19 ديسمبر، 2024 5:41 ص

قراءة وتأويل لقصيدة (لايشفيك  ان تعلم او تجهل ) للشاعر احمد عبدالحسين : الشفاء بالسمو الروحي

قراءة وتأويل لقصيدة (لايشفيك  ان تعلم او تجهل ) للشاعر احمد عبدالحسين : الشفاء بالسمو الروحي

يعتمد كشف المعطيات الموجودة في / ثريا / القصيدة على معنى العلم ومقصدياته ، فالعلم نوعان :-
1- كسبي :- متحصل بالاجتهاد والمثابرة ، مجهول الوقت وله ثبوت غير معين .
2- لدني او وهبي :- يحصل من غير واسطة ومتأت من تقوى الله والعمل الصالح وهو محكم من الاسرار ومن غير ظن فيه ولاخلاف  .
وهنا يظهر سؤال مهم يكمن في العلاقة بين الشفاء وبين العلم والجهل . ولعل الصورة المتأتية مما سبق يمكن ان تتحصل من وجود خارج الذات بمعنى ان العقل ممكن ان يفضي الى الخيال المؤطر بالحس . اذن الشفاء الروحي لايكمن في تحصيل مايمكن تحصيله من التجربة لان العلم التجريبي قد يقبل الخطأ والصواب الا ان الخلاص الذي يرومه الشاعر / الشفاء / يمكن تحصيله من تطهير النفس اااااوالصعود بها الى مراقي السمو .

لايشفيك ان تعلم
انك السهم المعطر في خاصرة ملاك
كما لايغنيك ان تعلم
انك النار اللعوب في حنجرة طائر سعيد

يتضح من تفصيل المقطع المرتبط بأسبابه ان السطور آنفاً تحيلنا الى تفكيك العلم والجهل لارتباطهما بتفريع جانبي ، فالتسبيب يشكل امتداداً منطقياً لمسببه ،اذ ان / العلم / مقترن بالتصرف اللحظوي / سهم معطر في خاصرة ملاك / على الرغم من ان هذا التسبيب يحمل بين طياته تناقضاً ، فالسهم معطر بيد انه مبني على بنية الجهل نفسه .اذن السطور أنفا لها مغزى دلالي , يكمل المعنى ويحيلنا اليه .

ان بلورة هذا المنحى / الفشل / هو العلة الفاعلة في عملية اللاشفاء .
في المقطع الثاني يلم الشاعر شتات العلم والجهل معاً بيد انه ينجز ذلك بنحو مغاير ، بمعنى انه يطرح معطى جديداً يشير الى النية المسبقة في الوقوف في حضرة المطهر والمتمثل في عملية التضرع ، ثم ما يتبعها من تحصيل المتحصلات على الرغم من انهما يشيان بأمتداد نية الخطأ الممتد من الثمرة حتى سقوطها من شجرتها المعلومة / الزقوم / التي تشير الى المنحى السلب
توحي الاسطر الاخيرة بعملية ندم واضحة تشي بها الدموع وما تنطوي عليه من حسرة على التصرف في الزمن الماضي لانها مرتبطة بالمصير .ان القوة النفسية المحددة في اعماق الشخصية المحورية تكشف عن ذلك الصراع النفسي المتحصل من فعل الانقضاض :-

وبعينين دامعتين رأيت مصيرك
الطائر انقض على نفسه فلم يبق منهما شيء

يختزل الشاعر في السطور الاربعة الاخيرة بنية الزمن الممتد مابين الموروث / عبدين اسودين على كتفيك / وهنا اشارة الى الملكين الموجودين بين الاكتاف ( اذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد . وما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد ) القرآن الكريم . ان عملية الشفاء الروحي اذن غير خارجة من عملية العلم التجريبي وهي مرتبطة بالاساس بالعلم الذي تفيض به الذات العليا على الانسان حين يكون قريباً منها بالعمل والفعل الصالح لابأكتناه العلم  المحض المتصل بالتجربة وان كانت له حظوة في الوصول الى المراقي العليا .
في / راياتنا تمس الغيوم / ثمة لغة تحاول تمزيق شرنقتها لتصبح وسيلة خلق في المقطع الاول ( اذا جاز لنا هذا التقطيع ) . تنبي اللغة على مبدأ التقديم والتأخير من اجل تبديد الزمن وجريانه اضافة الى العمل على البنية التحتية من قوى تسعى الى زيادة فعل التوتر بواسطة ماتنتجه الجمل من حركة قوية .

راياتنا تمس الغيوم
في ايدينا موازين الضوء والظل
وتحت جباهنا الكبيرة التمعت ياقوتة الهتك
ومن ثيابنا فاحت رائحة القلوب

لاحظ لغة الخطاب كيف تصنع المتناقضات في مكان واحد لتحقيق اكبر كمية من الصفات من اجل تفعيل فعل التوتر الذي يتلخص مرة في ( الضوء والظل ) ويمتد اخرى في / التماعة ياقوتة الهتك / . في المقطع الثاني تتبدى مجموعة من الارهاصات الجديدة الحاملة ايضاً لفعل التناقض او التضاد .

جمعنا عظام أبائنا
طمرنا بها الينابيع
وغنينا
( الايام التي مضت كالايام التي تأتي )
القلوب ملأى بالرمل
والنفوس انعقدت على الهجر
انعقاد النطفة السامة في رحم العاقر

ان عملية / الجمع / تفرض انتظاماً كونها واردة بصيغة الماضي التي تدل على اكتمال الحدث الا ان مايلي فعل الجمع يدل على خلاف ذلك اذ ان متحصل عملية الجمع هو :-

جمع عظام ابائنا                        طمرنا بها الينابيع + غنينا

لاحظ ان عملية الجمع هنا سلبية لان منتجها سلبي ، فالينابيع هي الحياة كون مكونها الاساس الماء الذي هو معطى الحياة الاول ، فمنتج الجمع فيه خرق وان كان استثنائياً بيد انه متأت من تفريع سلبي لعملية الجمع الا ان عملية استكمال بنية الجمع تأخذ سيرورة اخرى بعد عملية الطمر اذ تفاجئنا بنية / الغناء / .

هذا المنتجان متعارضان بيد انهما ينتميان الى بؤرة واحدة هي / الجمع / اذ ان الغناء مغاير للطمر الا ان منتجات الغناء تعود لتكون مترشحاتها سلبية ايضاً متمثلة بـ :-

قلوب                         ملأى بالرمل
نقوس                       منعقدة على الهجر
نقطة                           معاقة في رحم عاقر

ان هذا التضاد يبلور لنا الرغبة في كشف الحقائق التي توصل اليها الشاعر بواسطة نبض الميدان والتي هي الحقيقة العيانية المتحصلة مما يحدث في المجتمع بنحو عام . انها عملية رصد داخلية ذات وتيرة تضادية من مجموعة من القيم غير الصحيحة في المجتمع .
في / وجدت في بيت ابي كلمة / المتكونة من ستة اسطر تتكثف صورة البيت في / كلمة / التأمين … آمين/ الاخيرة والمفصولة ببياض غير مملوء . / تنبئ كلمة / انقاض / لفعل متقادم ، بمعنى ان زمن ذلك الفعل قد انقضى الا ان تأثيره مازال قوياً . يمتد فعل التضاد في هذه القصيدة اللقطة بواسطة متحصلاتها ايضاً ، فالانقاض لايمكن ان يستفاد منها الا ان حرف سيرورة المعنى بأتجاه روحي قد اقفل مثل هذا التأويل السالب بأتجاه متحصل ايجابي ، لهذا بددت الكلمة غير المصرح بها كل ما تحصل في اذهاننا من كلمة / الانقاض / وما ينتج عنها بفعل مابرز من متحصل ايجابي ادى الى تفعيل فعل / التعبد / الممتزج بالقشعريرة التي تشير الى الخشوع الروحي وتعمق في النفس سعادة اليقين بالايمان الذي يبدد ظلمات الفكر ويعيد الطمأنينة الى النفس . ان احمد عبد الحسين يمتعنا بالكثير من الفيوضات اليوميةالممتزجة بضمير الكتابة الواعية

لايشفيك ان تعلم او تجهل / قصائد مغيرة / احمد عبدالحسين / ملحق ثقافة / جريدة الصباح / 21 – كانون الاول – 2011 .

أحدث المقالات

أحدث المقالات