مقدمة
أتعبتني هذه القصيدة ، وأرهقتني حزنا ويأسا وحسرة، سبحت مع الشاعر في بحور الطين، ورأيت أكوام الجثث، رأيت كيف يضحك الظالم مكشراعن أسنان معدة للنهش والفتك، ورأيت كيف تغرز السكاكين في ظهور المساكين وفي صدورهم، وقفت مع الشاعر أجابه المستعمر الأمريكي وأسأله : ما الهدف من طعني…؟ ووقفت معه استنهض كل الهمم لتنزيل عن كاهلها الموت المتربص بها بشيطان أمريكي قدم إليه يحمل قيود الاستعباد، وبعد الانتصار ودحر المحتل , وقفت معه تعبة أبحث عن هوية الشعوب التي تاهت عن شاطئ الأمان ووقعت فريسة الموت والفوضى . الصورة البصرية للقصيدة : قصيدة حرة من الشعر المعاصر …شعر التفعيلة….، تضج بالصور الشعرية، مفعمة بالعاطفة، تأخذنا عميقا في أغوار الشاعر الذي تكلم بلسان شعبه، فحكى حكايته مع المستعمر، واجهه وانتصر عليه، ثم تحسر على ما تلاه. استخدم جمل قصيرة بمسافات شعرية راقية ومموسقة…. البيئة الشعرية :العراق الحبيب وسوريا في فترة الغزو الأمريكي وما تلاه الفكرة العامة للقصيدة (المعنى والقيم الجمالية ):القصيدة هنا هي شعر حر غنائي وجداني بتفعيلة وموسيقى داخلية ، ينتمي إلى المدرسة الواقعية تحت نظرية الأدب للمجتمع، فيه صبغة رمزية وفلسفية عميقة بعمق المأساة، يبدع الشاعر في وصف الظالم الذي يقف ضاحكا مكشرا عن أسنانه الفتاكة، متفرجا على إنجازاته و جرائمه متلذذا شامتا، ثم ندرك أن هذا الظالم هو المستعمر الأمريكي الذي جاء من عالم الحقد الأسود…يزرع الموت في كل مكان، يراكم جثث الابرياء ويراقب تحللها، تحللت إلى بحور من طين والطين عجينة الإنسان وإليه يعود، وتبدأ أسئلة الشاعر ، يتكلم بلسان شعبه ، يسأل قاتله عن هدفه ، ماذا جنى من القتل والطعن والغدر؟ يشكك بأن ضمير العالم قاطبة مات أيضا بطعنات من نصوله. ..! ويأتي سؤال الضجر، هل قدر الشعوب العربية أن تموت على يد غريب تكلف مسيرة آلاف الأميال ليحمل الموت والقيد والسوط…..؟ وهل قدرنا أن نعيش الاستعباد ومع الجلد بالسوط …..؟ وعند هذا الحد ينتفض الشاعر مستنهضا نفسه، وشعبه، ينادي جلده ( أبناء جلدته_ قومه ، العرب الاحرار ) أن ينتفضوا ، فالحياة مازالت تسري في العروق، وعليها أن تستميت في الدفاع عن كينونتها، ينادي كل أبناء أمته ، في الواحات والسهول، في السواحل وعلى ضفاف دجلةوالفرات والنيل وبردى، أن يستل كل سلاحه ويقاوم، يدفع ويدافع … وها قد جاء النصر واندحر العدو، وشكر الله واجب، صلاة في قلب الليل تطفئ براكين الأسى، وتلقي في القلب أمنة وسكينة، شعب مؤمن بالله يطيع الله فيما أمر، وبعد أن تنتهي المعمعة، يعود الشاعر ممثلا بشعبه ليلملم راحات عمر ضاع في طيات الهموم والمحن ، وتاهت قواربه عن مرافئ الأمان ….حتىشاخ وابيض شعره….! وتنتهي القصيدة بحال وواقع مرير ، الشعب الذي انتصر وطرد المستعمر، وقع بين فكي الموت والحروب الأهلية بعد عبث الخونة ، وبين براثن الفقر والجري وراء لقمة العيش التي طحنته . الفكرة في هذه القصيدة والمعاني الشعرية ,قيمة جدا…استقطبتنا وجدانيا، تفاعلنا معها كأننا الشاعر ، ربما لأن الوجع واحد. وهي تحكي حدثاً تاريخياً شهدناه ،فلا شك أبداً بصحتها وصدقها. المعاني الشعرية التي جاء بها الشاعر ليست جديدة، لكنه صاغها بطريقة مبتكرة، فبدت كأنها جديدة، وهي موسومة بعمق عجيب تجعل القارئ يتماهى مع الشاعر تأثراً وانسجاماً، يتألم ويثور معه ، يفرح لانتصاره، ثم يهدأ ويحمد الله ، ويتحسّر معه على ما آل إليه واقعه، هذا العمق ميّز شاعرنا في كل أعماله، فهو شاعر وأديب يتمتعبقدرة عقلية وملكة ذهنية وثقافية عالية يعتمد الحكمة في كل ما يكتبه، لديه قدرة عجيبة على اختزال التجارب الإنسانية وتقديمها في جمل مختصرة مكثفة وبليغة… وفي سياق الحديث سأعرض لمثل هذه الجمل… العاطفة :نجدها عاطفة وجدانية إنسانية قومية، تجعلنا نمقت الظلم والظالم والمستعمر، ونتعاطف مع الشعوب المقهورة والمعلومة ، و نحزن على حالها وواقعها الأليم ، ونتحسر على ما آلت إليه من فقر وذل بعد عز وكرامة. الشاعر يتحدث بعاطفة صادقة، يحكي قصة واقع عاشه ولم يخترعه . القصيدة بالمجمل قوية ، لم أجد فيها مواطن ضعف أبدا، فكل حرف فيها كان من القوة بمكانه، وتركت أثراً عميقاً في نفسي . حقل الحزن كان طاغياً حتى عندما تحدث عن النصر الذي تحقق. خيال الشاعر :كان خصباً في وصف المستعمر الظالم ، وتصوير آثار الظلم والعدوان ، ( يبرز أسناناً كحد السكين في ظلمات الحقد) (جثث متراكمة وبحار من طين) (هل مات ضمير الدنيا ونصال سكاكينك قد دفنت في الأمر ) وفي استنهاض الهمم ( انهض يا جلدي ) في وصف حال الشعب وأوجاعه، والأمان الذي غادره تائها عن مرافئ السكينة, والأفكار التي سكنت جدر الصمت وخرست . (أبحث في طيات أنيني عن عمري الضائع بين همومي ) ( كبرت كل ميادين ظنوني ابتعدت عن مرفئها وغاصت في جدران الصمت ) وفي وصف حال الشعب بعد التحرير. (رفع القدر حارسه عني صار يحييني ضيفا بين فكوك الموت وطواحيني ) صور عادية موجودة بالحياة استخدمها الشاعر أدوات بث فيها الحركة والحياة فجاءت مبتكرة. الأسلوب وتربة الشاعر الشعرية :هذه القصيدة ليست أول قصيدة أقرؤها للشاعر ، لكن يمكن لمن يقرأ للشاعر لأول مرة أن يلتمس أسلوبه ،أسلوب أدبي جميل يستخدم فيه الشاعر التراكيب الغنية بالخيال والصور البيانية حيث كان الانزياح قويا في كل جوانب القصيدة ، يلبس المعنوي ثوب المحسوس ( انهض يا جلدي_ يسرق مني كل الآمال_ أيقظ سيفك _سيل يتهجد _طيات أنيني_كبرت ميادين ظنوني ) وأظهر المحسوس في صورة المعنوي (بحار من طين ،زادك تأكله من صدري… ) كما يظهر الأسلوب الخطابي واضحا، وفيه تبرز قوة المعاني والألفاظ والحجة والبرهان، يثير فيه الشاعر العزائم (انهض يا جلدي _ أيقظ سيفك… ). ولا يستتر الأسلوب الحكيم في هذه القصيدة ، بل يبرز واضحا بأسئلة الشاعر، أسئلة مفاجئة تجعل المتلقي بحار بالإجابة (لا أدرك… ما أفعل ..؟) ( ما الهدف من طعني ؟ ) (هل مات ضمير الدنيا ونصال سكاكينك قد نفدت بالأمر ؟ ) أنا أدري أنني لم أحط بكل جوانب القصيدة ،وأطلب المعذرة ، بالقصيدة لوحة ناطقة من العنوان إلى النهاية ، ومن الصعب الجري بمحاذاتها …. تحياتي إلى مبدع القصيدة واعذرني أستاذنا المبدع عبد الرزاق عوده الغالبي، أن قراءتي هذه ليست على قدر عظمة القصيدة. النص الأصلي كارثةعبد الرزاق عوده الغالبي لا زال….الظالم يتفرج فرحاًيبرز أسناناً كحد السكينفي ظلمات الحقددوياً أسمع في خلديهذيان و أنينلا أدرك …. ما أفعل ….. ؟جثث متراكمةوبحار من طينما الهدف من طعني…..؟و زادك تأكله من صدريوالخنجر في ظهرياسأل نفسك عن قهريهل مات ضمير الدنياو نصال سكاكينكقد دفنت في الأمر …؟قدر أهوج أن تحكمنيهنود حمرقروناً و سنينايعبر نحوي آلاف الأمياليحمل في جعبته سوطاًيجلدني ….يسرق مني كل الآمالينشد ذلييستعبدنيانهض يا جلديما دام… في العمر بقيةما دام …في الجبهةعرق ينضحأيقظ سيفك و اسرحفي ظل الزيتونوبين جذوع النخلسيلٌ يتهجد في الليليلقي في النهر الهائج بركاناًوبين ضلوعي سكوناًكي أنسىسوطَه في ظهريأبحث في طيّات أنينيعن عمريالضائع بين هموميكبرت كلُّ ميادين ظنونيابتعدت عن مرفئهاغاصت في جدران الصمترفع القدرحارسه عنيصار يحيّني….ضيفاًبين فكوك الموتو طواحيني