22 ديسمبر، 2024 11:36 م

قراءه في الفقه الدستوري… تراجع نظرية السياده المطلقه لصالح السياده النسبيه..؟

قراءه في الفقه الدستوري… تراجع نظرية السياده المطلقه لصالح السياده النسبيه..؟

يزدحم فقه القانون الدستوري المعاصر بمنظومه من الاراء والافكار القانونيه التجديديه والجدليه والتي تعمل على تسويق طراز حديث للسياده يسمى( بالسياده النسبيه) بديلآ عن املاءات النظريه الكلاسيكيه للسياده المطلقه والتي تكرست مع تنامي حركات التحرر والاستقلال الوطني من الاستعمار.. وهذا المفهوم الحداثي بدأ بالظهور تزامنآ مع علوية وسمو قيم الدفاع عن حقوق الانسان بالعالم..أن السياده كركن أساسي من اركان الدوله كونها شخصيه أعتباريه وقانونيه معترف في صيرورتها ووجودها بالمجتمع الدولي.. أن فكرة او مبدأ (السياده المطلقه)برزت تحديدآ في القرن السادس عشر والسابع عشر وحتى بدايات القرن الثامن عشر. وأصبحت هذه النظريه (السياده المطلقه) تشكل ضروره فلسفيه متسلطه ومتسيده على أغلب نظريات القانون العام الداخلي والخارجي. لا بل كانت أحيانآ ذريعه وأداة للانظمه الشموليه للتمادي في أحتكارها للسلطه السياسيه وتقويض الحريات العامه ومصادرة الحقوق المدنيه والديمقراطيه.. وهكذا نجد ان صناعة مفهوم السياده المطلقه كان يختفي وراءه الامعان وبلا هواده في الانتهاك الجسيم لحقوق الانسان. وهكذا نجد الكثير من الدول وحتى الفتره الراهنه سارعت لتوثيق مبدأ السياده المطلقه في وثائقها الدستوريه وكانت (نظرية اعمال السياده)هي واحده من هذه العناوين المعياريه. حيث اصبحت الحكومه كونها سلطة سياسيه تتمتع بنوع من الحصانه والحمايه الدستوريه امام رقابة القضاء المختص فلم تعد في الكثير من الحالات والكثير من قراراتها وتصرفاتها لا تخضع لرقابة القضاء الدستوري او الاداري لا الغاءآ ولا تعويضآ خاصة في علاقة السلطه التنفيذيه بالدول الأخرى مثل عقد المعاهدات والاتفاقيات الدوليه او ترسيم الحدود او حتى اعلان الحرب.. لابل ان الحكومه في ظل حالة الظروف الاستثنائيه تمتلك ولايه واختصاصات قضائيه فيمكن لها منع السفر والحجز على المَتلكات الخاصه والابعاد والاقامه الجبريه دون الرجوت للقضاء..؟ كما يمكنها في حالة الظروف القاهره ان تحوز على سلطات تشريعيه واسعه وتصدر قوانين وتشريعات بمراسيم جمهوريه..؟ وهذه الافعال والتصرفات تشكل انتهاكآ لمبدأ المشروعيه وقيدآ على الحريات العامه وحقوق الانسان..؟
ومع التطور المتسارع في العلاقات الدوليه اتخذت فكرة السياده مفهومآ جديدآ حيث بدأ التخلي تدريجيآ عن نظريه السياده المطلقه لتحل محلها فلسفه دستوريه أكثر حداثة الا وهي (السياده النسبيه) في القانون الداخلي للدول وذلك في ظل تنامي وتعاظم عالمية حقوق الانسان.. حيث التزمت العديد من الدول بتضمين قانونها الداخلي ووثائقها الدستوريه منظومة مواثيق حقوق الانسان وحرياته الاساسيه التي وردت في الصكوك الدوليه الخاصه بالحقوق المدنيه والسياسيه والميثاق العالمي لحقوق الانسان. وقامت الدول بتكييف تشريعاتها الداخليه مع تعاليم واشتراطات القانون الدولي الذي اصبحت احكامه في مجال حقوق الانسان والعلاقات الدوليه بمثابة (قواعد قانونيه آمره).. هذا كله فتح الباب لصناعة فلسفه قانونيه جديده تسمى افتراضآ(بالسياده النسبيه) فاصبحت الدول تذعن للمنظور الاممي لحقوق الانسان ولا تستطيع شرعنة اي قانون داخلي يتعارض مع هذه الحقوق الانسانيه.. وهكذا أصبح القانون الدولي هو القوه الامره بالعلاقات الدوليه بحيث لا يمكن ان نجد دولآ تدعي مناهضة القانون الدولي او انها تمتلك السياده المطلقه ولها سلطة اتخاذ القرار لوحدها في العلاقات الدوليه دون رضى وموافقه الدول الأخرى والمجتمع الدولي. فنظرية السياده المطلقه لا تتفق ومتطلبات التطور الجديد للعلاقات الدوليه ولأسس خضوع الدول لسلطة الامم المتحده هذا جانب وجانب اخر قيام العديد من الدول بالتوثيق الدستوري لحقوق الانسان وحقه في الحياة والعمل والتظاهر والعقيده والتعبير عن الراي والتداول السلمي للسلطه ورفض كل اشكال التعذيب والتغييب القسري وحقه في المشاركه بادارة الدوله وغيرها.. وهذا كله عجل في التخلي الممنهج عن مفهوم السياده المطلقه وارساء نمط جديد من السياده النسبيه الذي يرتبط بالقانون الدولي وبديهيات حقوق الانسان. واخيرآ يمكننا القول ان تقييد مبدأ السياده الوطنيه لا يعني بأي حال من الاحوال هو تفكيك لمفهوم السياده الوطنيه بقدر ما يعني وضع القيود على كيفية ممارسة هذه الدوله لحقوقها السياديه بما لا يتعارض مع القانون الدولي ولمنظومة حقوق الانسان. وان لايشكل ممارسة حقوقها السياديه هذه مساسآ بسيادة الدول الاخرى……