في وقت يرى مراقبون ان الزيارة التي يعتزم وزير الخارجية المصري سامح شكري القيام بها الى العراق ، قد تكون ( محاولة أولى ) من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لبدء دور مصري إقليمي جديد ، يسعى لأن يحاول قدر إمكانه إظهار ان مصر ما زال بإمكانها أن تعيد دورها العربي في المنطقة ، بعد ان ( تراجع ) هذا الدور لظروف مصر الداخلية التي مرت بها عقب سقوط نظام مبارك ومن بعده الرئيس محمود مرسي ، وربما تكون هذه ( المحاولة ) هي الأولى مع العراق، في وقت أعرب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن قلقه من تطورات الأوضاع في العراق ومن محاولات داعية الى تقسيمه، وأخرى تتعلق بمخاطر ( التشدد الإسلامي ) الذي يبدو ان السيسي يعبر عن قلقه منه ومن انعكاساته على دور مصر وأمنها الداخلي والقومي، وهي ( مخاوف ) حقيقية من ان يمتد الوضع في العراق الى مصر ، وبخاصة أن ازمة ( الأخوان المسلمين ) مع السيسي ما زالت مستمرة..وهنا نود ان نوضح جملة اعتبارات تتعلق بهذه ( المبادرة ) وما يتمناه العراقيون من دور لمصر يمكن أن تلعبه في هذا المجال:
1. أن أسباب المشكلة العراقية عميقة وقد طال أمدها، ومجيء ( داعش ) تطور جديد لم يكن على خارطة الوضع العراقي، وانما جاء نتيجة ( تراكمات ) ثقيلة الوطأة وممارسات وأساليب تعامل وتجاهل لمطالب عراقية ( مشروعة ) تعرف مصر أكثر من غيرها خلفياتها وهي كانت قد أسهمت من قبل في محاولة فك بعض عقدها ، قبل أكثر من خمس سنوات ، ولكن دون جدوى، وليس هناك من خطر على مصر من “داعش” وانما الخطر الذي يمثله الاخوان المسلمون في مصر على مسارات الرئيس المصري الجديد الذي يسعى جاهدا لعدم الاصطدام معهم مجددا ، أو لنقل ان هناك مسعى لكي لاتفتح مصر النار مجددا مع الاخوان المسلمين، بعدما حصل من تطورات وضع في العراق مع جماعات مسلحة يمكن ان تكون له تأثيرات مستقبلية على الاوضاع في مصر، رغم اختلاف الأوضاع وتعقيداتها ما بين البلدين.
2. ان مصر بإمكانها ان تلعب الدور الحيوي الجديد مع كل الاطراف العراقية مجتمعة، ان كانت لديها ( مخاوف ) حقيقية مما يجري في العراق، فبالتأكيد تؤثر الاوضاع في العراق ليس على أمن العراق بل على أمن المنطقة ومنها مصر ، التي ترى في ترك الأمور في العراق تتصاعد حدتها بهذه الوتيرة له انعكاسات خطيرة على أمنها القومي فيما بعد، وبإمكان مصر ان تضغط على كل الاطراف العراقية او ان يكون تعاملها ( متوازنا ) أي ان لاتميل الى كفة الحكومة وتترك ( المكون العربي ) وما تعرضت له بقية المحافظات العراقية من محاولات إبادة وتهميش والغاء لوجودها.. فهي ان جاءت لانقاذ نفسها هي من اثار ما يجري مستقبلا في العراق، فهي ليس بمقدورها ان تمنع مثل هذه التاثيرات الا في حالة واحدة ان تكون ( وسيطا نزيها ) تؤكد فيه ان ما يجري على البلدين سيعرض مصالح المنطقة والعالم للخطر ، وان ترك مطالب المحافظات الست دون الاستجابة لها والتعامل معها بواقعية ومسؤولية يفاقم اوضاع العراق والمنطقة ويدخلها في ( متاهات ) لايعلم الا الله مدى ما تجره من خراب ودمار على المنطقة بأسرها، وتكون مصر اول من يكتوي بإثارها بعد فترة وجيزة من الزمن ان لم تحسن ( التعامل مع الملف العراقي ) بواقعية وبدون مصالح ( أنانية وصفقات نفط وتجارة ) وقتية للبحث عن مصالح مع هذه الجهة أو تلك، دون ان تضع الجميع في ميزان واحد، ومن خلال هذا الدور يكون دورها محوريا ومهما، اما ان تبحث عن ( سبل ) لانقاذ نفسها من الكارثة المستقبلية بدون ان تضحي وتبذل جهداغير استثنائي فلن تحصل من خلال مبادرتها هذه على نتائج ملموسة وستكون مصر من أكثر الخاسرين من بقاء اوضاع العراق ( ملتهبة ) وتتطور بطريقة دراماتيكية يصعب السيطرة عليها.
3. ان تشجع مصر دور الجامعة العربية التي غابت كثيرا على خط الأزمة العراقية وتكون دورا رديفا ومكملا لدور مصر في حل تعقيدات الأزمة في العراق من خلال ارسال وفد عال المستوى وعلى وجه السرعة يتزامن مع زيارة الوفد المصري يعقبها زيارة للسيسي الى العراق ، ويسهم في التحاور مع كل الاطراف العراقية وبذل مساع استثانية قد لايكون بوسع وزير الخارجية المصري لوحده ان يخوض في غمارها ، بل ان مصر بحاجة الى طاقم سياسي كبير يضع ثقل مصر المؤثر لكي يكون بقدوره ان يلعب دورا مثاليا لا دورا لاغراض ( تبرئة الذمة ) ولكي يقال ان مصر تحركت بما يكفي واسهمت لكنها لم تستطع ان يكون لدخولها على الخط ذا فائدة، وبالتالي تنعكس مبادرتها ( سلبا ) على اوضاع المنطقة ، اذ تنتظر كل الدول العريبية دورا حيويا من مصر في حل تعيدات هذه الأزمة واطفاء نيرانها الملتهبة.
4. ان ايران واحدة من أهم تعقيدات الوضع في العراق ، وبدون ان تدخل مصر بثقلها الى جانب اخوتها العراقيين وتفهم ايران وحتى امريكا ان ابتلاع العراق من اي طرف أقليمي هو ( خط احمر ) لن تسمح به مصر ، وانها مستعدة لأن تدخل في ( مواجهة اقليمية ) ان لم يحترم دورها ومكانتها، وبدون وضع حد للتدخل الايراني في العراق ولجمه او العمل على تفادي مخاطره ومواجهته بأية طريقة يكون العرب ربما قد خسروا آخر دور لهم في ساحتهم ، التي تسعى ايران للهيمنة عليها ، وينبغي على مصر ان تعيد نظرتها ازاء ايران الى ما كانت عليها، يوم كانت علاقاتها معها تشوبها التوتر والاضطراب بدءا من زمن الرئيس المصري الراحل أنور السادات ومن ثم مبارك وحتى في زمن الرئيس السابق محمود مرسي، الذي سعى للحد من دور ايران في المنطقة وان تناغم معها احيانا، ومطلوب من الرئيس المصري الجديد عبد الفتاح السيسي ، وهو عسكري مخضرم ، ان يضع في اعتباره ان ايران لايمكن ان يسمح لها بابتلاع العراق او ضمه تحت أي تبرير الى امبراطورتها تحت ( عباءة الاسلام ) لان العرب هن أهل الاسلام وهم حملته ومن يدافعون عنه ، اما اذا ارادت ايران أن تستعبد العرب بإسم الإسلام فهذا ما لاترضاه مصر ولا يرضاه العرب عموما، وان مصر ينبغي ان تقدر حجم الضرر الكبير الذي تتركه ايران وتدخلاتها غير المسؤولة في الشأن العراقي، وتعمل على كبح جماح هذا الحجم الهائل من الوجود الإيراني الغريب العجيب والهائل في العراق.
5. لقد اتخذت مصر في الاونة الأخيرة جملة اجراءات ضد العراق وضد وسائل اعلامية عراقية عدها كثير من العراقيين محاولة من مصر للتملص من دورها العربي على حساب مصالح ضيقة مقابل ( صفقات سياسية ومالية ) وهم يسجلون على مصر ابتعادها عن العراق الذي طال أمده، وان تدخل الاعتبارات القومية والمخاطر الناجمة عن تصرفات كهذه على أمنها القومي والوطني وفسرها البعض على انه وقوف ضد آمال وتطلعات الشعب العربي في العراق الذي كان يأمل من مصر ان تكون أكبر من ذلك، ولا تدخل في ( مغامرة ) من هذا النوع غير محسوبة العواقب مستقبلا، وتركت اخاديد من الالام والأحزان على خطوات تجاههم عدها العراقيون انها اضرت بهم أكثر مما خدمتهم ، بل أضرت حتى بمصر ، وان حصلت ( على صفقات مالية ) مقابل مواقف رأي فيها كثر من العراقيين انها لم تكن ( مسؤولة ) ولا تتناسب وحجم دور مصر العروبي الكبير، الذي يتمنى العرب ان يبقى مؤثرا ويلعب ادوار ايجابية، اذ بدون مصر والعراق لن تقوم للعرب قائمة بعد اليوم.
6. بإمكان مصر ان تشارك في مؤتمر إقليمي بفاعلية في حل أزمة العراق ، أي ان يكون لدور الجوار العراق مجتمعا وبضمنها مصر دورا في إطفاء نيران المنطقة ولهيبها المستعر في العراق، وبدون قرارات سريعة تتناسب وحجم خطورة الأوضاع قد لايكون بوسع مصر تفادي آثارها على وضعها الداخلي في وقت قريب، ويرى العراقيون ان بإمكان مصر ان تلعب هذا الدور، وهي المعروفة انها دخلت في حل أزمات عربية كثيرة وكان لها دور إيجاب مؤثر في هذا المجال.
7. ان مصر بإمكانها ان تدخل على خط ألازمة مع الأخوة الكرد ، لكي تعاد اللحمة العربية الكردية وتنهي زمن مساع انفصالهم، تحت تعقيدات أوضاع داخلية أسهمت في ايصال هذه الأزمة الى منحدرات خطيرة، بإمكان مصر ان تعيد ( توازن ) العراق الى الحالة التي كان عليها قبل سنوات ويبقى العراق موحدا ، وتحميه من مخاطر التشرذم والانقسام والفوضى، والأخوة الكرد لديهم علاقات طيبة مع مصر يمكن استثمارها في الاتجاه الإيجابي، والدبلوماسية المصرية ان تحركت بفاعلية لقادرة ان تأتي بنتائج إيجابية، تبعد شبح الانفصال بين مكونات العراق ووتحافظ على وحدة أراضيه ووحدته الوطنية وانتمائه العربي الأصيل.
8. ان العراقيين بجميع مكوناتهم سيتابعون تطورات هذه الزيارة والتصريحات التي يدلي بها الطاقم المصري الذي سيزور العراق، وسيتابعون كل الجهات التي يتم التباحث معها، ليتعرفوا هل ان بإمكان مصر في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي ان تعيد ( قلب الموازنة ) وتدخل على خط الأزمة العراقية بقوة ، ليس دخولا مع طرف ضد طرف، ولكن على الأقل الوقوف في الحالة التي ترضي العراقيين كشعب وأطراف سياسية ، لا أن تأتي لتؤكد فقط دعمها للحكومة العراقية على حساب الاطراف العراقية ، فإذا كان مسارها بهذا الاتجاه الأخير ، أي لتأكيد الدعم للحكومة، دون الاطراف الأخرى التي تختلف معها ، في الرؤية والمنهج فلن يكتب لها النجاح ، ان لم تكن قد أصابت علاقات البلدين بأزمة حادة ، تنعكس بشكل خطير على اوضاع هذا البلد، وتعرض مستقبل المنطقة لمخاطر جمة، لاتكون مصر بمنأى عنها، ودعواتنا ان تسهم مصر بدورها الإيجابي الخلاق انسجاما مع مكانتها ودورها الذي ارسته في سنوات سابقة، وهو ما يتمناه العراقيون ان يكون لمصر مثل هذا الدورالذي يليق بمكانتها يوم كانت مصر قلب العروبة النابض وشعلتها المتوقدة، فهل سيفعلها السيسي هذه المرة.. هذا ما سيرقبه العراقيون الذين يعولون على دور مصر الكبير في هذا المجال..ونتمنى ان تفتح الزيارة بابا من الرجاء لدى العراقيين بأن العرب حاضرون فيها ، وهم لن يتركوا للآخرين ان يقرروا مصيرهم ، بل هم من يكونوا سادة أنفسهم في تأكيد هذا الدور .