اطلت التحديق بقلمي مستحثا سنارته كي تلتقط الكلمات من اعماق بحور ذاكرتي وانطباعاتي وتسطرها عبارات تترجم ما يمكن ان ادلو به من نقد اتجاه مسلسل عراقي عنوانه (غربة وطن) الا ان السنارة تغوص عميقا وتعود الي مرتده بشكل غريب كمن يضرب كرته بحاط لا تنفذ منه نسمة هواء معاندة ورافضة اصطياد كلمة واحدة يمكن ان تؤسس لي طريقا اسلكه باتجاه الاحاطة ولو بشكل بسيط بهذا المسلسل ليزداد تمنع قلمي عن الكتابة معللا القضية بعدم وجود ما يغريه بالتقيؤ اللفظي الا انني واصلت الحاحي واصراري الشديدين مع توجيه عدة ضربات متتالية ومتوالية ذات اليمين وذات الشمال الى سنارته التي ركنت اخيرا لهذا الالحاح والاصرار وطفقت اخيرا تصطاد الكلمات على مضض .
المسلسل العراقي (غربة وطن) مسلسل من تاليف (سعدي عبدالكريم) واخراج (جلال كامل) عرض من على شاشة العراقية مرتين في رمضان الماضي وما بعده لعام 2011 وهو من انتاج شبكة الاعلام العراقية التي بدات تدب فيها حركة لا باس بها ربما تبشر بخير في اتجاه بلورة ايديولوجية جديدة في واقع انتاج الدراما العراقية يمكن ان تؤسس لهوية متميزة اذا استثمرت بالشكل الاوجه ولكن اذا تواجد في مفاصل عملها الامي وحديث العهد او المتسور لمحراب الدراما وامور اخرى سنتطرق لها لاحقا ربما تشكل انتكاسة وتراجع واحتمال كبير واد لكل قيمة وثيمة وهوية .
يتحدث المسلسل عن فترة عصيبة مرت بالعراق ايام الحصار التي سبقت الاجتياح الامريكي وعلاقة الفرد بالمجتمع وعلاقة الفرد والمجتمع بالسلطة حيث تواجدت الحالة الذاكراتيه الاسترجاعية لفترة حكم البعث والتي اصبحت هي المتنفس الوحيد لكل كتابنا بما فيهم المتميزين وكان الساحة العراقية القصصية اجدبت من الخلق والابداع متعللين بتراكم هموم اثقلت قلوب العراقيين بالماساة المتواجدة اثارها لهذه الساعة فاستدعى تكرارها واجترارها واذا كان ولا بد من ذلك نقول لا باس لكن لا ان يكون الطرح بشكل مكثف دون تواجد قصة اجتماعية مستقلة تسير بموازاة الهم العام للفرد والمجتمع في العمل الواحد وللاسف لم نرى تواجد هكذا قصص في كل الاعمال الدرامية لهذه السنة الدرامية وبالذات في مسلسل (غربة وطن) الذي افتقد كاتبه (سعدي عبدالكريم) لكثير من المزايا التي لو التفت اليها يمكن ان يشكل حلقة ابداعية متممة للحلقات الجمالية الاخرى للسفر الخالد للدراما العراقية منذ نشاتها لكنه سقط وبالقاضية بالطرح المباشر المنافي للواقع .
هناك تناقض بين الشخصيات نفسها وبين واقعها الدرامي اعطاها غربة اضافية عن المشاهد اولا وعن الخطوط المتشعبة التي خلقها المؤلف والتي كان هدفها التضليل على المشاهد بطريقة مكشوفة ساذجة بوجود صراع بينها وبين رغباتها ورغبات الاخرين مع العلم ان الصراع الحقيقي لا يتواجد بالمسلسل بل في ذاكرة المشاهد فقط .
كما ان الحوارات الكثيرة الفارغة من اية قيمة فنية وادبية لم ترتفع بالخط الدرامي ولم تحلل الشخصيات نفسيا واجتماعيا مما جعلها تغرد خارج السرب لانها لم توظف وفق دراية متعمقة بل جاءت على عواهنها كما انها حوارات مقحمة بقوة بين الثنايا مما سببت تشويه حاد للصورة التي تقاطعت مع الحوار وبالذات الحوارات المتبادلة بين جلال كامل وفاطمة الربيعي وابتسام فريد وعلي داخل وخليل عبدالقادر ومناضل داوود نتيجة لهذه الحوارات الساذجة اجهضت الرغبات لدى المشاهد في مواصلة متابعة المسلسل وهذا ما لمسناه لدى الكثير منهم فالملل بدا يتسرب اليهم فامتنعوا عن مواصلة المشاهدة.
لتتولد فجوات لا تردم ابدا ولو ببعض الاكشنات للممثل جلال كامل التي بدت باهتة عديمة التاثير .
النص مغامرة مغرور بائت بالفشل اوصلت الجميع الى هاوية سحيقة ستكون جرحا لاتزول اثاره ولو بعد حين فقد تواجدت اخطاء واقعية ليس لها تبرير منها قوة وسطوة سناء عبدالرحمن على رجل الامن مناضل داوود وكذلك كيف يفلت جلال كامل من العقوبة بعدما صفع رجل امن له سلطته وهو يبدو قريب للرئيس وكلنا يعرف كيف كانت ممارساتهم التعسفية في ذلك العهد يرسلون من يناوئهم خلف الشمس فقد كانت شخصيات المؤلف بعيدة عن الواقع بالمرة ولو طال بنا المقال لاشرنا لسلبيات من هذا القبيل ما يلبي حاجة كتاب مساويء بحجم الف صفحة كما لا ننسى طريقة متابعة ومراقبة ابن ابتسام فريد الهارب من يد السلطة بشيرالماجد التي اقل ما نقول عنها انها ساذجة للغاية يمكن ان نضحك بها على الاطفال او من لم يعاصروا زمن السرد .
كما ان النهاية لم تكن بحجم نهاية طاغية كصدام فكانت هي الاخرى بلا طعم او لون او رائحة لم تناغم فرحة الشعب الحقيقية عند سقوط البعث فبدا المشهد الاخير مرتبك وكان الكاتب والمخرج بادارتهم له يذكروننا بالعداء الذي يصل الى نهاية المضمار فيبطا من حركته بعد جري سريع متواصل وهذا قول مجازي لاننا لم نرى سوى حركة بطيئة للاحداث منذ الانطلاقة الاولى لاول مشهد في المسلسل والحركة المتثاقلة بصورة مثيرة للتقزز للكامرا التي لم تقترب في قيمتها وتاثيرها من الافلام الصامته في اوليات السينما فكم جنى المخرج والمؤلف على الذائقة الجمالية للعمل وللعاملين وللمشاهد.
كان واضحا للازدواجية التي ارهقت العمل عند جلال كامل فهو المخرج والبطل فبدا في اكثر المشاهد شاخصا بلا حركة او اثارة اطفات جذوة من جذوات فاعلية العمل كما ان مبالغته في اداءه الفاقد للاحساس بزمان ومكان المشهد وبعده الدرامي اثر على بقية الممثلين كي يحذون حذوه في البرود الناشي عن تراكم طبيعة معينة في الاداء لم يتخلص منها رغم تعدد الادوار التي قام بتاديتها .
اكثر شيء اثر بالمسلسل بالاتجاه السلبي هو التصوير الخارجي للمقهى حيث فقد المشهد عدة مزايا منها جمالية الصورة التي هي عماد نجاح اي مسلسل وكذلك بعض الضوضاء التي اثرت بانسياب حوارات الممثلين وبعض المؤثرات الصوتية التي فقدت فاعليتها.
الانارة لم تكن على درجة من الحرفية فقد قتلت المشهد بقسوة مفرطة فبدت مظلمة في كل المشاهد وان كان التصوير في النهار مما اثر بسلبية على الجمالية التي نبحث عنها .بعض الهفوات الخاصة بالديكور والازياء التي لم تواكب زمن الحصار وهذه الهفوات باتت ملازمة لاكثر اعمالنا التلفزيونية.
حركة الكامرا واللقطات لم تعمق الاحساس بالحدث ولم تكن هناك الانسيابية بين تنويعات اللقطة التي تعكس طبيعة المشهد وحركيته او الموائمة بين نهاية اللقطات وبدايتها في المشاهد اللاحقة ليزداد الاغتراب ما بين الكاتب والمخرج والممثل والحدث .
اما الممثلون فالجميع وبلا تعليق حفروا قبورهم الفنية بايديهم ودرسوا كل مثابة لهم في سالف الايام وكانهم بهذا العمل ارادوا تاصيل مسالة وهي ان لايبقىوا ساكنين بلا عمل وكان عملهم مجرد اسقاط فرض ليس اكثر ولم يدر بخلدهم ان الضرر اكبر من المنفعة بالمشاركة بهكذا اعمال متردية .
لم نرى حسنة واحدة للمسلسل سوى اغنية الشارة التي لم تسعف العاملين في تحقيق ولو اوطا الدرجات والعلامات الحسنة.
كما لا ننسى من الواقعية الشديدة لعنوان المسلسل (غربة وطن) هذه الواقعية المتمثلة بغربة الجميع عن بعضهم البعض وغربة الوطن عن المؤلف والمخرج فالمسلسل من الفه الى ياءه كان مغتربا وغرائبيا ولا يسعنى الا ان نقول حسبنا الله بالاموال التي صرفت على هذا المسلسل .
حقيقة ارجو المعذرة لهذا الاختصار في تفكيك العمل خوفا من الاطالة وكذلك امتناع قلمي عن التحدث باسهاب عن امور ربما لو دخلنا في تفاصيلها الدقيقة لاعدم العمل من جذوره واحرق شريط المسلسل في ساحة التحرير ولكتبت على قارورة رماده المحترق والذي سيذر في دجلة والفرات (ولا عزاء للاعمال الهابطة) لنقول للمؤلف والمخرج هذا الهك الذي ضللت عليه .