذلك مستقبلا .
إن الفقرة (ج) أعلاه ، تؤكد عدم صحة ما تضمنته الفقرتان (أ و ب) من القرار ذاته ، بدليل الأمر بإنهاء حالات إشغال الوظائف وكالة فورا ، كما إن طلب الإلتزام بالأحكام القانونية الخاصة بإشغال الوظيفة وكالة في المستقبل ، يؤكد على مخالفة الحالات السابقة لتلك الأحكام ؟!، كما إن التفسير المزدوج لألفاظ كلمات وجمل وعبارات الصياغة القانونية ، من أجل تمرير آراء ومفاهيم خاطئة ، أو الإلتفاف على النص القانوني بما يؤمن الوصول إلى المطلوب تحقيقه من الأهداف والغايات ، إلى الحد الذي جعل من تلك الوسيلة أداة للتراجع عن كل ما أشير إلى مخالفته للقانون ، بعد استفحال إستغلاله وتفشي مظاهر نتائجه السلبية ، التي أدت إلى تعثر حركة التنفيذ وتخبطها وانحرافها ، بسبب زيادة حجم عقبات ومعوقات العمل في طريق وصول مقدرات الوظيفة العامة إلى إستحقاقاتها بوضوح وفاعلية وسلامة إجراءات لا شك فيها ولا شبهة عليها ، من قبيل إستخدام عبارة ( مكلف من الوزير المختص ) و ( وإنهاء التكليف فورا ) .
وبالعودة إلى الفقرة (أ) من قرار مجلس الوزراء موضوع البحث ، وما سبقها مما ورد بالفقرة (2) من كتاب الأمانة العامة لمجلس الوزراء المرقم ق/2/1/27/7193 في 3/4/2009 ، المقترن بتأييد وزارة المالية / دائرة الموازنة / قسم الملاك ، الموضح بالكتاب المرقم 403/ 39648 في 18/8/2009 ، المتضمنة جميعها إستمرار المرشحين لوظيفة مدير عام أو شاغليها وكالة لحين البت في مسألة تعيينهم ، بتقاضي الرواتب والمخصصات المقررة لشاغلي تلك الوظائف أصالة ، شجع وبشكل يفوق ما تقرر ، بإصدار مجلس الوزراء لقراره المرقم (98) في 2/3/2010(2) ، بناء على ماعرضته وزارة الدفاع بموجب كتابها ذي العدد (8/4/2908) والمؤرخ في 14/2/2010 ، القاضي ب ( الإستمرار بصرف رواتب ومخصصات جميع أصحاب الدرجات الخاصة والمديرين العامين المعينين وكالة في وزارتي ( الدفاع , والدولة لشؤون الأمن الوطني ) , وحسب ما يتقاضاه أقرانهم المعينين أصالة , إستثناء من قرار مجلس الوزراء رقم (371) لسنة 2009 , ووفقا للملاكات الواردة في مشروع قانون وزارة الدفاع الذي إقترحه مجلس الوزراء ، بجلسته التاسعة عشرة الإعتيادية المنعقدة بتأريخ 27/4/2008 , وملاكات وزارة الدولة لشؤون الأمن الوطني المقرة في قانون الموازنة العامة الإتحادية للسنة المالية لعام 2010 ) ، وإن لم يكن ذلك متفقا مع قواعد إستحقاقات الخدمة العامة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- نشر القرار في قاعدة التشريعات العراقية ، ولم ينشر في جريدة الوقائع العراقية .
2- نشر القرار في قاعدة التشريعات العراقية ، ولم ينشر في جريدة الوقائع العراقية .