قرارات كخلطة العطّار تحت قبة البرلمان العراقي

قرارات كخلطة العطّار تحت قبة البرلمان العراقي

أقرّ البرلمان العراقي مؤخراً ثلاثة قوانين جدليّة أثارت إختلافاً وصراعاً بين مكونات الشعب العراقي الواحد!.

قوانين كانت مُخبئة في أدراج مكاتب مجلس النواب تنتظر الفرصة لإقرارها، تلك الفرصة حانت بعد أن وجد ممثلوا الشعب أنهم قد وصلوا إلى قناعة بأن برلمانهم بات عاجزاً عن أداء دوره بفضل الإرادات السياسية التي باتت تتحكم في قراراته.

إنقسمت تلك القرارات كالمعتاد في أسلوب التحاصص والتخادم بين المكونات بطريقة “صوّت لي وأصوّت لك” فكان قرار العفو العام مطلباً للمكون السني بإعتباره قانوناً ينقذ أرواح الكثير من المعتقلين الأبرياء القابعين في السجون بسبب وشاية المخبر السري أو تُهم كيدية بالإرهاب، المفارقة إن قانون العفو ظل لسنوات مركوناً في أدراج مكاتب البرلمان بالرغم من كون رئيسه من المكون السني، لكن يبدو إن توقيت إخراجه في هذا الوقت للعلن كان لكسب تعاطف سياسي للنواب السنة الذين قاموا بإقراره.

أما المكون الكردي فقد طالب بقانون إعادة العقارات إلى أصحابها والذي إستفاد منه الكرد الذين رُحّلوا عن سكناهم منذ أكثر من خمسين عاماً في زمن النظام السابق.

ويأتي القانون الذي طالب به المكون الشيعي للأحوال الشخصية المتعلق بأمور الزواج والطلاق مكملاً للقرارات الجدليّة التي أُقرّت بسلة واحدة وأثارت الإستهجان والإستنكار من داخل قبة البرلمان ومن خارجه.

أدت هذه الخلافات إلى مقاطعات وإتهامات متبادلة بين الأعضاء بأن آلية تمرير القوانين مُررت بدون تصويت، مما يعكس عمق الإنقسام بشأن هذه القوانين وتأثيرها على المشهد السياسي.

يمكن القول إن قانون العفو الذي أُقرّ سيزيد من رصيد الأصوات الإنتخابية لممثلي السنة خصوصاً في المناطق المحررة لما يمثله جمهور المفرج عنهم مع عوائلهم أصواتاً إنتخابية تعزز المستقبل السياسي لممثلي السنة في الإنتخابات القادمة “إذا جرت في موعدها”، وكذلك يعزز قانون إرجاع الملكية لأصحابها الكرد في المناطق المتنازع عليها مما قد يرسم مستقبل سياسي يزيد نفوذ الأحزاب الكردية في تلك المناطق.

أما المكون الشيعي فلم يحصد غير قرار زواج القاصرات الذي أثار إستنكار ورفض من قبل منظمات حقوقية ومجتمع مدني وصل إلى المطالبة بتدويل القضية وإقالة رئيس مجلس النواب محمود المشهداني، الرئيس الذي إنتُخب منذ ثلاثة أشهر لكسر حالة الشلل الذي يمر بها الجهاز التشريعي وكان من المفترض أن يعقد أكثر من عشرين جلسة في هذه المدة على الأقل، إكتفى بجلسات لاتتعدى أصابع اليد الواحدة، وهو ما دعى المشهداني إلى مطالبة الكتل السياسية الإلتزام بالحضور والمشاركة الفاعلة في إقرار القوانين.

تصاعد الإتهامات بين الأطراف السياسية ودخول المحكمة الإتحادية على خط المعترضين قد يؤدي ذلك إلى تأخير الإنتخابات البرلمانية خصوصاً إن إقرار تلك القوانين قد تحتاج لفترة قد تطول أكثر من شهر لتطبيقها مع وجود ثغرات في تلك القوانين، منها شمول متهمين بالفساد وسرقة المال العام مثل بطل سرقة القرن نور زهير بذلك العفو! ويقال إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي صدرت بحقه مذكرة إلقاء قبض وأحمد الشرع قائد الإدارة السورية الجديد قد شُملوا بذلك العفو.

وفي خطوة غريبة من نوعها يعتزم بعض أعضاء البرلمان تقديم مشروع “الحوافز الإنتخابي” في الإنتخابات القادمة من خلال تقديم هدايا وحوافز تتضمن أفضلية بالتعيين وإعفاءات ضريبية وإمتيازات بالضمان الإجتماعي لزيادة نسب المشاركة المتدنية التي كانت لاتتجاوز 20% من أصوات أغلبية الشعب العراقي.

محاولة تشريع قانون الحوافز الإنتخابية يعكس مدى العجز والفشل الذي وصل إليه الدور البرلماني في إستقطاب أصوات الناخبين لتسجيل أعلى أصوات مشاركة في الإنتخابات، ويشير بوضوح إن النظام البرلماني في العراق لم يعد صالحاً في أداء دوره ويمثل وجهاً آخر للرشاوى الإنتخابية لترغيب الناخبين والتي كانت إلى وقت قريب تُعتبر أفعال مرفوضة لشراء ذممهم، ولذلك جاءت بعض التصريحات من برلمانيين إن النظام السياسي في العراق ربما يتغير إلى رئاسي أو شُبه رئاسي في المرحلة القادمة.

قرارات السلة الواحدة التي أقرها البرلمان العراقي تشير إلى مستقبل من الفوضى السياسية الذي تسعى إليه دول مجاورة لإشغال الجانب الأمريكي بشؤون العراق الداخلية، فقانون إرجاع الملكية سيؤدي إلى صراع بين المكونات قد يؤدي إلى إقتتال داخلي، أما قانون العفو فمصيبته شمول الفاسدين واللصوص وحتى قتلة الشعب بذلك العفو.

البرلمان العراقي الذي يضم 329 نائباً أصبح لايمثل تطلعات الشعب بل مصالح ومنافع أحزابه وكتله السياسية، مما جعل المواطن البسيط ينظر إليه كمؤسسة لإستنزاف أموال الشعب دون طائل، عسى أن يتغير ذلك الوضع بتغيير وجوه العملية السياسية.