تنهض المسرحية المعنونة (سنة حلوة يا ذبيح) للكاتب والمخرج (ميثم السعدي) على جدلية أساسية اطرافها الحلم والخيال والجنون والوعي المغاير الاخر الماكث باطنا في طيات الروح ومدى تعشق المصطلحات الثلاثة في بعضها البعض ومدى علاقتها بما حولها ومن هذا المنطلق نجد ان كل شيء تجده امامك وبين يديك يبنى عنوة على انقاض من الذاكرة المحتقنة بتلوثات الحلم الجلي والرغبة الملحة للخروج من الجسد نحو عالم اخر لا يتماثل مع عوالم اليقظة والشعور بل يقاومه ويحاول الابتعاد عنه ثائرا عليه مع الاشارة ولو بلمحة مقتضبة أن هذه المقطوعات المتفككة من الهلوسات الذاتانية عبارة عن أجزاء تُسرد من حلم أو هي نبذ من عالم اللاوعي للأنا المتكلمة المتألمة مع قذائف ترمى هنا وهناك غايتها تعرية الحقيقة وإبدائها وكما هو معلوم ان الحقيقة والصدق أمران مهمان تصب في مجراهما التصورات السوريالية التي يتبانها ويدافع عنها الكاتب ميثم السعدي والتي لا يمكن نكرانها في كل انتاجاته المونودرامية وإن كان ذلك الخط السوريالي مؤداه إلى حد التجريح والإهانة لان كل معفو عنه حينما يرى النور فله وجه انفجاري قد يزكم الانوف وهذا هو ما يسعى اليه الكاتب دائما في احداث الصدمة لدى المتلقي او القارئ بطريقة واخرى قريبة من الآيروتيكية المتعرية والغرائزية المستوفزة مع مثول الرغبة بقوة وان كانت مرتبكة تلك الرغبة المجردة من الانفلاقيات الفلسفية لنصطلح عليها في النهاية .. الرغبة الحالمة المتموسقة مع اللاشيء في ظاهرها العبثية في منطقها الباحثة عن حلول لا تجد لها مصاديق على ارض الواقع يمكن ان تقودها للتحقيق ولو فرضيا وبدرجاتها الدنيا ولكن وفقا لباطن وسيمياء تلك الرغبة المنقطعة عن الاتصال مع الرغبات الرخوة نجد لها ثمة فاعلية كبرى لدى الانا الحالمة أي ان الظاهر خامل لكن الباطن انفجاري وبالتالي توجيه دفة الصدمة نحو الفزع الاكبر ونثر بذار الجمال لتكون دوحة غناء وكما قال أفلاطون (الفزع أول هدية يقدمها الجمال) جمالُ التمييز والإدراك والتقييم بصوره المتجاورة والمتباعدة والمتعاكسة كمرايا لدى الانا ومتضاداتها والتي تحدد بالتالي وفقا للنظرية القهرية سير الانا المتلقية المشاهدة المتفرجة نحو عوالم اخرى امكنة وازمنة قد تروق او لا تروق لها لكنها بالأخير ادوات فاعلة لإحداث مستوى معين من التغيير في الفكر المقابل وبهذا الصدد يجب ان لا نغفل تأثر الكاتب بفكر واطروحات التجربة (الفرويدية) ومدى تواجدها في مفاهيم ما قرانا له مثل مسرحية (لا انا بلقيس ولا فيكم نبي) بسبب التقارب النوعي الفلسفي والذهني بين السريالية وعلم النفس خصوصية (فرويد) .. وحقيقة الانا مع تبني ضمني من قبل الكاتب لكلتا المدرستين بإنتاج مدرسة اخرى لما تزل غير واضحة الخصوصية ولكنها خارطة طريق نحو فتح فلسفي نفسي فني كبير يفكك ما التبس من ظواهر واعتمالات نفسية واجتماعية لدى الفرد العراقي المثخن بمختلف الامراض الجدلية المغرية لكل باحث عن الحقيقة ان يدلي دلوه ويستخرج كامن الدرر. بعد كل ما قلنا ندخل في صلب النص .. يطالعنا الكاتب بصورة امرأة تنسلخ من يومها نحو الامس والغد في قفزات غير متوازنة يحفزها القهر السيزيفي المصبوغ بكل عوامل الفقد والخسارة .. وذلك بطريقة الحلم .. الحلم الذي تفتح بواسطته الأنا المتكلمة نافذة تعبر منها إلى الخارج وتطير محلقة في الزمان غير معترفة بجاذبية الواقع اليومي وبالأحرى استخدام ادوات نفسية خاصة تجرد اليوم واللحظة من معناها الوجودي وبالتالي هي رغبة جامحة لإصلاح ما يمكن إصلاحه من الامس مع خلق غد متموسق مع الرغبات الماكثة والمتراكمة لسنين لم تعرف الراحة والاستقرار .. حيث تطل علينا البطلة صابرين وهي بعمر متقدم قد انكسر ظهرها وخبا نور عينيها واشتعل قلبها شيبا وتعكزت على الفراغ الا ان قواها الحلمية اذا صح التعبير ما زالت واقفة بقوة وهذا هو حال الجميع المبتلى بخسائر يومية لا تعرف الزوال تراه يستخدم ميكانزمات دفاعية تعوض هذه الخسائر والفقدانات بأحلام ترمم الجدران المتهاوية للروح ولكنها على اية حال لا تهدم فتبني من جديد لذا ترى عدم فاعلية الكثير من الاحلام ان لم يكن لها وبال اكبر وخسائر اعظم لان البناء على المرمم والايل للسقوط مدعاة لكارثة تحطيمية وبالتالي لابد من التهديم والالغاء الكامل لما مضى والبناء من جديد بصور جمالية تحتفظ ببعض الصور من البناء السابق … وصابرين هذه تنقسم ذاتيا الى كتلتين هلاميتين احداهما تسترجع الماضي بلغة اليوم متذكرة زوجها الحبيب منتظرة اياه والذي خطفته يد طاغية ارسل به الى جبهات القتال في اول اسبوع عسل كما ذكرت صابرين وهنا صرخة توجهها انفعالاتها الحلمية بوجه اليوم والليلة والتاريخ بان الجميع لهم ما يسمى بشهر عسل يجتمع فيه الزوجان بشكل لصيق زمنيا ومكانيا الا نحن لا تتجاوز متحققات رغباتنا وبالذات الجنسية والجسدية الاسبوع لا اكثر ان لم يكن هذا الاسبوع معدوما او متمثلا بأيام او ساعات لا تتجاوز اصابع الالم بسبب تهورات رعناء مراهقة للأخرين تزف وبلا انقطاع ابنائنا واحبتنا واهلينا باكرا مكرهين الى محرقة كبرى ليكونوا مرشحين لقطعة حديد تأخذ الذي فيه اعينهم ..تسترجع صابرين لحظات الحب والوئام مع زوجها وحبيبها خالد وامنياتهم بمولود يكون خليفة للاب يزرع البسمة والامل في بيت يلقي بظلاله على بيت اكبر اسمه العراق الا ان الذي يحصل ان الوطن الكبير يخنق ابناءه لصهرهم طعاما في اجواف السكارى من (الطوطميين) ويأتيها الخبر بارتداء خالد زوج صابرين علما قد صبغ بأربعة الوان خرائية اسود احمر اخضر ابيض مع ركلة الى حفرة من حفر النسيان في واد لا يعرف السلام طريقا اليه لتنتهي صفحة مشرقة في حياة صابرين وتتحول كل قطع الليل المظلم جدرانا تحيطها بسجن مترامي الجراح والاحزان والقهر والموت البطيء لذا راحت تكذب علينا وعلى روحها بان خالد لما يزل حيا كان قد خرج في مشوار ما وسيعود لأنه لا يصبر على فراقها لوجود هالة ممغنطة روحيا لا يمكن ان تتلاشى خطوط فيضها المغناطيسي لتبقى روح صابرين متأرجحة بين اليقظة والنوم بين الحقيقة والحلم تعلم علم اليقين بان يد القدر قد خطفت حبيبها وخالد لكنها ترفض ذلك لان فقده يعني نهايتها وحبها للحياة يجعلها متمسكة بوجود وهمي لحبيب خائن استسلم للموت بملء ارادته ..الا ان القلادة التي علقت من قبل الله على جيد ابن العراق في وراثة الالم والمعاناة لم تعط صابرين فرصة للشفاء والتعافي من اثر سياط الزمن القاتلة لتعلن الكتلة الهلامية الثانية لصابرين عن ولادة الذبيح الشرعي وخليفة الموت العراقي واسير خسة الاخرين وليدا لم يمهل ان يستعذب طعم الحياة مع العلم ان الحياة في ظل العراق عديمة اللون والطعم والرائحة .. بعد تلك الولادة سريعا ما دق ناقوس الخطر واعلن عن اشتياق وليد صابرين للقاء ذبيح اخر كان قد ذبحته دكتاتورية اجلاف في حجر ابيه واليوم يذبح وليد صابرين في احضان امه على يد محترفي شدقية الفتوى ومؤسسي نظرية القتل لمجرد القتل لتختم صفحة الحلم بمقولة تاريخية متوثبة اطلقها قلم الكاتب (ايها الاوغاد !! العالم كله يحتقركم) هذه المقولة لا تركن لتسليم نفسها للقارئ وكلما أمدته بيد لانتشاله من بئر تراكمت فيه الصور المغايرة قطعت عليه الطريق بيد أخرى تأخذ به عميقا نحو مجاهل عائمة بين الوهم والخيال وهذه هي حقيقة السوريالية التي تكثر فيها الصور الذهنية المستلهمة بطاقة من الخيال وهذه الصور لا يربطها شيء سوى الهدم والتشتيت مرتكزها الجنون والخيال والحلم فترى تلك الصور مجتمعة متشابكة مما يقطع الطريق على المتلقي للركون الى جهة معينة في تأويل ما يقرا.
قد نجد صابرين تمتهن الاحتيال علينا بهذا السرد مع وجود حلم باطني لديها مع رغبة لصنع عالم يخصها الا ان هذا العالم لم يسلم من واقع مليء بالقتل والماسي والحزن فهي كإمراه لم يعرف قلبها الحب بسبب هذا الواقع المر اختلقت علاقة حب مع خالد تكللت بالزواج الا ان فايروس ما تسرب الى حلمها قتل فيها جزءا كبيرا من حياة … فأرادت التعويض بحلم اخر كنوع من اللجوء الى وسائل تحارب بها عدوا اسمه الواقع مزود بسلاح متمثل بالفراق والخسائر ومن جملة هذه الوسائل الدفاعية لديها انجابها وليدا يعوض كل حنان ممكن ان يهبه اياها الاخرون بدا من امها وابيها واخيها واختها ونهاية بزوجها لكن العدو اكبر واقوى واقسى واكثر ادوات قتالية مدجج بالموت القهري والقدرية الحتمية وبقرار لا يعرف الرحمة قتل البراءة والطفولة والجمال بدم بارد فقوض الحياة وجعلها قاعا صفصفا … اجد هنا قدرة كبيرة لدى الكاتب في صناعة الصورة التي تصرخ عاليا ليردد صداها العالم على سعته وهذه هي الاجابة عن كل التساؤلات التي تبثها اهات وزفرات القارئ وهو منغمس حتى اذنيه في لجة طمطامية النص…. خفافيش الظلام واساتذة الكوابيس والجيثوميين لا يميزون بين الحقيقة والواقع والوهم والخيال الكل سيان لذا حتى من يريد ان يحلم من عامة الناس فان حلمه هذا محكوم بالإعدام وكل من يتصل معه من قريب او بعيد لأنه سيكون خارج سلطتهم الحاكمة القابضة على خناق الحياة متمرد لا منتمي لأيديولوجياتهم المتسخة بالرياء والادعاء الكاذب وهذا هو ما يريد الكاتب ان يصل اليه مع امكانية ترشيح عدة صور اخرى بهذا الصدد ولعل هذه الوتيرة النفسية المشحونة ما بين حلم صابرين وحقيقة الظلاميين .. نراها متشحة بالإيقاع السريع فهي ذاتها البيئة السائدة للنص السوريالي الخاضعة لصراع ايديولوجي ميتافيزيقي فيه الكر والفر مع عدم القدرة ولو بأضعف الايمان على تحقيق نصر مادي فترى الانتصارات معنوية دائما لنستنتج ان الكثير من احلامنا كما في حلم صابرين نعاني معها من عدم القدرة في الدفاع عن الحلم والانتصار له او على مكتسباته الروحية وبالتالي استدراج لنا والوقوع في براثن نظرية شلل النوم في الحلم وعدم القدرة على ايجاد فسحة يتنفس منها الحلم في سبيل احداث التغيير حيث لم نرى من صابرين ما يمكن ان يكون ثورة تغيرية وربما ان مجرد صرختها الفزعة وكشفها للحقائق هي ثورة بعينها تدعو الاخرين لسماعها ومعالجتها فكريا والتحرر عن طريقها وكما قلنا سابقا وما قاله افلاطون ان الفزع اول هدية يقدمها الجمال وهذا الفزع الذي نحن بصدده يفتح القلب والعين والفكر على سعتهم وبالتالي الانطلاق نحو فضاءات اوسع وارحب في قنص الفرصة في تحقيق الاحلام ولو على جبل من ضحايا .
الحرب والموت الممل الذي نعيشه يؤدي بنا الى طريقة للكشف عن وظيفة للفكر الحقيقي باختلاق الحلم والهلوسة واكثر اولي الاختصاص يعلم ان الحرب العالمية الاولى هي من مهدت للسريالية كوجود فلسفي تطبيقي حر واعتناق الحلم والخيال اللذان يشكلان تمردا على الواقع السلبي والدمار في مرافقه الحياتية قاطبة الواقع القائد للقهر والإحباط والدافع بالإنسان نتيجة لذلك لمساءلته ومساءلة كل المعطيات والمعتقدات السائدة في حينه ومن هنا تتولد الفلسفة التي اساسها التساؤل والامتعاض والتجريح والخدش والانقلاب والتمرد والتدافع في عملية رد ومواجهة ومجابهة للملمة الاركان الشاردة من الروح واستجلاب ذراتها المتشتتة من اجل النطق بالحكم والقول الفصل في تهذيب وتشذيب حقيقة الاشياء بعملية تفكيكية يراد منها خلق بيئات مثالية ترقى فوق هشاشة الواقع المحدودب التقاطيع المنتفخ المعاني المسخ الطوطمي ..مع ملاحظة ان اكثر هذه الاحلام حطت رحالها في خانات الخسائر واللاجدوى بسبب قوة المقابل وعدم الخبرة وتواضع التجربة في المواجهة هذا على القدر المنتج والحاصل فعلا لكنها تبقى في النهاية غايات هدفها نبل كبير مع تمنيات بتحقيق عالم يخلو من الموت القهري .
بعد ما تقدمنا به من رؤى وتفسيرات لخبايا النص سأمارس سلطتي الوظيفية الجمالية ابدو بها كفراشة تتنقل بين هذه الزهرة وتلك فجمال الفراشة او النحلة ليس بمكوثها فوق الزهرة وجمود الصورة انما في تنقلها السريع وقذف كم هائل من الصورة وهي تطير وتحط وتطير من جديد لذا سأتنقل في ربوع النص بين هذه المثابة وتلك .
حينما تشعر بالاسى والحنين فانك ترقص وتغني دون التفات لما يحيط بك عرفيا واجتماعيا وحتى قانونيا لذا تعبر هذه الحالة ولادة ميكانيكية الية نفسية اتبعها النص ورفض تنقيح ما تناثر من زخم صوري لا يعترف بالترتيب والسبب والمسبب كما في مقاطع الاغنيات التي تأتي على لسان صابرين والتي لا تعرف رابطا بين معنى الكلمات سوى انها هلوسة ما تمثل محاولة لشق طريق جديدة للمعرفة واحداث فارق نفسي وروحي يهدم تفسيرات الجمال السائدة والخروج بصورة اكبر وادق تبرز الملامح الجمالية بقسوة كبرى مع بلورة صيغ تخلو من التناقض كما هو الحال في راي الشاعر (برتون) مؤسس السوريالية القاضي بان السوريالية ثورة على رتابة الحياة وتمزيق لصورها الباهتة الالوان ومن هنا انطلق الكاتب والمخرج ميثم السعدي ليخلق هذه الصور الفوضوية التي من خلالها القى علينا نحن كنقاد ومتفرجين مسؤولية لملمة تلك الصورة وتناقضاتها في عملية تدريبية تثقيفية لإنتاج الصورة المتقاربة مع الانا المغايرة.
(هل رأيت يا وليدي هل رأيت كم هي المثل جميلة ومهذبة التي ينادوا بها منتفعي السماء؟ يرتدون جبة الطهر ويأمرون بها قتل الناس قتل الابرياء قتل العلماء قتل الشرفاء هذا ما اوكلته لهم مذاهبهم؟؟القتل القتل القتل؟؟ كم هو رائع ان يكون القاتل مغلفا بالعطر وينضح نتانة وعفونة…شمر واحد قتل عبد الله الرضيع وهو بأحضان الحسين عليه السلام اليوم كم شمرا يذبح اطفالنا ؟ الف الفان؟ وكم رضيعا ذبحوا مئة مئتين الف ثلاثة الاف ؟).
لم يعتمد النص على العقدة والحل نظرا لأن النص المسرحي العبثي او السريالي او اللامعقول او التجريبي الحديث لا يشترط فيه ذلك وهكذا سمح يراع الكاتب أن تنثال الصور والاحداث والجماليات دون أية رقابة أو رادع فما يمليه الفكر الباطني واللسان هو ما يسجل ويوثق منفلتا من ضوابط العقل بعالم الجنون ذلك العالم الذي تسقط فيه كل الخطوط والحمراء والزرقاء والصفراء بين الحقيقة والوهم في ضوء ذلك كان الدين الذي لم يعد بتلك القداسة لدى الكونيين ولدى الكاتب مستهدفًا ومتلقيًا لحملات هجومية شرسة باعتباره اضحى قديما وتقليديا ومتعلقا بذلك الواقع المر الذي لا تعرف سحنة له سوى سحنة القتل لمجرد القتل فاستحق الثورة عليه بتأسيس واقع يقوضه ويبني فوقه ما شاء من ابنية تعترف بإنسانية الانسان المجردة من اللواحق والإضافات لتقول صابرين موقعة في نهاية اطراف الصورة الثورية ببصمة لا تعرف التزوير..
(صار المتشبثون باسمك يا حسين يتلذذون بقتل الاطفال وباغتصاب الصبايا باسم حفيدك جعفر الصادق عليه السلام .. سيدي الحسين اقسم لك برب الكون قتلوا رضيعي .. عمره يومان احالوا العراق الى بحر احمر غارق بدماء الابرياء .. ليذهبوا الى الجحيم ..) .
أي نعم نجد احيانا تمازجا بين الرمز والمباشرة في الطرح وتبرير ما لهذا التزاوج لكن بهذا التصريح وبهذه الكاشفية اجد ان فيه بعض الجنوح القاتل لرمزية النص وعالميته بإسقاطات محلية وليس ذلك من خلال ذكر (الامام الصادق) انما من تعقيبة لفظية بعليه السلام فان ما تراه عليه السلام لا يراه غيرك بهذه الصورة ..
احيانا يبدو النص مغلقا دائريا لكنه يلجا في ظل هذه الموانع الى احداث شروخ تكبر وتصغر حسب قدرة المؤلف لينفذ منها النص الى تشكيلات منحنية مفتوحة كما في اصول صابرين المرأة العراقية المكلومة المثكولة لأول وهلة تراها محلية حد النخاع لكنها ترتفع عن ذلك فنجدها عالمية في صراعها مع الدكتاتورية والسلوكيات الرعناء لأصحاب العقد والحل مؤدلجة ذلك بامتعاض نفسي وسلوكي لما يسمى بمصطلح الدين .. الدين العالمي القابض على مصائر العباد والبلاد ..الدين النفعي الذي يتخم جيوبه بالخمس والعشر والمساعدات والتبرعات .. الدين الذي امتسخ عن قاعدته الحقيقة وجذره العقائدي الفكري الاصلي جذر الانبياء اهل الحب والسلام والذي اصبح اثرا بعد عين نتيجة تقطيعه وفقا للتفسير والتأويل فغدا واجهة مزورة ومزوقة بالوان قاتمة خرابية تخدم مصالح فئات بعينها تمتهن الدين اداة لإحداث الفارق الطبقي والنفسي والروحي والمادي والمالي بينها وبين الاخرين لتنقطع الواصلة الحقيقة بين جدوى الدين والدين نفسه وينقلب الى مؤسسة تعنى بشؤون القتل لأتفه الاسباب لبشر كرمهم الله ونعتهم ببنيان الله ملعون من هدمه ومن هنا تأكد عندهم قتل الاخرة ورضا الخالق على محراب الدنيا الفانية الزائلة وكل ذلك باستخدامات تقشعر لها الابدان كقتل الاطفال والنساء والشيوخ وبطرق بشعة مع ارهاب الناس وتقريعهم بالموت والنار ومن لم يكن معنا فهو ضدنا ومن لم يكن كالحا ظلاميا فهو مع عدونا وبالتالي استحق عقاب الشيطان الانساني الذي تبرا حتى عزازيل مسمى ابليس من افعالهم الدنيئة.
كانت لصابرين صديقة عوض الكاتب وجودها بالمهاتفة التلفونية وهي طريقة سائدة في المونودراما لدى اكثر الكتاب والمخرجين والتي اصبحت قديمة حد الملل لكن الكاتب اجاد استخدامها في نوعية الحوار وطريقته حيث نجد ان الشخصية البطلة في محادثتها لدى الاخرين من الكتاب تردد ما يقوله الطرف الاخر مما يسقطها في الازدواجية وقتل الشخصية الاخرى ليعطي انطباع لدى الجمهور والقاري بسذاجة الامر وعدم جدوى وجود شخصية اخرى والاقتصار لدى مخيلة المشاهد على صورة واحدة للبطلة دون استحضار الشخصية المقابلة لكن وكما قلت انفا استطاع الكاتب من خلال اجادته صياغة الحوار التغلب على هذه الاشكالية كما في هذا الحوار التالي..
(عيوني امل اني اسفة لأنني ازيدك هموما على همومك ..شكرا شكرا هل تعرفي ان اليوم يصادف مرور شهرين على استشهاد خالد ، البارحة غسلت ملابسه وكويتها عله يأتي فجأة امل لقد عطرتها بعطره نعم انا كنت موجودة حين واريناه الثرى ! كيف .. نعم انا من كانت تقول دائما بانه سياتي؟ امل اذا لم يأت سأذهب اليه …لابد ان يأتي ولا ضير في قولي …وهل عندي غير الامل .. نسيت ان اقول لك ان تأتي معي غدا الى الطبيبة لأنني صرت اتقيأ أي شيء اتناوله- صحتي ساءت جدا نعم غدا مساء، شكرا انتظرك مع السلامة).
شخصية امل هي الامل الكاذب الذي تضحك به صابرين على نفسها وعلى الاخرين خيط واه يتعلق به كل غارق في وحل الهزيمة والقهر للخلاص بحلم صنعته حاجة ورغبة انسانية لا تعترف بالانتماء لما حولها من دجل وكذب ورياء.. وامل هذه ربما تمثل ضميرا اخر ووعيا مختلفا تمتلكه صابرين تلجا اليه عند انطباق جدران الحقيقة وسط سجنها على نقطة المركز بشكل متناسب من جميع الاضلاع وبسرع واحدة متموسقة وهذا ما ذكرته سابقا بان الامر لا يخلو من ميكانزمات دفاعية تلجا اليها صابرين بين الحين والاخر لتمييع هول المعاناة وتخفيف وطئها ومن هذا الامل انطلق لتأكيد مقولتي السابقة بعدم قدرة هذه الاحلام لإحداث الفارق بسبب هشاشة فاعلية هذا الامل وانسحابه الى الظل القابع في قاع العملية الفرجوية وفي اخر كرسي من القاعة ومع اول انهزام للانا والذات والضمير المرسوم على واجهة الاحداث يطلق ساقيه للريح فلا ينتفع به والعلة ليس فيه انما في صابرين ومثيلاتها صناع الامل الواهم العدمي العاجز.
الانتظار سمة المرأة العراقية المجاهدة المناضلة فهي لا تكف عن استعذاب الانتظار لأنه انتظار المنقذ الذي ينتشلها من واقعا المر المتمثل بالسلطة وربما العنوسية او عدم الانجاب او كما كان في تحليلنا للشق الاول من شخصية صابرين بانتظار زوجها الشهيد وكما ارى ان هذا الانتظار التهويمي كالضارب قبضته في انف الهواء انتظار ساكن لا يملك ولو موجة ترددية واحدة ممكن ان تحملها الريح للطرف الاخر حتى يتأكد وجودها وهنا استطاع الكاتب ان يصور لنا واقعنا المؤلم مع عملية نقدية لاذعة لجواهر ذواتنا القابعة في زوايا الانتظار تبحث عمن ينقذها تبحث عن غائب طال غيابه خان العهد بالعودة لذا ان الانتظار لدى الكاتب هو حركة اهتزازية لا تولد طاقة وكانه أي الانتظار جزيئات المادة الصلبة التي لا تقوى على الانطلاق انما هي تتحرك ولكن حركة ستاتيكية ثابتة بليدة لذا اربت على كتف الكاتب لهذه الالتفاتة الكبرى وهو ينقد الانسان العراقي العربي ابن العالم النائم مفككا شخصيته المتخاذلة عن التغيير…
(عهداً لك انني لن اتزوج بعدك حتى اموت او الاقيك)
مقولة لصابرين بعد استشهاد زوجها ارادت اسكات والضحك على دمه الثائر الخائف على مصير حبه وليس على مصير صابرين هل ستبقى صابرين على العهد ام لا ووفقا لمعطيات حقيقية نجد ان هذا الامر ومن باب عرفي متواتر كان موضع سخرية من عامة العراقيين بسبب ان العهد والوعد اصبح موسيقى صاخبة تصم اسماع من كانت بحالة صابرين ومن تسور المحراب فامتشق لحاف سرير صنو خالد وغط في سبات الهيام المنبوذ فيمن لا يهمه الامر لكنه محبب شرعي لمن انغمس فيه كعميل وخائن ومتسور لمحراب الخصوصية لتسقط مثيلات صابرين بلا ادنى مقاومة في براثن الشهوة والرغبة الايروتيكية الخانقة ليتأكد كذب العهد وبهذا الصدد هناك الكثير من القصص الحقيقية الواقعية شهدتها ايام الحرب العراقية الايرانية وايسرها ان زوجة الشهيد وبعد الاربعين تزف الى اخي زوجها بحجة ان لا يضيع اطفال الشهيد لان المرأة مهم كانت غير قادرة على تربية النشا والحقيقة غير ذلك انما هو الطمع القاتل الذي اصاب المجتمع لدريهمات يرميها القائد الضرورة فوق رؤوس ذوي الشهيد ليكون الخاسر الوحيد هو الشهيد لان الشهيد لم يمت وسيعود من جديد ليصيب الجميع بالفزع ولان الجثة التي اتي بها لأهله هي جثة جندي ايراني وجد مقتولا في الجبهة فتم شحنه الى اهله لاختلاط الجثث وعدم التعرف عليها بسبب هول المعركة وما احدثته من تمزيق لجثث العسكر وقد شهدت محاكم العراق الكثير الكثير من هذه القضايا المؤسفة والتي لم تحل لحد الان ومن هنا نجد بعض الاسباب لتدهور طبيعة المجتمع وانقلابه الانساني وتحوله الى وحش يجري ليل نهار لالتقاط خبزته من بين يدي طفل في قارعة الطريق وكل يعيش على هزيمة الاخر.
استنهض الكاتب بعض (الميثيولوجيات السيسيولوجية) المجتمعية من خلال بعض اللمحات الطقسية للأعراس في ما مضى وذلك بإدخال بعض الاغاني المختمرة في الوعي العراقي الجمعي مع ما لها من وقع سمفوني لدى الاذن لعراقية اراها ناجحة جدا بسبب ان العراقي بمجمله يذوب كالسكر في الماء مع من ينقله الى ايام الحياة الحقيقية الجمال ٍولو من خلال نتف من اغاني لا يعرف حتى مطربها .. وكما يقال في المثل الدارج (لو ضاق خلقك تذكر ايام عرسك) لان الاغاني مرتبطة بالأعراس وبالتالي وجود وشيجة تستدعي الاخر حين ذكر قرينه وهنا اجد قدرة فائقة لدى الكاتب في توليف المتناثر من الصور واقحامها في طريق الجمال من خلال انتقاء الوقت والمكان لإيرادها وما نعنيه بذلك هو الاغاني بالتأكيد.
(العالم الحر يقتلنا الواحد تلو الاخر فقط لأننا عراقيون اللعنة على العالم الحر عالم القتلة والازدواجين)
تتوالى صرخات الكاتب من على لسان صابرين بنقد الازدواجية العالمية اتجاه قضايا الشعوب المقهورة فتراهم يؤكدون على الحرية وحقوق الانسان وهم اول من ينتهك ذلك في هذه البلدان واولها من خلال احتلال واستعمار الانسان ومن ثم تعيين حاكم يدين لهم بالولاء ليمنح صلاحيات من فقرات عديدة لكن المؤسف لذلك انها لا تحتوي على اية فقرة تعنى بصناعة الحياة وما يجعل الكاتب ويجعلنا بالتبعية ان نحنق لهذا الامر ان الازدواجية العالمية تتواجد بقوة في بلدان بعينها كغول الكرة الارضية امريكا وسليلاتها المؤتلفة فالإنسان له قيمته وكيانه واحترامه مع توفير كافة وسائل العيش الكريم والادهى من ذلك يشمل بهذا التكريم حتى من كان من ابناء العالم المثخن بالجراح الامريكية على سبيل اللجوء او الاقامة او منح الجنسية مع ملاحظة جزئية مهمة الا وهي الامن والامان فتراها تحرص على انعدامه لدينا وتكثف جهودها وجهود الاخرين لتحقيقه على اراضيها .. انها قسمة ضيزى.
(كنت احب اللون الكاكي)
الذاكرة الجمعية لهذا اللون تتحدث صابرين عنه بقوة فترسم صورة الشعب الذي راح يأكل ويشرب في ابجديات حياته لون اسمه الكاكي حتى انه اصبح موده للجميع وبالذات النساء يتزين به وهذا ما يمكن ان يؤشر للعقلية الجمعية العراقية وكما هو معروف ان الكاكي والزيتوني والمرقط والكوفية الملفوفة بطريقة صدامية وارتداء الاحذية الصندلية ذات اللون الاحمر او الاصفر الغامق كلها حمم منتفخة طفحت على جلد الحياة لدى العراقيين ابان الحرب واه منك يا حرب لقد قلبت الانسان وحقيقته حتى بات يمشي على يديه .
(خالد والله منذ انتقالك الى الرفيق الاعلى)
هناك بعض السرد الذي اتى بكلمات جامدة وكأنها حوارات اخلدت الى الارض تحمل نفسا تقريريا ولا تحمل ذاك التوهج والشاعرية المستفزة وهذا ما لا يمكن ان نقبله من شاعر وناقد وفنان كبير كالكاتب ميثم السعدي وهو استاذنا ومعلمنا ويعلم علم اليقين ان الصورة في المونودراما القافزة من رحم السوريالية والباتافيزيقية والميتافيزيقية ومدارس المسرح الجمالي العبثي واللامعقول والفوضوي والسياسي والكوميك الصادم كلها تعتنق الشعر بوصلة لاتجاهاتها المعرفية والجمالية.
قضية المهد وارتفاعه وتواجده في المسرح وتنقله في المشاهد اجد من خلال ذلك ان هناك بعض الارتباك والنسيان بتأكيد زمانه ومكانه وتبرير وجوده كما في …(الممثلة تسير منحنية على عكاز ثم تجلس بجانب المهد) هذا في اول المسرحية أي ان المهد موجود مذ بدأ العرض.. ثم هذه الجزئية …تمثل تكرار لظهور المهد نازلا وهو قبل قليل كان متواجدا على ارض المسرح..
(صوت صرخة طفل لحظة الولادة , ومع الصرخة يهبط من سقف المسرح مهد الطفولة مع اضاءة زرقاء بنفسجية وباودر يصنع ابهار واضاءة بيضاء تعم المكان وموسيقى فرح جميلة ).. والاخرى … (صرخة مدوية – ايكو- اضاءة زرقاء على المهد .. وهو يرتفع مع اضاءة حمراء تحيل المسرح الى لون احمر .. اذان بنغم ) ثم بعد ذلك أي في نهاية النص(تذهب الى المهد .. المهد يرتفع الى سقف المسرح تستدير الى الجمهور) اعتقد هنا يجب عدم حرق الايقونة بصورة المهدد المتكررة والاكتفاء بصورة واحدة او صورتين في البداية والنهاية او نجعله معلقا دائما بالفضاء وفي النهاية يحيطه ضباب الباودر فيرتفه او ان تعلق بالمهد وعلى طرفيه وبطريقة فنية وهو معلق في الفضاء جناحين يطيران به في الفضاء بضعة ثواني فيختفي عند السقف مع صوت انغلاق باب وهو باب الجنة .
لسنا مسؤولون عن تفسير ما نكتب وفي هذا مصادرة كبيرة لفكر المتلقي وقتل الصورة كأيقونة مع اتلاف الدلالة السيميائية المتولدة وفقا لمزاج المتلقي لذا يجب ان لا نكون دكتاتوريين بهذا الاتجاه .. كما في هذه الجزئية من النص ..
(طاولة مستديرة عليها كيكة في صينية كبيرة تحيط بالكيكة شموع عددها تسعة ترمز لأشهر الحمل .. تناجي والد الطفل وهي توقد الشموع بفرح غامر )
. (بإمكانك ان تتكلم قل انا الوليد بن خالد قل انا البراءة التي خلقها الرب قل لا تصمت)
اسقاط اجباري لا يخلو من قصدية على اسم تاريخي مثير للجدل حتى يومنا ولا اعلم ما هي البراءة التي تمثلت في خالد ابن الوليد وهو المعروف برغبة مميتة في القتل والتاريخ يروي لنا قصصا يندى لها جبين الانسانية كان فيها ابن الوليد دراكولا عظيم هدم بنيانا تلو اخر وهنا اجد ان الكاتب استخدم اسماء مباشرة كثيرة بعضها لا يمكن ان تكون ضمن خانة الرمز مطلقا لأنها خرجت منه بالتواتر كالشمر وابن الوليد وفي رايي المتواضع ان العناوين التاريخية التي لا تحضى برضى الجميع فليس من المحبذ ادراجها واسقاط شيء عليها من قبيل الشجاعة او القوة او البراءة او الانسانية.
من الصور الجميلة في النص ان صابرين تتذكر دائما ضحكة الطفل التي يسمعها الجمهور (كدوي المدافع).. وهنا حقيقة قوية اثبتها الكاتب ان الضحية والجلاد استعذبا صوت المدافع حتى باتت اغنية نرددها كل حين حتى على السنة الرضع.
دائما ما يشرق السؤال في نهاية سماء النص وخاتمته وما يريد ان يقوله الكاتب ويعكس تجربته الشخصية وفلسفته الحياتية من خلاله .. والحال هكذا كأنك تتأمل ولادة شعاع من ركام فوضوي لأجناس لا تعرف التماثل تنطلق بقوة كصرخة طفل بلغة مدفع الافطار والسؤال ماذا يريد الكاتب ان يقوله .. لنجد في النهاية ان الكاتب يقول هم يقتلون لمجرد القتل وانا احلم لمجرد الحلم وما بين الحلم والقتل قصة لن تنتهي فصولوها حتى تصيح الساعة وسياتي اليوم الذي يكون فيه حلمي عالميا تلتفت حوله مجاميع لا تجيد الا الحب.
في خالص القول ونهايته نجد انفسنا في طيات هذا العمل شئنا ام ابينا وهذا هو الادب المسرحي الحقيقي الذي يصنع من اللاشيء شيئا كبيرا عظيما يعني الجميع بإسقاطاته لذا ابارك لنفسي اني احد قراء هذا النص الكبير وايضا ابارك للمسرج العراقي هذا الفتح الفني المميز والذي سيأخذ بيد القافلة نحو الرياض المونقة واخيرا اقولها شكرا ميثم السعدي مؤلف مسرحية (سنة حلوة يا ذبيح).