23 ديسمبر، 2024 12:22 ص

قراءة نقدية في نص الأستاذ منصف القرطبي 

قراءة نقدية في نص الأستاذ منصف القرطبي 

قامت بها الناقدة صفا شريف .النقد :انطلاقا من هيكلية النص نجده قصة قصيرة، سنتحدث عن مكوناتها :
الزمان : في أخر النهار ..وصولا لآذان المغرب .
المكان : الشارع : علمنا ذلك من كلمة الضفة الأخرى .
الشخصيات : الكاتب شخصية رئيسية مع البطلة في النص ،  قام بوصف حدث صار معه ولفت نظره، الشخصيات الثانوية : تاجر المخدرات  والشرطة .
العقدة: هي اصرار الكاتب على كشف اللغز المحير أمامه : فتاة بائسة ..لا تطلب المساعدة كما هي عادة الفتيات ، زادت العقدة تعقيدا عند ذهابها لقرية ( الشواوشة) وطرقها على باب أشرس رجل .
الحل : تكشفت الحقائق أمامه ..هي شرطية متنكرة للقبض على هذا الرجل الحقير .#1   العنوان :
نبدأ به لأنه عتبة النص :  (الصدمة المزدوجة ) ، ما معنى صدمة : هي نازلة نفاجيء الإنسان ، مسببة له قلقا تجاه أمر  ما ، تؤثر في ضغط الدم وتسرع خفقان القلب ، وهي هنا مزدوجة ..أي مضاعفة ! جاءت معرفة بأل لأنها صدمة معينة تحدث عنها الكاتب ،
في أبعاد النص :
 استخدم الكاتب الزمن المضارع للدلالة على حركية النص : تسير ، يبدو، تزيل ، تتظر، تعبر، أتفقد …)  جميعها أفعال مضارعة تفيد الحركة وقد أوردها متسارعة ومتتالية  ، تجعل القاريء متتبعا خطوة بخطوة لحركية البطل في النص .
سيطرت الجمل الفعلية على النص تمنحها  دلالة الواقعية ، عبر الكاتب عن نصه بهذه الجمل ليشير إلى الواقع  الملموس أمامه، مبتعدا  بذلك عن الخيال المفرط في وصفه .
استخدم الكاتب المونولوج الداخلي ، طرح في نفسه تساؤلات كثيرة ..لم يمنح لنفسه وقتا للإجابة ..يسأل ويجيب ، لدرجة شعر أنها تسمع حواره …لكثرة أسئلته وحيرته ، فكر بصوت قوي، مدهوش مما يرى .جمال طبيعي ( ربما هو هنا أشار لقلة هذا الجمال ..لا مساحيق تجميل) ..ثيابها الرثة وحالتها المذرية ..لا تطلب المساعدة !   تحركاتها واسراعها في المشي ..دخولها لقرية المروجين للمخدرات..وصولا لنزول الستار عن هذه الإشكالية كما اسماها ..هي شرطية ، تيقن أن حبه بات سرابا ..ولما ؟ هل الشرطية لا تحب ؟ أم ليس من مستواها ؟ هل هو فقير ؟ أم هو شرطي مثلها ؟ لهذا اسماها صدمة مزدوجة ..الصدمة الأولى أنها شرطية، والصدمة الثانية أنها تزامله في العمل ؟ وربما  هي شرطية وهو فقير معدم ! من طبقة أقل ! ، ااسؤال الذي يطرح نفسه هل هكذا يكون الحب ؟ أم هو مجرد اعجاب ، أوليس للحب شروط ومعايير ؟

2#الأسلوب: استخدم الكاتب الاسلوب الاخباري السلس  في سرد قصته ، عمق عبارات جمله ومفرداته أخرجت النص من طائلة الاخبار التقريري ، فلقد أدخل المحسنات اللفظية في وصفه ، جاء اسلوب سرده علميا يشبه السرد الصحفي في بعض الأماكن، وهذا ما أدخل نصه تحت جلباب نظرية الفن للمجتمع.

#3 الفكرة :  فكرة النص عميقة تشير إلى أن  المتسولين في الشوارع  ليسوا بالضرورة محتاجين ..ربما كانوا جواسيس ، قتلة ، مرتزقة، دجالين ، كذابين ..
القصدية :
يشير الكاتب في طيات نصه إلى عدم تصديق ما نراه دائما ، فتاة منهكة ..تعبة ..فقيرة ..تصبح شرطية قوية أو بالاحرى تكون قبلا ..تمثل للوصول لمآربها الخاصة .
الفكرة واضحة لقد أخبرنا عنها الكاتب مسبقا ..شد أعصابنا من العنوان : الصدمة المزدوجة ..وقد أورده معرفة لتحديد تلك الصدمة بعينها ، جعلنا نتحرى الصدمة في قراءة بقية النص ونبحث عنها متسائلين ..أين هي ؟ ولما هي مزدوجة ؟.
أفكار النص مترابطة ومتماسكة وهذا ما جعل النص موفقا في معاييره ، تم نسج العقدة باصرار …صرح الكاتب بذلك ( لكنتي مصر على كشف هذا اللغز المحير ) .
اعتمد الكاتب التفكيك وهي يكتب نصه ..بمعنى أنه صرح عن كل خطوة قام بها ،  ابتدأ بتحديد جنس النص  ( قصة قصيرة ) ، ثم تحديد قفلته باللغز الصعب ، وبازدياد الاشكالية عنده بقوله : ( تدفقت الإشكاليات على ذهني ..) ، الحل : تلك الفتاة شرطية، اصابته بخيبة أمل . المغزى من القصة : يقينه أن هذا الحب مستحيل وبات سرابا ، ولربما هنا أثار جدلية فلسفية بين الواجب والحب كما قال أستاذ عبد الرزاق ، لكن لايمكن للكاتب أن يقرر عنها ..هو رآها وأحبها وتركها ..الأفعال له ..هي لم تدر بهذا الحب ولم تشعر به ، وهي في الأصل لم تر الكاتب ، فكيف يقرر عنها ..هذا من وجهة نظري، ومن المؤكد هناك أسباب وهواجس نفسية تمنعه من حب شرطية وسأورد بعضا منها:
عدم قبولها بالحب والزواج ، عدم تخليها عن واجبها، وبالتالي عدم قدرتها على إنجاب الأولاد ..وبناء عائلة سعيدة ….
ألقى النص الضوء على عدة أمور :
  الجمال الطبيعي 
المتسولون في الشوارع
معايير الحب وخيبة الأمل .نص الأستاذ منصف القرطبي .
قصة قصيرة/الصدمة المزدوجة/
تسير أمامي، منهكة القوى، يبدو التعب جليا على ملامحها، تزيل عنها الغبار، تنظر يمينا ويسارا، تعبر إلى الضفة الأخرى، ألاحقها، أتفقد خطواتها، متتبعا المسار نفسه، عنفوانها البائس منعها من أن تطلب المساعدة. كانت أنانية، لم تنبس ببنت شفة، لم تصرخ طلبا للنجدة كما تفعل الفتيات غالبا… ولكنني مصر على كشف هذا اللغز المحيّر، عزيمتي لن تتوقف أبدا، حتى وإن تبخترت فتواضعي سيقتل طلاسمها ،وذلك العنفوان الذابل. توقّفت لهنيهة، كأنّها أحست بصوتي الخفيت، كنت أحدّث نفسي، لكن، كيف لها أن تستشعر بذلك، هو مونولوج داخلي ليس إلاّ، لم يكن حوارا خارجيا عن كياني الموسوس بسبر أغوار هاته الحسناء التي فتنتني بجمالها العفوي، لا تصنّع، لا مواد تجميل، مظهرها الخارجي لا يشي بجوهرها الداخلي، سأغيّر من ملابسها النتنة، التي لا تليق بها، قبيحات الوجه يلبسن ثيابا أفضل صنعا ولونا، أما هي فلا داعي للوصف، سروالها ممزق كدفاتري القديمة، حافية القدمين… هرولت من جديد، حينما تأكدت أن لا أحد يطاردها، في صمت رهيب، الساعة تشير إلى السادسة مساء، الغروب اقترب موعده، الطيور واللقالق بدأت في رحلة العودة إلى موطنها. كان حريّا بها في هذه اللحظات، أن تطلب ود أحد المارين، لكنني فهمت سبب عنادها، فهي كانت تخشى تلك الذئاب المتحوّلة، ربما يزيد أحدهم الطين بلّة،عندئذ ستعاني من جروح لا دواء لها…
مع أذان المغرب، اقتربت من القرية التي تجاورنا، تدعى (بالشواوشة)، يقطنها أزيد من ألف عائلة، غالبيتهم من أولئك المروّجين للمخدرات السامة، لا يكاد يخلو منزل من هذه السموم المستوردة من(كتامة) وأروبا، قد تجد طفلا مدمنا على التدخين والشرب. في تلك الأثناء تأججت الأشياء، تدفقت الإشكاليات على ذهني تباعا وبشكل مسترسل، لا أعرف إلى حد الآن، لماذا قصدت هذه القرية بالضبط؟؟ ومما زاد من منسوب الشك بداخلي، هو طرقها لباب (الحنش)، شخصية خطيرة، من أكبر بائعي المخدرات في المنطقة…تسمّرت في مكاني لهنيهة، حملت الهاتف، محاولا الاتصال بالشرطة، لا يمكن أن أصمت على هذه الحماقة اللاّمتناهية، ربما في الأمر شيء لم يظهر بعد، فكّرت في منع تلك الفتاة -التي أحببتها- من الدخول، خفت أن أوقع نفسي في مأزق لا مخرج منه، فكان الهاتف سبيلي الوحيد، و للشرطة القدرة على إنقاذ الموقف. ها هو الهاتف الأصم، قد فرغ من الشحن، بذلك افتقدت وسيلتي الوحيدة، ماذا سأفعل الآن يا إلهي؟…على الغالب ستموت هذه الفتاة التي عشقتها، على الرغم من أنني لم أحدّثها يوما، أحببت فيها البساطة والبهاء الطبيعي. سيصيبها مكروه من أولئك المجرمين، سأندم على عدم تدخلي في الوقت المناسب، سأشكو نفسي إلى نفسها، ولن أنسى هذه الذكرى البائسة…توقفت عن اللوم. ظهرت بعد فترة زمنية قريبة، سيّارة لم يسبق لي رؤية شكل نظير لها، لونها غريب، لكن ما هذا؟ تحمل على متنها أشخاصا لهم من الطول والقامة ما جعلني أنبهر، وبالقرب من منزل (الحنش) توقفت السيارة، خرجوا من بطنها، التفوا حول المكان، طوقوه… لحظات بعد ذلك ،خرجت تلك الفتاة وهي تقبض على السيد (الحنش) ، و(المينوط) يمنع يديه من الحركة.. أدخلوه إلى تلك السيّارة، ومعه معاونوه مشدودو الأيدي، تلك الفتاة شرطيّة متنكّرة، حينها تيقنت أن هذا الحبّ بات سرابا، وعلمت أنّ الصدمة كانت مزدوجة…