عند محاولتي مناقشة هذا الموضوع مع نفسي استوقفتني امور كثيرة وحقائق متعددة لان الغوص في تفكير انسان معين او مجموعة بذاتها يحتاج منا فترة طويلة للمعايشة والاستقراء والمتبعة الدقيقة لكل حركات وتوجهات واعمل المطلوب تحليله ,والانسان العراقي كما هو عهدنا به وكما يقول التاريخ انه اول من كتب واوجد الحرف وتعلم الناس منه ونشات الحضارات نتيجة لذلك ,وهذا الانسان ونحن نبحث عنه وعن تطوره الفكري يحيرنا امره خصوصا مع اشتداد الازمات عليه ,ففي دراسة للكلتب مجيد سلمان يقول ان العراق مر خلال خمسين قرنا من الزمان بما يقرب من عشرين حربا مدمرة لاتبقي من اهله احدا الا ماندر وهذا ليس دليلا على انه يحب العنف ولكن انه يتعرض للعنف شاء ام ابى بسبب هبة الله تعالى عليه من خيرات وفيرة واراضي واسعة وموقع في قلب العالم القديم والجديد لذلك كله دفع الكثير من التضحيات والالام وخسر الكثير ,وفي العراق الحديث اي منذ 1921 ولحد الان نرى متغيرات كثيرة طرات عليه بفعل الواقع السياسي ومن حكموه وهنا الاشارة المهمة في الموضوع ان العراق وشعبه سار وفق مارسم له من الجهات المستفيدة منه وقد تعرض الشعب العراقي لحملات فكرية وتعبئة بعيدة عن مايعرف عنه فمثلا الفكر القومي المتعصب الذي ثقف عليه الشعب ولايزال بمعنى انه لايخرج من عباءته القومية برغم المتغيرات الحاصلة في المنطقة والتي تناى بنفسها عن كل شيء يهتم بالقومية وهو بهذا لايزال يقبع تحت مفهوم انه عربي فقط وليس هو شعب عراقي او امة لوحده وهذ المفهوم لايزال يكلف الشعب الكثير من طاقاته ومن امكاناته البشرية والاقتصادية وبلا مردود اللهم الا الضحك عليه وجعله اداة بيد المطبلين للقومية والذين اثبتت الوقائع انهم الد اعداء القومية بل اتخذوها شعارا ليستدرجوا بها العرب وينعموا هم بخيراتهم وما تجربتنا مع الاحزاب الشمولية الا دليلا حيا على مااقول وحزب البعث البائد عمل جاهدا وفق هذا المفهوم ولايزال يعمل مستفيدا من غفلة الناس وقلة وعيهم وعمل على زرع الخوف في قلوب اتباعه من اي جهة خارجية حتى لو كانت محبة للسلام والمودة فزرعه الخوف هو برنامجه الذي اقتات عليه فترة من الزمن ولازال البعض يطبل لمفاهميه برغم الالام والماسي التي عانينا منها نتيجة هذا الفك ر المتطرف ,فشاشات التلفزيون مليئة اليوم بمن ينادي بالعروبة ويذوب فيها بين احتمالي الجهل او التنشئة الفكرية ومع الاسف انطلت الحيلة او اللعبة على عامة الناس وهذا ليس بغريب اذا ما تفحصنا الظروف الموضوعية التي يمر بها الشعب فغياب مستمر ومزمن للتوجه الفكري السليم وابتعاد المؤسسة الثقافية عن اداء دورها في تثقيف الشعب على العناية والاهتمام بنفسه وايجاد شخصيته الوطنية مع اقامة وادامة العلاقات مع الجيران سواء من العرب اوغيرهم وفق توازن وضوابط اضف الى ذلك طول فترة الاستعمار العسكري الذي مر به العراق منذ الدولة العثمانية وما بعد الحربين العالميتين كذلك طول فترة التسلط القسري للسلطة العسكرية التي حكمت العراق منذ 1958 ولغاية 2003وهي فترة عمقت مفهوم التوجه القومي المبني في احيان كثيرة على العنصرية والشوفينية ,وقد حاول البعض من مفكرينا ومثقفينا التصدي لهذا التوجه واعادة الامور الفكرية الى نصابها ولكنهم فشلوا نتيجة الاعتقالات والاعدامات التي طالتهم واليوم هناك توجه آخر يطال الفكر العراقي ويدفعه للابتعاد اكثر عن واقعيته الا وهو التوجه الديني المتطرف الذي يريد ربط العراق بمنظومة فكرية متشددة لاتؤمن بتعدد الافكار وتنوعها بل تلغي كل ما لايؤمن بها وهذا لعمري اخطر انواع الفكر المدمر والذي اذا استمر فسيلغي بحسب وجوده كل الافكار الاخرى وسيتسبب بقطع الصلات والعلاقات مع كل المجتمعات والديانا الموجودة على سطح الارض وسيعود بنا الى عصر الانغلاق والظلام وسنصبح عندها كالوحوش لانرضى بالمشاركة في طعامنا .
ان المعالجات كثيرة وموجودة ولكنها تحتاج منا العمل الدؤوب المستمر لايصال الفكر الاسلامي المتحرر والذي يحتوي كل الافكار الاخرى بلا تحجيم ولا اساءة والامثلة في التاريخ كثيرة فكم من معاند اسلم على يد المسلمين الاوائل الذين شربوا الفكر الاسلامي وتعمقوا به والامام علي ابن ابي طالب (عليه السلام )اروع مثال فكم من مفكري اليهود والمسيح اسلموا بعد ان اقتنعوا بالاسلام وفكره ,اذن الروح الفكرية هي خير دافع لانقاذنا من هذا الوهم والتعصب وهذه الروح هي عنوان ديننا الحنيف .
ان الوقت طويل والعلاج يسير فمع طول فترة التضليل نحتاج لفترة ليست بالقصيرة للوصول الى عقل عراقي يعتمد التفكير والتشخيص والتدقيق ليبحث عن دربه ويختاره بالصورة الصحيحة وينعم بنتائج هذا الاختيار .