في تتبع الحالة التي أنتجت مثقفين في بلد لايشكل متعلموه إلاّ
نسبة ضئيلة من السكان كما كان عليه العراق نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ،تصبح فعالية هؤلاء محصورة في مجال ضيق ،ولكن مساحة فعلهم تتسع لتشمل ميادين صناعة الأدب والفن الى بناء المؤسسات والقيم الجديدة / ص55
(*)
أرى في هذه الوحدة السردية الصغري، خلية موقوتة في غاية الخصوبة،فيها يتجسد الدرس السيسولوجي العميق الراصد للتحولات الثقافية لعراق نهاية قرن وبداية قرن آخروستتحول هذه الخلية الموقوته خيمة معرفية على مدى(455 صفحة )..وسيكون لها تسعة أوتاد مفصلية..
(*)
في (تمثلات النهضة..) تستعمل الباحثة العراقية فاطمة المحسن حنينها الى (أول منزل)،أستعمالا معرفيا،وهكذا تنجو من مفهوم (تثبيتات السعادة ) الذي أشار اليه باشالار في كتابه(شعرية المكان)..وهنا التساؤل هل(المكوث في الخارج ..يحمي فعل الكتابة من ذات الفنان…وذوات لايستطيع التماهي معها بل يجد نفسه بأستمرار في حالة غربة أوفي سؤال مقلق عن وجوه الاختلاف والتنافر /ص114)(2)..وهل هذا الدرس السيسولوجي ..هو فقط فاعلية رصد لتحولات عراقية بين قرنين ؟كما تعلن المؤلفة في السطر الاول من مقدمة كتابها: (هذا الكتاب هو قراءة في التحولات الثقافية التي شهدها العراق نهاية القرن التاسع وبداية القرن العشرين،ومحاولة للبحث في مقدمات ونشوء النهضة قبل وبعد هذا الوقت /ص7 ) وأي صيرورة حولت غياب الجغرافيا نسقا ثلاثيا مرآويا.. تشقق منه مثنوي اتصالي :(وكل مكان أحل فيه ، غدا الأدب والثقافة والتاريخ جزءا من هذا الإحلال والإبدال .مهمة تشابه الوقوف أمام مرآة الزمن والبحث عن تلك التضاعيف التي تخفي الباب المفضي الى طريق العودة )..ألاّ تحتوي الكتابة في سيرورتها ،تعويذة سحرية،مزدوجة الفاعلية؟ أختزال/ اختراق
لجهامة الجغرافيا وشروطها الواخزة..بالأدب نقشر الزنجار
عن اليوتوبيا،.و نحصل على وطن بنكهة أليفة ..ونديم كرنفالنا بالحياة، حتى ونحن نوقد شمعاتنا في الشاطىء الثاني من الوجود..فالغراب لايحذفنا من الحمامة ..لأن اللسان وهو ثابت في الفم، سوف يتدفق في رعشة الاصابع المتفكرة وهكذا ربما يكون تكلّم النص..من هناك الى هنا .. وحسب الباحثة(الأدب كما هيىء إلي ،هو التخفف من عبء المكان ،فعندما تكتب تكون في كل الأماكن ،بما فيه مكانك الضائع،فالكتابة هي الحيز الذي لايطردك منه سوى الموت /ص7) وشخصيا ارى ان الكتابة تقهر الموت نفسه، وستحصل الكتابة على حيوات أضافية من خلال تحريك سيرورتها عبر اعادة انتاجها في أفعال سرد المتلقي….
(*)
هذا الدرس السيسيولوجي،المنكتب تمثلات نهضوية ثقافية حداثية
ضمن (الوجود القلق لفكرة الوطن/ص7) ألا يمكن أعتباره ردة فعل معرفية، أو محاولة صيانة الذاكرة العراقية من رمد الرؤية
بسبب تشتتها..من هنا يأتي دور الباحثة في تفعيل أتصالية تنضيد
معرفي من طراز خاص فهو تنضيد مفلتر معرفيا وفق قراءتها
للمجهود العراقي الساعي.. الى(إشاعة ثقافة الوعي..لتتقدم نحو خطوة إزالة الأستيحاش بين أطراف العراق الممتد قوميات وطوائف وأديانا…/ص373)..
(*)
في نقده للخطاب العربي الراهن ،يركز المفكر سمير أمين على
(إظهار التباس المفاهيم المستخدمة في الخطابات السائدة مصريا وعربيا وعالميا /ص7) وينفي أمين البراءة والموضوعية والحيادية من المصطلحات الأجتماعية – ص141 (3)،أذن كل مصطلح أجتماعي يومىء لأيدلوجيته ،فمفردة أضطهاد تنتسب للفكر الماركسي..ومفردة : مظلومية تنسب للفكر الشيعي..ومفردة رافضة تنسب للفكر السني المتشدد كما ان مفهوم (مجتمع مدني) ينتسب لأيدلوجية التوافق الامريكية…وحين يذكر الملك فيصل الاول في خطاب العرش 1921 مفهوم (الأمة العراقية).فهو.يحدث انزياحا دلاليا ،لمفردة (الأمة) بنقلها من حقلها الروحي ،المتداول أسلاميا الى حقل واقعي جديد،فقد أستعمل من أنتج للملك خطاب العرش..(المستوى الرمزي لأنتاج المعنى المفضي الى تحديد الهوية،حسب أحد تعريفات الثقافة/ ص25)
وفي عام 1923 يثبت في كتابه محمد مهدي البصير( تأريخ القضية العراقية) مصطلح (الأمة العراقية) على نحو متواتر..
والمؤلف من قادة ثورة العشرين ،ورغم ان البصير لم يستعن بالنظريات الحديثة في قراءة الاحداث ،غير ان النزعة الليبرالية الموضوعية..تدفع الى الاعنقاد بأن الكاتب قد تجاوز المنهج المثالي في الدرس التاريخي كما ترى الباحثة / ص160..ومن جانب آخر.
لم يكن في وارد المثقفين تحديد مفهوم واضح عن (الأمة العراقية)
لكن انبثاق الوعي بالتاريخ العراقي المعاصروبأهمية الحدث القريب والثورات والانتفاضات التي سبقت تأسيس الدولة ورافقته
يحمل في منطوياته مشروعا حديثا يعتمد تكوين صورة عن العراق ككيان موّحد/ ص160
(*)
سينتقل مفهوم( النهضة) من حقله الادبي والفكري المحصور بين نصوص الكتّاب ووجدانهم واجتهاداتهم الى الحقل السياسي وخطابه الذي يرتبط بالثورة/ ص27…وهناك من يمارس قسرا معرفيا مع المفهمة كما فعل محمد بهجت الأثري،في تأليفه..(محمود شكري الآلوسي وآراؤه اللغوية/ إصدار جامعة الدول العربية/ القاهرة/ 1959)،فقد جعل صناعة الثقافة تعني الثقافة الاسلامية وأستثنى الشعراء والناثرين في تلك المرحلة من غير من رجال الدين أو الذين لم تكن ثقافتهم أسلامية ووضع الموظفين والضباط في مقدمة منتجي الثقافة الجديدة ؟!وهي ثقافة كما يقول مغتربة عن العراق العربي وتعتمد على اللغة التركية أما رجال الدين فيمثلون ثقافة أسلامية محافظة – ص58..على ضوء أطروحات الأثري ،ترى الباحثة فاطمة المحسن ..ان الأثري
(يصف الجانبين من خلال مصطلح لم يكن متداولا في الزمن الذي يكتب عنه(تقصد الباحثة زمن محمود شكري الآلوسي(1857-1924)..) .. اذن على مرويات الأثري تتشكل (قراءة تحدد اتجاهات لما ينبغي أن تكون الثقافة أو لاتكونه وهي تعني قبل كل شيء إعادة تعريف النهضة في سياق تحديد مفهوم المثقف /ص59)..انه تنضيد تشدد أصولي يفعّله الأثري لحقل الثقافة ..وشتان بين من يرى الحدث ويشارك فيه حد المكابدة ،وبين من يأتي بعد فاصلة زمنية ويكتبه دون مرونة ،ويصادر تجربة الاول وهنا تعقد الباحثة المحسن مقارنة بين محمود أحمد السيد وبهجة الأثري
(إن السيد وهو يدون مروية الثقافة يكتب تاريخا كما رآه في العام 1922،في حين يسجل الأثري التاريخ الواقعي نفسه ولكن في العام
1958،وهكذا يكون بمقدور محمد بهجت الأثري إعادة تركيب وترتيب النماذج الثقافية الفاعلة ،كي تناسب كل المسيرة التي قطعها هو،وبهذا أستطاع استعادتها من السيد الذي كان قد أعتزل الكتابة في الثلاثينات ومات في 1937/ص63)
من هنا تكون لفاعلية المفهمة دورها النشط في (تمثلات النهضة..)
وحسب قول الباحثة..(حاولت ضمن هذا المسعى،الأقتراب من بنية هذا الشكل في مقولة النهضة،لاصيغتها النهائية،فهي مشروع يحمل من التنوع ما يؤهله جميع صيغ الأزمة التي تتقاطع عند تخومه: ماضيه وحاضره ومستقبله /ص8)
(*)
مفردة (النهضة)كمفهوم ،تقودني الى ثريا كتاب يشتغل على الفضاء ذاته،أعني (النهضة والسقوط في الفكر المصري الحديث)للناقد الدكتور غالي شكري (4).والكتاب كما يؤكد العنوان الفرعي له: (دراسة نقدية مقارنة بين عصريّ محمد علي وجمال عبد الناصر) ويعلن غالي (هذا العمل هو محاولة الكشف عن أبعاد الظاهرة الجدلية في تاريخ الفكر العربي الحديث – من داخل زمان اجتماعي ومكان تاريخي وعينة نموذجية – ظاهرة النهضة والسقوط/ ص12) أما هدف الكتاب فهو كما يؤكد غالي(أما الهدف فهو أستخلاص القوانين الاجتماعية – الثقافية المضمرة في ظاهرة النهضة والسقوط ، فالوعي بهذه القوانين قد يساعد العقل العربي على ابتداع مقولات جديدة من شأنها تثوير النهضة وأستمرارها..)
(*)
تعلن الباحثة المحسن في السطر الاول من الصفحة الاولى
(هذا الكتاب هو قراءة في التحولات الثقافية التي شهدها العراق نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ،ومحاولة للبحث في مقدمات ونشوء النهضة قبل وبعد هذا الوقت / ص7)..هنا سوف أقرأ مفهوم النهضة من خلال ما طرحه المفكر الشهيد مهدي عامل (5)الذي يرى ان البرجوازية الكولونيالية في العالم العربي هي التي أستخد مت هذا المفهوم أي مفهوم(النهضة) لتدل على حركة فكرية ظهرت ،بشكل عام في النصف الاول من القرن التاسع عشر،أي في الشروط التاريخية نفسها التي بدأت فيها عملية تكّون تلك الطبقة المسيطرة،والحركة هذه هي حركة فكرها بالذات التي أرادت لها ان تكون مماثلة لما كانت عليه حركة فكر البرجوازية الاوربية في بدء نهضتها في القرن السادس عشر،أذن هي ولادة فكر البرجوازية الاوربية الناهضة وهي الولادة الجديدة للفكر بولادة فكر البرجوازية نفسه،ومن باب التماثل فالنهضة العربية في العالم العربي هي أذن ولادة فكر البرجوازية الكولونيالية!!والتساؤل هنا من انتاج مهدي عامل :هل كانت ولادة فكر هذه الطبقة ولادة ثانية للفكر العربي،أي ولادة فكر عربي جديد؟ وكيف تمت هذه الولادة؟ ان الفكر البرجوازي الاوربي انوجد عبرالقطع المعرفيمع الفكر الاقطاعي الذي سبقه..على مستوى بنية المجتمع العربي فكلمة نهضة لاتوحي بما توحي به كلمة (الولادة الجديدة) التي هي جديدة لأنها ولادة شيء جديد .وكلمة الايحاء هنا تعني ان النهضة كمفهوم حسب مهدي عامل يوحي بما فيه وبما تضمنه.أي ان المفهوم يدل بهذا الايحاء منه على مايحمله من واقع ينقله اليه في تكوّنه كمفهوم.وفي مفهوم النهضة ليست ولادة شيء جديد بل نهضة الشيء نفسه الذي عليه ان ينهض من ركوده أوخموده هو فيه أو هي النهضة بالشيء هذا، بمعنى ان شيئا آخر عليه ان ينهض به، وهذا هو بالضبط، ماحصل في نهضة البرجوازية الكولونيالية بالفكر العربي- ص166-167..
(*)
تأسيسا على ما أقتبسنا من مهدي عامل..ان مفهوم النهضة لدينا يختلف في محتواه عن مفهوم النهضة الاوربية،فلدينا ضمن البنية الاجتماعية،لم يحدث قطع معرفي طبقي، بل تعايشت الطبقتان معنا حتى ثورة 14 تموز
1958،وكذلك على المستوى الثقافي،فهناك الثقافة المحافظة التي لايمكن التقليل من شأنها،كما فعلت الباحثة في قولها..(قوة المطاولة التي تملكها الثقافة المحافظة في العراق لاتعني استمرار فاعليتها المؤثرة/ ص63)..كما ان المثقف المتمرد الخارج عن نسق الاجماع القديم (لم يكن هذا المثقف بعيد عهد بالثقافة التقليدية…فكان بناة الثقافة العراقية على صلة بمنحدراتهم الدينية…
وكانت النهضة الادبية والفكرية في العالم العربي والأسلامي عموما نتاج الإصلاح الديني /ص9)
وكل شيء كان معيوشته ضمن قنونة وحدة وصراع الاضداد، الأقطا ع والبرجوازية،الاصلاح الديني والتمرد على الدين،ثورة العشرين ووقوف الشاعر الزهاوي ضد الثورة وتجاهل الشاعر علي الشرقي لها؟/ ص24…الماركسي الأول في العراق حسين الرحال وضديده المنظّر العروبي ساطع الحصري- ص158
.والد محمود أحمد السيد ،يمنح غرفة في الجامع الذي كان إمامه،لولده القاص والروائي محمود أحمد السيد،لتصبح ملتقى أصدقائه،ولتتحول لاحقا مكانا ينتظم فيه أول تجمع ماركسي في العراق- ص429…..
(*)
رغم المد اليساري الذي أمتلك الشارع والشاعر
بدءا من الحلقات الماركسية بزعامة المثقف حسين الرحال
الذي يجيد ست لغات والأديب محمود أحمد السيد الماركسي والداعي الى تحرير المجتمع والمرأة وهناك مصطفى علي وعوني بكر صدقي وعبدالله جدوع ومحمد سليم وابراهيم القزاز وكمال صالح وفاضل محمد البياتي ميخائيل تيسي،صاحب مجلة( كناس الشوارع/ 1926) وكان تيسي يجيد الفرنسية ويحسن الانكليزية..
وما ان تصدر صحيفة (الصحيفة) في 1924 والتي هي بحق أول صحيفة ماركسية عراقية ،فأنها سوف تغلق في 1925 (وهذا يشير الى ماشكلته أفكارهم من تجاوز على قانون التعاقد الرمزي بين اللبرالية الجديدة التي تمثلها الدولة والصحافة التي انتشرت في عهدها/ ص157) لكن الرحال وحلقاته الماركسية، سيتعاون معهم
ميخائيل تيسي (ليصدرا معا جريدة عنوانها سينما الحياة في العام 1926ص159)…
(*)
نعود مرة أخرى مقترضين من الباحثة فاطمة المحسن سؤالها وأجابتها لتأكيد على صحة ماجاء في مقتبسنا من المفكر الشهيد مهدي عامل..(ولكن لماذا أختار العرب مصطلح نهضة ،لوصف حركة التحديث في الفكر والأدب العربيين وفي تواتر لانجده في استخدامهم كلمات أخرى مثل(تنوير)؟ أليس في أختيارهم مايشير الى اعتقاد بأن نهضتهم تشبه نهضة الغربيين من حيث طابعها؟ الأرجح ان البعد الميثولوجي لمعنى المفردة، أي فكرة الانبعاث او احياء أو أعادة الإحياء،وكل تلك المسميات ارتبط
بحركة الاصلاح الاسلامي،التي دعت الى بعث الدين الصحيح والعودة الى الاصول الاولى،ثم تبعها من سمّوا بالشعراء الاحيائيين
(النهضويين) بالترافق مع شيوع فكرة القومية العربية وانبعاث أمجادها، كأيدلوجيا للأنفصال عن الامبراطورية العثمانية ثم أعقبتها فكرة الامة الوطنية او الاقليمية ..كالفرعونية والفينيقية وحضارة مابين النهرين…/ص16)
(*)
أرى ان الدرس السيسولوجي يفعل اتصالية: الكثرة من خلال الواحد في تفرده المعرفي والباحثة تعلن ذلك في قولها(أبحث في صورة الفرد عن مجموعة ثقافية،فالنموذج الثقافي يمنحنا فرصة معاينة التفصيل في مايخفيه الاطار العام للمكان، بمافيه تاريخه الادبي والفكري المدون…/ص) بدوري كقارىء منتج سأجعل ماتبقى من قراءتي لعينة من النماذج المعرفية
(*)
*تميزات المعالجة العراقية لخصوصية السؤال الديني..
لايكون التمييز ألاّ..بالمقارنة، وهنا تورد الباحثة جهدا معرفيا..في حقل الاصلاح الديني،يتمثل الجهد بنتاج الشيخ علي عبد الرازق في(الإسلام وأصول الحكم) الصادر عام 1925..وشخصيا قرأت الكتاب في أوائل سبعينيات القرن الماضي بمقدمة وضعها الباحث الدكتورمحمد عمارة…ترى الباحثة من خلال جهد عبد الرازق ان رجال الاصلاح الديني لم يحاولوا نتاج قراءة محتوى النص قراءة علمية..(تفضي الى سؤال أوسع في ميدان معرفة الحقيقة من الخيال فيه /ص393)..ثم تشخصن التمييز العراقي من خلال جهد الشاعر معروف الرصافي في كتابه (الشخصية المحمدية)..
*أولا من ناحية الأجراء المعرفي..فهو يقوض مايستعمله من الخزين الثقافي التقليدي، وحسب الباحثة..(لانبالغ إن قلنا إن الرصافي،في مفارقة استخدامه الثقافة التقليدية في تقويض متعارفاتها،وصلت به الشجاعة حدا، تفوق فيه على شيوخ الاسلام النهضويين في محاولتهم ردم الفجوة بين العقل والنقل في الثقافة الاسلامية/ ص388-289)..ومراحل استحالات الرصافي السلوكية
(لاتنحصر فقط بمثليته وتصعلكه/ص382) وتعددية الانتماءات القومية التي كانت تتجاذبه(عثماني الهوى وعراقي التطلع والتعصب وهو كردي وثقافته عربية )..وانتاجيا بدء بالشعر ،ثم صار من أكبر شعراء العراق ولم يكتف بذلك فقد صارت (كتاباته خلاصة ماتضمنته النهضة من عناصر نجاح وإخفاق/373)
وقد رافق كل ذلك مايسمى بسيكلوجية الزي وشخصيا ارى ان الرصافي كان يفعّل اتصالية بين الشخصي والتبيئ..في حين أمين
الريحاني فاعلية سيمولوجية وحسب الريحاني( فصاحب العمامة الذي يقصد اسطنبول،غير الرصافي صاحب البدلة الافرنجية والطربوش التركي،والشاعر العربي غيره السياسي العثماني/373)..ان الزي هنا يتماهى مع البيئة التي كان يقصدها الرصافي..وهكذا سنرى من خلال الباحثة ان الرصافي تجاذب بين
(حدود الإلزام وقدرة التفاعل الثقافي على تجاوزه فالرصافي يتفاعل مع فكرة الحرية على نحو يدرك من خلالها حاجاته الخاصة /ص382)..نلاحظ ان التقاطعات التي كابدها الرصافي ربما يمكن تشخيصها في التضاد بين الذاتي/ الموضوعي ..بين شروط الحياة اليومية المتبنية في تخلف مزدوج وبين ما يفتقر اليه الرصافي من عوامل الاستقواء التي كانت سائدة في حقبته بشكل كثيف..
وهكذا توزع الرصافي بين..(توق الى الاندماج في السوية الاجتماعية والتمرد عليها/ ص381).. وكيف يكون الاندماج والرصافي..مسلوب الشروط..؟! من هذا الاستلاب تشقق التعارض
(بين مايريده الناس ومايريده هو لنفسه،وهو الكردي الأب الذي نشأ في بيئة يقوم أساس ثقافتها على مبدأ المفاخرة بالعرب / ص381)..ذكرت الباحثة ثلاث..ثلاث سردانيات للمفكر معروف الرصافي وهي..(الشخصية المحمدية) و(الرسالة العراقية )الذي وضعه في الفلوجة عام 1940 و(رسائل التعليقات) الصادر بعد عقد من صدور الشخصية المحمدية ،و كتاب (الشخصية المحمدية)
الذي بدأ كتابته في 1933،وتداوله عدد محدود من المثقفين كما يشير مصطفى علي كاتب سيرته/ ص384 المحسن، وفي عام 2002 انتشرت طبعة دار الجمل ..بالنسبة لي انا كاتب السطور
وصلتنا نسخ دار الجمل بعد سقوط الفاشية،فأشتريتُ نسخة اسوة بسواي..لكن الباحثة ربما لعدم حصولها على كتاب (الآلة والأداة/ ومايتبعهما من الملابس والمرافق والهنات )(6) لم تورده ضمن سردانيات الرصافي والكتاب من تحقيق وتعليق (عبد الحميد الرشودي)،أصدرت الكتاب(وزارة الثقافة والأعلام –الجمهورية العراقية) سلسلة المعاجم والفهارس (31)/ 1980والكتاب من الحجم الكبير (516ص) كتب الرصافي مقدمة الكتاب في
(قسطنطينية.9ربيع الآخر 1337/ 1918)..وقد اعتمد المحقق الفاضل الاستاذ عبد الحميد الرشودي،على النسخة التي كانت لدى الاستاذ الفاضل مصطفى علي في (ص489) نقرأ(رأي الدكتور السامرائي في كتاب (الآلة والأداة):
(هذا معجم في الآلة والاداة ،وهو جهد كبير قام بتصنيفه الاستاذ معروف الرصافي .ومن غير شك ان هذا العمل يكشف صفحات من تاريخ العربية وكيف تحولت في مسيرتها الحضارية من الاصول البدوية الى نمط الاستقرار في البيئة والعيش في الحواضر.ومن هنا يلمح المؤرخ نشوء مايسمى ب( المصطلح الفني) وكيف توفر ذلك في العربية منذ أقدم عصورها/ ص489)
ولايكتفي الدكتور ابراهيم السامرائي، بل يسهم بأضافة معرفية وجيز لهذا الجهد الذي بذله الرصافي…(وقد وجدت ان من المفيد ان اضيف ماتهيأ على عجل من المواد التي لم اجدها في هذا السفر النفيس/ ص498)وسيكون ما يضيفه السامرائي تحت باب (المستدرك) من (ص505 الى ص512)..ويذكر السيد المحقق الرشودي كتبا غير ذلك للرصافي منها: (دفع الهجنة في ارتضاخ اللكنة) ضمنه كما يذكر الرشود مافي اللسان العثماني من الفاظ عربية. كما وضع كتاب (دفع المراق في كلام أهل العراق) وكذلك ألف كتاب (الأدب العربي ومميزات اللغة العربية في ادوارها المختلفة الادبية)والقى محاضرات عديدة منها(جمودنا في اللغة)وستنشر هذه المحاضرات في المجلد العاشر من مجلة المجمع العلمي العراقي 1962..ومحاضرته حول التدريسات العربية التي حاضر بها معلمي البصرة سنة 1926 والتي أكد في مستهلها صلاحية اللغة العربية لأن تكون لغة للتدريس وتقديرا لجهوده في صيانة اللغة العربية قرر المجمع العلمي العربي بدمشق في 4/حزيران سنة 1923 انتخابه عضوا مراسلا له..
*رفائيل بطي..
يهمني كقارىء والباحثة تتناول الشخصية الاعلامية (رفائيل بطي)
اشتغالها على التضاد بين الذاتي والموضوعي ،في تلك الحقبة من لحظتنا العراقية الثقافية، هذا التضاد الذي علق التعالي النخبوي تعليقا فينومينولوجيا، فاللحظة العراقية كانت بين قوسي الاجتماعي / السياسي وحسب قولها (كانت الثقافة شديدة الصلة بالحراك الاجتماعي والسياسي/ ص416) هذي الاتصالية بين التراتبيات الثلاث: ثقافي/ اجتماعي/ سياسي..هي التي حالت عن ذلك..
(لم يكن بمقدور الثقافة العراقية التي يمثلها بطي الاقتراب من فكرة نخبوية المثقف وعزلته وحتى تفوقه /ص416)..ثم سرعان ماتتوسع الباحثة في توسيع فهم أعاقة هذه السيرورة النخبوية ..
(في المكون الثقافي لايمكن عزل الافراد كبنى رمزية مستقلة أو ككائنات تستمد إلهامها من منابع خفية،فهم يتحركون ضمن عالم متجاذب من التصورات والمعتقدات والأنماط التي تحددها ث
قافة بعينها،ولكن الفرد الفاعل في زمن التحولات يستطيع أن يختط له نهجا على مستوى تحديد الأولويات والأهداف/ ص421)
ولم يكن الفاعل الاعلامي المتعارف عليه هو المهيمن في مشغل بطي..فهو من القلائل الذين جعلوا الادب والاعلام في ضفيرة واحدة،وتجسد ذلك في مجلته الحرية /1924 وهي(أول مجلة عراقية مكرسة للأدب وتميزت باهتمام غير مسبوق بالأدب الغربي،الشعري منه،كما كانت عاملا حرا ونافعا في خدمة هذه النهضة /ص417)..
*بداية ثانية
لم تنتهِ أفكار حسين الرحال ورفاقه الى النسيان..بقيت تمثلات تلك الافكار شاخصة عبر قصص محمود أحمد السيد ومقالاته التي تناقلتها الاجيال بحكم ريادته في ميدان فني جديد،وغدت شخصية حسين الرحّال ،بفضل تلك القصص،يماهيها السيد بشخصيته عبر روايته الأكثر شهرة
(جلال خالد) – ص159
————————-
*ثبت
(1) فاطمة المحسن/ تمثلات النهضة في ثقافة العراق الحديث/ دار الجمل/ بغداد/ ط1/ 2010
(2)فاطمة المحسن / سعدي يوسف –النبرة الخافتة في الشعر العربي الحديث / دار المدى/ دمشق/ ط1/ 200
(3) سمير أمين /في نقد الخطاب العربي/ دار العين للنشر/ القاهرة/ ط1/ 2010
(4) غالي شكري/ النهضة والسقوط في الفكر المصري الحديث/ دار الطليعة/ بيروت / ط2/ شباط 1982
(5) مهدي عامل/ أزمة الحضارة العربية أم أزمة البرجوازيات العربية/ دار الفارابي/ بيروت/ ط1
(6) معروف الرصافي / الآلة والأداة / تحقيق وتعليق عبد الحميد الرشودي/ بغداد/ وزارة الثقافة والأعلام/ ط1/ 1980