تشير بيانات وزارة المالية المتعلقة بنتائج تنفيذ قانون الموازنة لعام 2023 الى جملة من الحقائق، بعضها جيد ومشجع واغلبها مؤسف ومحبط وخاصة ما يتعلق بتدني النفقات الاستثمارية في القطاع الزراعي والقطاع الصناعي (بدون القطاع النفطي).
البيانات بحد ذاتها مهمة للغاية لأنها تعكس واقع التنفيذ، ومن خلالها يمكن تحليل وتقييم مدى التقدم، او التعثر، على مستوى الاقتصاد العراقي من جهة، ومدى صواب التخطيط في اعداد الموازنة السنوية وكفاءة تنفيذها.
نَشَرَتْ وزارة المالية، دائرة المحاسبة قسم التوحيد/ نظام توحيد حسابات الدولة على الموازنة الجارية والاستثمارية لغاية 31 كانون الأول لسنه 2023. ويأتي هذا التقرير، “حساب الدولة لغاية 31 كانون الأول 2023 للموازنة الاتحادية”(1)، استكمالا للتقارير الشهرية لعام 2023 وانه بذلك يعكس اجمالي الموازنة للعام كله؛ ومن هنا تأتي أهمية هذا التقرير وضرورة مناقشته بشكل معمق من قبل المعنيين والمتابعين.
سبق لي ان تناولت قانون موازنة 2023 بعد اقراره (2) ثم تناولت نتائج تنفيذه على قدر تعلق الامر بالشأن النفطي.(3)
تتركز مداخلتي الحالية على مناقشة ما ورد في تقرير وزارة المالية المتعلق بالنتائج الفعلية للعام ومقارنتها بما ورد في قانون الموازنة قدر المستطاع. سأتناول أولا هيكل ومضمون التقرير، ثم مناقشة مكونات الموازنة الاجمالية بين المخطط والمتحقق، وبعد ذلك يتم تحليل مقارن للعجز المالي، يتبع ذلك استعراض ومناقشة مكونات الموازنة الجارية، ثم تحليل التوزيع القطاعي والنوعي للنفقات الاستثمارية، بعدها اتناول موضوع تخصيصات البترودولار واختتم هذه الداخلة بضرورة اصدار بيان توضيحي لتقرير وزارة المالية.
أولا: هيكل ومضمون التقرير
يتكون التقرير من مجموعة من الجداول والبيانات الرقمية /الكمية فقط، بدون اية ملاحظات، او توضيحات، او تفسير، او تحليل، او مقارنات. جميع المبالغ وردت بالدينار العراقي واغلبها، وخاصة الاجمالية، تصل الى مستويات الترليون.
من حيث المضمون يتكون “حساب الدولة لغاية 31 كانون الأول 2023 للموازنة الاتحادية” من ثمانية جداول اعدت حسب سياقات عمل الوزارة وانظمتها المحاسبية، يبدأ كل جدول بكلمة “تقرير”.
يبدا تقرير عام 2023 بجدول عنوانه “تقرير بالمصروفات الفعلية على مستوى الوزارات حسب التصنيف الاداري”، ويتضمن الموازنة الجارية والموازنة الاستثمارية والموازنة الاجمالية. يلي ذلك جدول بعنوان “تقرير بالمصروفات الفعلية بمستوى الوزارات حسب التصنيف الاقتصادي للموازنة الجارية”. يعرض هذا الجدول النفقات الجارية (وتتوزع بين تعويضات الموظفين، والمستلزمات الخدمية، والمستلزمات السلعية، وصيانة الموجودات، والمنح والاعانات والفوائد والمصروفات الاخرى، والالتزامات والمساهمات الخارجية، والرعاية الاجتماعية) والنفقات الراسمالية، والمديونية (خدمة الدين)، والبرامج الخاصة.
الجدول الثالث يخص ” تقرير بالمصروفات الفعلية بمستوى الوزارات حسب التصنيف الاقتصادي للموازنة الاستثمارية”، ويتضمن القطاع الزراعي، والقطاع الصناعي، وقطاع النقل والمواصلات، وقطاع المباني والخدمات، وقطاع التربية والتعليم.
الجدول الرابع يعرض ” تقرير بالمصروفات حسب التصنيف الاقتصادي للموازنة الجارية” ويتضمن الجدول الخامس ” تقرير بالمصروفات حسب القطاعات للموازنة الاستثمارية “، ويظهر الجدول السادس ” تقرير بالمصروفات للموازنة الاستثمارية بمستوى انواع الاستثمار”، موزعة بين منهاج استثماري، وتنمية اقاليم، وبترودولار، وإنعاش الاهوار، واستراتيجية التخفيف من الفقر.
يقدم الجدول السابع ” تقرير بالإيرادات حسب التصنيف الاقتصادي للموازنة الاتحادية “، واخيرا يعرض الجدول الثامن ” تقرير بالإيرادات النفطية والغير نفطية ونسبة كل منهما من اجمالي الإيرادات للموازنة الاتحادية “.
ماذا تشير اليه الجداول اعلاه وما يمكن الاستنتاج منها!؟ هذا ما تحاول هذه الداخلة الاجابة اليه ادناه.
ثانيا: مكونات الموازنة الاجمالية بين المخطط والمتحقق
هيكليا تتكون الموازنة الاجمالية من مجموعتين من النفقات، الجارية والاستثمارية وتشمل كل منهما مجموعة من النفقات التي يُفَصلها عادة قانون الموازنة(4) (وهي تخطيطية بطبيعتها). في نهاية العام يتم جرد حساب الدولة للنفقات الفعلية التي تحققت خلال العام. بعبارة ادق، يعكس قانون الموازنة خطط الحكومة وتوقعاتها لتنفيذ سياستها في بداية وخلال السنة المالية، في حين تعكس حسابات النفقات في نهاية السنة المالية ما تم انفاقه فعلا، أي كفاءة التنفيذ والانجاز على المستوى المالي.
جدول رقم (1)
هيكل الموازنة الاجمالية لعام 2023 بين المخطط والمتحقق
النفقات
الجارية
النفقات
الاستثمارية
قانون الموازنة العامة لسنة 2023
75.2%
24.8%
حساب الدولة للموازنة كما في 31 ك1 2023
83%
17%
يلخص الجدول اعلاه مقارنة لهيكل الموازنة بين ما ورد في القانون وما تم انفاقه فعلا، ومن خلاله يمكن تشخيص الحقائق التالية وتبعاتها.
تستحوذ النفقات الجارية على معظم الموارد المالية سواء كان ذلك على مستوى التخطيط او على مستوى التنفيذ الفعلي، وهذا استمرار للأنماط السلبية وترسيخ للفشل المزمن الذي يعاني منه الاقتصاد العراقي.
ولكن الأسوء ان مؤشرات تنفيذ النفقات الجارية كانت اعلى مما كانت عليه في قانون الموازنة (+7.8 نقطة مئوية)، بينما حصل العكس تماما بالنسبة للنفقات الاستثمارية (-7.8 نقطة مئوية). وهذا امر يدعو الى كثير من القلق ويحتم ضرورة معالجته بشك جدي ومدروس وفاعل؛ فعلى الرغم من قلة التخصيصات المالية الاستثمارية، فان تنفذها متواضع للغاية.
هذه الحقائق ما هي إلا ضمن مؤشرات استمرار الفشل في السياسة الاقتصادية الكلية في معالجة هيكلية الاقتصاد العراقي وذلك بإعطاء الاولوية للنفقات الجارية /الاستهلاكية على حساب الاستثمار في الطاقات الانتاجية، افقيا (قطاعيا) وعموديا (سلسلة القيم القطاعية)، الضرورية لمعالجة الخلل في هيكل الاقتصاد الوطني. سأناقش موضوع النفقات الاستثمارية لاحقا.
من الجدير التذكير او التاكيد على ان ارقام الموازنة ومقارناتها هي مؤشرات “مالية” فقط، وهي لا تعني بالضرورة تحقق نتائج مادية ملموسة كتراكم الاصول الراسمالية او البنى التحتية او الطاقات الانتاجية بالنسبة للنفقات الاستثمارية او حتى كفاءة وفاعلية وتاثير النفقات الجارية. فالتلكؤ في تنفيذ المشاريع، وانتشار الفساد والفساد المشرعن (كلبتوكراسي) وظاهرة ” الفلكيين”، وغياب الشفافية وغيرها من الظواهر السلبية تستزف المزيد من موارد الدولة المالية. ولكن “الارقام المجردة” في تقرير وزارة المالية لا تقول أي شيء عنها، ومن الصعوبة الاستنتاج، منطقيا، بتحقق اضافات مادية حقيقية من تلك الارقام.
ثالثا: العجز المالي المخطط والفعلي
يكاد ان يكون العجز المالي المخطط أحد سمات قوانين الموازنات العراقية خلال العقدين الاخيرين على الاقل. وقد يكون السبب المؤثر لهذه الظاهرة هو خضوع اعداد مشروع قانون الموازنة لكثير من الاعتبارات، اغلبها ذات طبيعة حزبية/سياسية، سواء من قبل السلطة التنفيذية او من قبل السلطة التشريعية، مما يقود بالمحصلة النهائية الى تضخيم حجم ومكونات جانب النفقات.
بسبب التباينات في المواقف بين الاطراف الفاعلة والمؤثرة، يتأخر عادة اقرار قانون الموازنة عن مواعيده المحددة دستوريا. فالسنة المالية في العراق تبدأ في الاول من كانون ثاني من كل عام، في حين دخل قانون الموازنة لعام 2023 حيز التنفيذ في 26 حزيران!! وهذه ليست المرة الاولى، بل ان بعض السنوات لم يتم فيها اقرار قانون الموازنة.
ان هذا التأخير الذي يعادل نصف مدة السنة المالية يقود الى اعتماد قاعدة “1/12” لتمويل النفقات (الجارية) الشهرية خلال مدة التاخير على اساس معدل الشهر الواحد للسنة السابقة.
كل هذه الحقائق تساعد، بل يجب اخذها بنظر الاعتبار، في تفهم وتفسير البيانات المتعلقة بالموازنة للعام الماضي.
جدول رقم (2)
مجموع الايرادات والنفقات والعجز المالي لعام 2023 بين المخطط والمتحقق
ترليون دينار عراقي , %
النفقات
الايرادات
العجز (%)
قانون الموازنة العامة لسنة 2023
198.9
134.6
64.3 (32.3)
حساب الدولة للموازنة كما في 31 ك1 2023
142.4
135.7
6.7 (4.7)
يوضح الجدول رقم (2) ان حجم النفقات المخطط يفوق حجم الايرادات المتوقعة بواقع 64.3 ترليون دينار، مما يعني عجز مالي مخطط يعادل 32.3% من حجم النفقات. ولكن ما تحقق فعلا ان حجم العجز المالي كان بواقع 6.7 ترليون دينار او ما يعدل 4.7% من حجم النفقات الفعلية. لماذا!
تشير الارقام الى تفسيرين لهذا التباين. الاول، ان حجم النفقات الفعلية كانت اقل من حجم النفقات المخططة بواقع 56.5 ترليون دينار (او 28.4%). كان نصيب التخفيض في النفقات الاستثمارية 25.2 ترليون دينار ونصيب النفقات الجارية 31.3 ترليون دينار. وهذا يعود الى العوامل التي تم ذكرها اعلاه.
اما السبب الثاني فيعود الى ان الايرادات المتحققة كانت اعلى من الايرادات المخططة ولو بشكل طفيف، حوالي 1.1 ترليون دينار. يعود السبب الرئيسي لذلك الى حقيقة كون عوائد الصادرات النفطية تشكل معظم اجمالي العوائد، وان عوائد الصادرات النفطية تقدر بشكل أكثر تحفظا باعتماد سعر تصدير النفط قريب من الواقع ولا تخضع لكثير من المزايدات السياسية خلال اعداد وتشريع مسودة قانون الموازنة. وقد تناولت هذا الامر بالتفصيل في دراسة سابقة(5)
وكما يظهر في الجدول التالي فان الايرادات النفطية المتحققة خلال العام كانت اعلى مما كان مخططا في قانون الموازنة كميا وكذلك كنسبة الى مجموع الايرادات السيادية.
جدول رقم (3)
مجموع الايرادات النفطية ونسبتها الى اجمالي الإيرادات
خلال عام 2023 بين المخطط والمتحقق
ترليون دينار عراقي , %
الايرادات
النفطية
%
قانون الموازنة العامة لسنة 2023
117.3
87
حساب الدولة للموازنة كما في 31 ك1 2023
125.9
93
رابعا: مكونات الموازنة الجارية
كما ذكر اعلاه تشمل الموازنة الجارية النفقات على الفقرات التالية: تعويضات الموظفين، والمستلزمات الخدمية، والمستلزمات السلعية، وصيانة الموجودات، والمنح والاعانات والفوائد والمصروفات الاخرى، والالتزامات والمساهمات الخارجية، والرعاية الاجتماعية.
بلغ مجموع النفقات الجارية المتحقق خلال العام حوالي 106.8 ترليون دينار، وقد نالت فقرة “تعويضات الموظفين” اكثر من 44.2%، تلتها “الرعاية الاجتماعية” حيث زادت حصتها نسبة 23.4%، ثم فقرة “المنح والاعانات والفوائد والمصروفات الاخرى” وكانت حصتها 19.1%، ثم “المستلزمات السلعية” وحصتها 10.9%، بينما حصلت فقرات “المستلزمات الخدمية” و”صيانة الموجودات” و ” الالتزامات والمساهمات والمساعدات الخارجية” مجتمعتاً حوالي 1.8%
توضح ارقام تعويضات الموظفين اعلاه ما هو معروف عن تضخم عدد العاملين في مختلف المرافق الحكومية وكلفتها المالية المرتفعة. وتوجد عدة تفسيرات لهذه الظاهرة التي تكاد ان تكون مزمنة. هناك تفسير يعيد الظاهرة الى هيكلية التوظيف والاستخدام في دوائر الدولة ومرافق القطاع العام وبسبب ضعف القطاع الخاص، أي انها تراكمية يصعب عكس اتجاهاتها. تفسير اخر يربط الظاهرة بمحاولة الاحزاب والقوى السياسية والتكتلات والقوى المتنفذة استخدام “التوظيف/التعيين” لكسب التأييد والدعم وخاصة لأغراض انتخابية. كما ويوجد تفسير اخر يتعلق بالهيمنة السياسية على الوزارات، مما يعني اولوية التعيين في الوزارة المعنية الى اتباع الطرف السياسي الذي يهيمن على تلك الوزارة. وهناك من يدعي ان لكل عضو في مجلس النواب صلاحية تعيين عدد معين من الموظفين. وغير ذلك من التفسيرات والادعاءات.
هذا ما يتعلق بكمية “عدد الموظفين”. ولكن التخصيصات المالية لا تعكس العدد فقط، بل تعكس ايضا ما تتضمنه تلك “التعويضات” من رواتب ومخصصات ومزايا خاصة للمستويات الوظيفية العليا، من مدير عام وصاعدا.
كما تؤشر حصة الرعاية الاجتماعية، المرتفعة نسبيا، الى تردي الوضع المالي للعوائل مما تطلب تدخل الدولة للتقليل من انتشار الفقر والعوز المادي.
كذلك يؤشر المستوى المتدني جدا لتخصيصات “صيانة الموجودات”، 583 بليون دينار فقط، الى اهمال غير مبرر على الاطلاق، ومكلف اقتصاديا على المدايات المتوسطة والبعيدة، للموجودات المادية بمختلف اصنافها وتوزيعها القطاعي. وهذه البيانات تؤكد ظاهرة عدم الاهتمام بصيانة المعدات والبنى التحتية وما يترتب عليها من تاثيرات سلبية على الاقتصاد والتراكم الرأسمالي فيه.
من المهم الاشارة الى ان تقرير وزارة المالية قيد البحث وضمن موضوع المصروفات تضمن فقرة “برامج خاصة” وهي تشمل ايضا المكونات التي نوقشت اعلاه. وبسبب قلة المبالغ التي تم انفاقها على البرامج الخاصة وعدم تأثيرها في تغيير نتائج التقييم، فقد تم عدم اخذها بنظر الاعتبار.
خامسا: التوزيع القطاعي والنوعي للنفقات الاستثمارية
يوضح الجدول التالي الحصص النسبية من مجموع النفقات الاستثمارية الفعلية للقطاعات الخمسة التي شملها تقرير وزارة المالية.
جدول رقم (4)
المصروفات الاستثمارية القطاعية الفعلية (%)
%
القطاع
2.02
الزراعي
48.73
الصناعي
12.92
النقل والاتصالات
30.50
المباني والخدمات
5.83
التربية والتعليم
ارقام الجدول أعلاه واضحة للوهلة الاولى وإنها تشير الى صدارة القطاع الصناعي باستحواذه على 48.73% من مجموع النفقات الفعلية الاستثمارية.
هذا امر غير دقيق وقد يقود الى نتائج خاطئة او مضللة بسبب اعتبار القطاع النفطي ضمن القطاع الصناعي. فلو تم الفصل بين الاستثمارات المتحققة في القطاع النفطي عن بقية الاستثمارات المتحققة في القطاع الصناعي سنتوصل الى نسب مختلفة جدا. ستصبح حصة القطاع النفطي حوالي 45.2% وستكون حصة بقية القطاع الصناعي حوالي 3.5% فقط في مجمل الموازنة الاستثمارية.
وفيما يتعلق بالموازنة الاستثمارية لوزارة النفط، التي تشكل حوالي 45.2% من الموازنة الاستثمارية للعراق ككل، فللأمر أكثر من جانب. فهو من جهة يعكس اهمية الاستثمار في القطاع النفطي، وهو المصدر الاساسي لعوائد الموازنة السنوية؛ وهذا امر ضروري وبالتالي امر ايجابي. ولكنه من جانب اخر يعمق هيكلية الاقتصاد احادي الجانب باعتماد الاقتصاد العراقي على القطاع النفطي (انتاج النفط الخام) واستمرارية “الاقتصاد الريعي”؛ وهذا امر سلبي، خاصةً اذا تركزت تلك الاستثمارات على قطاع انتاج النفط بدلا، او اكثر من، الاستثمارات في قطاع التصفية وتصنيع الغاز والصناعات البتروكيماوية.
ومن الجدير بالذكر ان الموازنة الجارية لوزارة النفط تستحوذ على 15.7% من الموازنة الاجمالية للوزارة مقابل 84.3% للموازنة الاستثمارية، وهذا امر جيد، خاصةً عند المقارنة مع العراق ككل حيث النسب تكاد تكون متعاكسة/ مقلوبة تماما.
ان مجموع حصص القطاعين الزراعي والصناعي (باستبعاد القطاع النفطي) من مجموع موازنة الاستثمارات المتحققة خلال عام 2023 حوالي 5.52% فقط. وهذا المستوى من الاستثمارات المتحققة واطئ جدا وله تبعات سلبية على افق التنمية الحقيقية. حيث يعتبر هذين القطاعين من القطاعات الإنتاجية المكونة لما يطلق عليه الاقتصاد الحقيقي- Real Economy في الادبيات الاقتصادية والتنموية، نظرا لدورهما الاساسي في استحداث التغييرات الهيكلية في الاقتصاد الوطني لمعالجة مساوئ طابعه الريعي.
كما تضمن تقرير وزارة المالية تصنيف النفقات الاستثمارية المتحققة خلال عام 2023 على اساس “نوعية الاستثمار”؛ يضمن هذا التصنيف الفقرات التالية ونسبها من اجمالي النفقات الاستثمارية: المنهاج الاستثماري (73.4%)، تنمية الاقاليم (21.3%)، البترودولار (5%)، انعاش الاهوار (00.2%)، استراتيجية التخفيف من الفقر (03.4%).
سأناقش ادناه موضوع البترودولار فقط لعلاقته المباشرة بالشأن النفطي.
سادسا: تخصيصات البترودولار
بلغ حجم تخصيصات البترودولار المدفوعة فعليا الى المحافظات المنتجة خلال العام 1.2 ترليون دينار، وادخلت هذه المبالغ ضمن الموازنة الاستثمارية في قانون الموازنة. وهنا تبرز التساؤلات التالية:
تحتسب تخصيصات البترودولار في قانون الموازنة بنسبة 5% من عوائد النفط الخام او من عوائد التصفية او عوائد الغاز الطبيعي (ويترك للمحافظة المنتجة اختيار احدها). ولو اعتمدنا عوائد الصادرات النفطية الفعلية كأساس للحساب تكون هذه التخصيصات حوالي 6.3 ترليون دينار؛ وهذا يعني الحاق اجحاف مالي قدره 5.1 ترليون دينار بحقوق المحافظات المنتجة.
كما أشار قانون الموازنة الى تخصيص 30% من العوائد المتحققة عن زيادة أسعار النفط عن السعر المعتمد في القانون وهو 70 دولار للبرميل، لتسديد المستحقات المتأخرة للمحافظات. وحسب بيانات سومو فان معدل سعر تصدير النفط خلال العام الماضي كان بحدود 78.95 دولار للبرميل. هذا يعني احقية وقانونية حصول المحافظات المنتجة على 2.684 دولار (او 3489 دينار) عن كل برميل تم تصديره خلال العام الماضي؛ وهذا اجحاف مالي اضافي قدره 4.3 ترليون دينار، مما يزيد مبلغ الاجحاف المالي بحقوق المحافظات المنتجة الى 9.4 ترليون دينار.
يصنف قانون الموازنة مخصصات البترودولار ضمن النفقات الاستثمارية، ولكن القانون ذاته يسمح باستخدام ما لا يزيد على 50% من مخصصات البترودولار لأغراض غير استثمارية، كالعلاج خارج العراق، و تنظيف المحافظة، و استيراد الطاقة، و استخدامها كنفقات جارية. هذه الاستثناءات تقلل من الناحية الفعلية تخصيصات ونفقات الموازنة الاستثمارية التي يجب اخذها بنظر الاعتبار عند تقييم النفقات الاستثمارية سواء على مستوى التخطيط او التنفيذ.
سابعا: ضرورة اصدار البيان الرسمي التوضيحي
على الرغم من ان ما تضمنه تقرير وزارة المالية من بيانات مهم جدا، ولكنه يبقى مجرد ارقام. وارى انه من الضروري والمفيد للغاية ان تقوم الوزارة بإعداد بيان تفسيري وتوضيحي ومقارن لمضامين التقرير لأنه يعكس النتائج المتحققة عن تنفيذ قانون الموازنة، مماثلا لمنهجية بيان الوزارة عن مشروع قانون الموازنة الصادر في شهر اذار 2023.(6)
ومع ذلك، أتمنى، على الأقل، ان تقوم وزارة المالية ببيان رايها وتوضيح الملاحظات التي تضمنتها مداخلتي هذه.
النرويج
2 آذار 2024
الهوامش
https://mof.gov.iq/Pages/MOFPublicReports.aspx (1)
مشروع قانون الموازنة العامة للسنوات 2023-2025: ملاحظات وتساؤلات ومقترحات (2)
https://akhbaar.org/home/2023/4/300651.html
صادرات العراق النفطية 2023- توقعات الموازنة العامة وواقع السوق النفطية (3)
http://www.tellskuf.com/index.php/mq/113219-gf07.html
https://www.sahat-altahreer.com/author/62/
https://alsaalek.de/wp-content/uploads/2024/02/SALIK-Nr.71-15.02.2024.pdf
قانون رقم (13) لسنة 2023، الوقائع العراقية عدد 4726 في 26 حزيران 2023 (4)
(5)Iraq Oil Exports 2023 – Budget vs. Realities
بيان الموازنة الاتحادية لسنة 2023، طيف سامي محمد، وزير المالية الاتحادي، اذار 2023 (6)