استنادا لأحكام المادة 73 فقرة (ثالثا) من الدستور صادق رئيس الجمهورية على قانون الأحزاب السياسية يوم 19 أيلول 2015 ، وسيحمل القانون رقم 36 لسنة 2015 وسينفذ بعد 60 يوما من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية ، كما انه سيحل بدلاً من أمر سلطة الائتلاف المؤقتة المنحلة (قانون الاحزاب او التنظيمات السياسية والهيئات السياسية) رقم (97) لسنة 2004 الذ أُلغي بموجب هذا القانون.
القانون مهم جدا بالنسبة للبلد وقد تاخر تشريعه لأكثر من عقد من الزمن ، ولكنه ظهر ومواده تحمل العديد من الثغرات و المخاطر التي سوف تظهر لدى التطبيق ، أوجزها بالآتي:
1- إن أهم وأخطر ما تضمنه القانون الجديد هي مبادئ جديدة في تأسيس الأحزاب أهمها تأسيس دائرة الأحزاب التي ترتبط بمجلس المفوضين في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات. والجميع يعلم ان سلطة المفوضية في تسوية واعلان نتائج الانتخابات الأخيرة كان مطعون بها من جميع الأحزاب السياسية تقريبا ، فكيف تُعطى صلاحية أخرى اكثر أهمية وهي تسجيل وقبول تاسيس وإجازة الأحزاب ، بل والتوصية باستبعادها وإلغاء تسجيلها ومعاقبتها ، وشواهد استبعاد المفوضية لمرشحين في أحزاب متعددة في الانتخابات الماضية دون مبررات مقنعة ، سوى التوجهات السياسية المعادية لهم ، وغض النظر من جهة أخرى عن آخرين ثبتت ضدهم خروقات تستدعي معاقبتهم او استبعادهم ، لم تزل لم تنسى بعد.
إن اغلب دول العالم تُنيط ارتباط لجنة او هيئة الأحزاب الى جهات قضائية ، لأنها ترى فيها أكثر عدالة ومصداقية . لذا فان اناطة مهمتين بالغتي الأهمية ، وهما تنظيم الانتخابات للأحزاب السياسية وإعلان نتائجها ، كذلك تسجيل هذه الأحزاب وقبول تاسيسها وإجازتها والتوصية باستبعادها وإلغاء قبولها أو معاقبتها أو تغريمهما لجهة واحدة تعتبر مسيسة من وجهة نظر اغلب الأحزاب والجمهور في العراق ، يحمل مخاطر كبيرة تجعل من الأحزاب فريسة وصيداَ سهلاَ في الانتقام منها ، لاسيما من قبل الأحزاب الكبيرة المسيطرة على مفوضية الانتخابات . وعلى سبيل المثال فان الفقرة (2) من المادة -5- التي تنص على : ” لا يجوز تأسيس الحزب او التنظيم السياسي على أساس العنصرية أو الإرهاب أو التكفير أو التعصب الطائفي أو العرقي”. هي ذات مضمون مرن ومطاط يمكن استخدامه ضد الخصوم بكل سهولة من أجل إستبعادهم أو معاقبتهم على الأقل.
2- نص القانون على : ” أن تختص الهيئة القضائية المختصة بالبت بكل ما يتعلق بشؤون الأحزاب والتنظيمات السياسية ” . وهذا النص غير متوافق تماماً مع ضمان حيادية وعدالة تسجيل وقبول إجازة الأحزاب السياسية ، لأن هذه الهيئة شُكِلَت لأغراض البت في الطعون بنتائج الانتخابات البرلمانية فقط ولمدة قصيرة معينة تنقضي بانقضاء المصادقة على هذه النتائج ، كما جاء في قانون المفوضية العليا للانتخابات رقم 21 لسنة 2007 ، ولم تُشَكل هذه الهيئة في حينه لتقوم بالاعمال التي تتعلق بعمل الأحزاب السياسية الذي سيكون بشكل دائم وغير منقطع سواء قبل الانتخابات أو بعدها، لأن مهام الطعن في اصدار إجازة تاسيس الاحزاب ، أو رصد المخالفات الصادرة عن الاحزاب او التنظيمات السياسية والتحقيق فيها ، أوما يتعلق بمصادر التمويل ،أو ما ورد في المادة – 32- أولاً: 1 من القانون ، وفرض العقوبات الواردة في الفصل التاسع المتعلق بالأحكام الجزائية وغيرها ، هي وقائع ونشاطات مستمرة على مدار العام قد تحدث في أي وقت.
ونصت المادة 14/ أولاً من قانون الأحزاب، على : ” أن القرارات التي تصدرها محكمة الموضوع قابلة للطعن امام المحكمة الاتحادية العليا خلال (30) ثلاثين يوماً ابتداء من اليوم التالي للتبليغ بالقرار وفقا لاحكام قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 ” .
وهنا تظهر لنا ان دورة اخضاع نتائج الانتخابات هي ذاتها تتكرر في هذا القانون ، فبين طعن ضد قرارات المفوضية لدى الهيئة القضائية ، الى طعن في قرارات المحكمة الاتحادية التي هي ضمن جهاز القضاء الذي غالباً ما داهن السلطة التنفيذية وإئتمر بأوامرها وخضع لرغباتها ، سوف يعيدنا الى نفس المربع الأول الذي سيجعل من اغلب الأحزاب السياسية تصرخ بأعلى صوتها متذمرة من عدم الحيادية والاستقلالية والعدالة في إجازة الأحزاب او معاقبتها او الغاء قبولها.
3- تبنى القانون معايير تتعلق بمصادر تمويل الأحزاب ، وفقا للمادة 33/ رابعا من القانون : فقد نص على أن : ” الإعانات المالية تكون من الموازنة العامة للدولة بموجب المعايير الواردة في هذا القانون “. واعتبرتها مصدرا من مصادر تمويل الأحزاب.
ومنح مبلغاً سنويا اسماه ” اعانات الدولة المالية ” وهذا ما قررته المادة -44 – من القانون الجديد والتي نصت على أن تتولى دائرة الاحزاب او تنظيمات سياسية توزيع المبلغ الكلي للإعانة المالية على الاحزاب او التنظيمات السياسية وفقاً للنسب الآتية:
أولاً: ( 20 %) عشرون بالمائة بالتساوي على الاحزاب او التنظيمات السياسية المسجلة وفق أحكام هذا القانون.
ثانياً: (80 %) ثمانون بالمائة على الاحزاب او التنظيمات السياسية الممثلة في مجلس النواب وفقاً لعدد المقاعد التي حاز عليها مرشحوها في الانتخابات النيابية.
وهذه المنح المالية في ظل سياسة التقشف الاقتصادي سوف تثقل الموازنة المالية للدولة من جهة ، كما ستدعم الاحزاب الكبيرة التي هي ليست بحاجة الى أموال إضافية كونها تستأثر بالوزارات والمؤسسات التي تعود عليها بأموال طائلة من خلال لجانها الاقتصادية المُشكلة لهذا الغرض.كما لم يحدد القانون كيفية الكشف عن التمويل المالي للأحزاب وهل ستكشف عن مصادره وبخاصة الخارجية لمنع التدخل الخارجي في البلد.
الحل من وجهة نظرنا يكمن في تشكيل لجنة قضائية محايدة ثابته تختص بموضوع تسجيل واجازة الأحزاب ومراقبة عملها والطعن لدى لجنة أخرى محايدة أيضا تشكل من مجلس القضاء الأعلى بعد تطهيره من الفساد وإعادة عدالته وحياديته وهيبته اليه ، وبعكس ذلك فان الأحزاب السياسية التي وافقت على هذا القانون راغبة او مرغمة سوف تعاني كثيرا من جراء الاضرار التي سوف تلحق بها من جراء تطبيقه، كما ان الشعب هو ايضا لا يعلم مضامين هذا القانون الخفية ، وهو منشغل بعشرات من المشاكل والتحديات اليومية ، وكما هو الحال مع بقية القوانين التي لا يجري الاهتمام بها عند تشريعها ، ومنها هذا القانون ، سيكون عرضة للانتقادات والاعتراضات وقت تطبيقه أو ربما التظاهر ضده لتعديله ولكن بعد فوات الأوان ، ولات حين ندامة.