23 ديسمبر، 2024 2:22 ص

قراءة وأستشراف ما قد تؤول أليه التظاهرات

قراءة وأستشراف ما قد تؤول أليه التظاهرات

رغم أحقيّة الشعب العراقي في التظاهر والمطالبة بحقوقه التي حُرِم منها لعقود طويلة وحقّه في أن توفّر الدولة له كل الخدمات حاله حال الشعوب الاخرى التي تنعم بالحياة الكريمة، إلا أن القضيّة الرئيسة والمطلب الاساس الذي عبّر عنه وخرج من أجل تحقيقه يتعدّى مسألة الكهرباء او الخدمات الاخرى التي إفتقدها من زمان حتى نسيها وصارت مجرّد ذكرى عابرة قد تمر على خاطره في لحظة من لحظات الذكرى والتأمّل.
فالفساد الاداري والتنفيذي للحكومة بكل مؤسساتها ومسؤوليها وعناوينها ومسمّياتها قد بلغ حدودا لاتطاق وأمست حقوق الشعب الانسان العراقي وحياته وكرامته ورفاهيته أمرا بعيدا جدا عن حيثيات الدستور وتطبيق قانون الحقوق الانسان العراقي، بل وحتى بعيدا عن مهنية واخلاقية وواجب المسؤول العراقي تجاه مسؤولياته الرسمية. فصارت حياة الانسان العراقي تتنتقل من سيء الى أسوأ جعل الجماهير العراقية تصل الى حالة الاحتقان وربما في المستقبل الى التمرّد، وطال زمن الكبت وتحمّل الآلام والحرمان والمآسي والحياة القاسية، وصار أشبه بقنبلة جاهزة للانفجار بأقل هزّة قد تمر بقربه.

فالشعب العراقي ورغم خداعه وتخديره بالوعود الكاذبة فهو ليس نائما ولازال مستيقضا يسمع ويرى ويعيش ويشعر بكل ألوان الخداع وأن طاقته ولا وعيه لم تعد تتحمّل التخدير فقد أدمنت جوارحه كل أمصال وحقن التخدير التي ما أنفكّت العناوين السياسية والاجتماعية تحقنه بها ولَم يعد مفعولها يؤثّر به، وصار التمرّد على الواقع المزري والمعاناة التي يعيشها تستفزّه وتستنهضه. لذلك وبأوّل بادرة نهضة خرج يطلب العدل والحرية ويعلن عن وجوده.

قراءة وتوقّع لما قد تؤول أليه التظاهرات.. ادناه جملة من الملاحظات حول مظاهرات الجماهير العراقية التي ما زالت متواصلة لحد الآن :

-1 يعرف الجميع ان جذوة المظاهرات أتّقدت وأنطلقت منذ اسابيع من البصرة ومطالب جماهيرها أقالة محافظها ثم بعدها أمتدّت وأتّسعت لتعم بقية محافظات الوسط والجنوب .

-2 المظاهرات في بغداد دعت أليها جهات مرتبطة بما يسمى التيار المدني وكان هدفها الاساسي هو اقالة وزير الكهرباء فقط، لكن كان التوقيت والظروف تشبه كثيرا من يريد ان يشعل شمعه في غرفة مليئه بالغاز، حيث أنضم أليها اصحاب المظالم والمستقلين، ولقيت التظاهرات دعما واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي من غالبية الذين صودرت أصواتهم بمهزلة المقبولية.

-3 منذ انطلاقها قبل اسابيع والى اليوم لا زالت التظاهرات جسدا متحركا دون قيادة هرمية بارزة، كما لا زالت أهدافها ومطالبها غير واضحة وغير محددة بسقف ثابت او أطار معين.

-4 في بداية أنطلاقتها مّرت التظاهرات بحالة من التجاهل والانكار والرفض والتغييب والتهجّم عليها أحيانا من قبل زعماء الكتل السياسية والدينية المشاركة والمنتفعة من الحكومة الحالية، حتى اذا تبيّن ان المد الجماهيري صار اكبر من ان يتم تجاهله او الوقوف بوجهه، سارع الجميع بدءا من زعماء الكتل السياسية وانتهاءا بالرموز والقيادات الاجتماعية والدينية والمليشياوية لركوب الموجة وأصدروا البيانات والتصريحات المرحّبة بمطالب المتظاهرين.

-5 رغم ان المتظاهرين غالبيتهم من الشيعة وفي محيط شيعي بإمتياز ممتد من بغداد الى البصرة إلّا اننا نلاحظ بعض الشعارات والمطالب خاصة بالمكون الشيعي فقط وليست مطالب وطنية شاملة تنوب عن كل المكونات العراقية الاخرى. او مطالب تخص هذا المكون دون باقي المكونات الاخرى التي سبق وتعرّضت ولازالت تتعرّض لحد الآن للغبن السياسي والاقتصادي والاجتماعي على مستوى الدولة الاتحادية. أي بخلاف ما هو مفروض بها على المستوى الوطني، وأنصرفت للمطالبة بحقوقها القومية والطائفية. وهذا قصور واضح وخلل فاضح ينبغي على المتظاهرين الألتفات أليه ومعالجته بحذر، لأنه يعتبر جذر المشكلة التي لازال الوطن يعاني منها، وكذلك يكشف عن صفة (الانبطاح) لهم والشعور بالدونية التي لاتطلق على السياسي الشيعي وحده وحسب عندما يتعلق الامر بالتقصير عن حقوق مكونه المغبونة بل وعلى كل الطائفة.

-6 كسرت التظاهرات التابو المفروض على العقل الجمعي الشيعي تجاه العمامة السياسية التي رعت وآوت ودعمت الشخصيات السياسية المتهمة بالفساد، وهذا تطور ايجابي مهم جدا بحد ذاته رغم الدور المؤثر والفعّال الذي لازالت العمامة تلعبه.

-7 حزمة ما سُمّي بالاصلاحات التي أطلقها رئيس الحكومة على عجل لأرضاء المتظاهرين بعد تلويح (عمامة العليا) له بالكارت الاحمر ليست كافيه ابدا لمواجهة خراب سياسي واقتصادي واجتماعي شامل ومتراكم منذ حقبة نظام البعث والى اليوم. أذ تعترض هذه (الاصلاحات) عقبات دستورية وقانونية، اضافة الى ان المشكلة الاكبر هي في أيجاد الادوات الوطنية النظيفة التي ستقوم بعملية المعالجة علما ان العبادي لازال يرجو المشاركين في العملية السياسية التعاون معه بالرغم من عمومية فسادهم.

-8 نظرا لأن الاصلاحات التي أعلنت والتي ستعلن عنها الحكومة المشكّلة (محاصصاتيا) لن تكون جذرية او ثورية لمعالجة أصل الخلل في العملية السياسية فمن المتوقع او ما نستشرفه ان تتطور الاحداث وتنتهي الى احد هذه الاحتمالات الثلاثه :

)أ) ان تتمكن الاحزاب الاخطبوطية الفاسدة المشاركة في الحكومة والبرلمان من أمتصاص الصدمة وأستيعابها وركوبها بعد ذلك وقيادتها الى مسارات تصب في صالحها .

)ب) ان تستمر التظاهرات بزخم وبشكل منظّم وتصاعدي حتى تصل الامور الى حل الحكومة والبرلمان وأيكال الأمر للجماهير مرة اخرى في انتخابات جديدة وبشروط اكثر عدالة وانسجام و واقعية .

)ج) ان تطول فترة التظاهرات دون تقديم أية حلول حقيقية من قبل الحكومة ويمر الوضع العام بحالة تضخّم وأنسداد سياسي، وقد ينفجر بعده ويتحوّل الى فوضى عارمة .

في خضم ذلك، وحتى لا نرهن مستقبل الأجيال القادمة بيد الظروف المتقلّبة، والخروج من عنق الزجاجة بسلام سيكون الخيار الأنسب والافضل دائما هو (حل الحكومة والبرلمان) .