23 ديسمبر، 2024 6:41 ص

قراءة مبكرة لانتخابات مبكرة (١)

قراءة مبكرة لانتخابات مبكرة (١)

تغيير قواعد اللعبة السياسية في العراق فرضته ساحات التظاهر ، فهل ستتغير خارطة الانتخابات القادمة كمستحقات للمرحلة المقبلة ؟ وهل ستبقى الكتل السياسية الحالية مسيطرة على المشهد أم ان تغييراً سيطال الجميع ؟
بالتأكيد سينعكس تأثير الاحتجاجات التشرينية على شكل مجلس النواب القادم ، ولكن ليس بشكل كبير ، كما يتوقع البعض .
ستبقى المحاصصة المكوناتية سارية المفعول، إلا أتها ستحمل بذور فنائها للدورة القادمة .
التأثير الاكبر سيطال الكتل والاحزاب الشيعية ، اما الكرد فانهم لن يتأثروا كثيراً وسيبقى حزب السيد مسعود البارزاني هو صاحب اليد الطولى في عدد المقاعد، وستبقى القاعدة الشعبية للحزب الديمقراطي الكردستاني هي الاوسع والاكبر في الاقليم ، وذلك للانجازات التي حققتها حكومته على صعيد الخدمات والامن والرفاهية . ربما ستتراجع حظوظ الاتحاد الوطني الكردستاني نتيجة الانشقاقات وغياب القيادة القوية. اما حركة التغيير ( گوران ) فانها تمر بدور الكهولة المبكرة على ما يبدو . وفيما يخص الاحزاب الاسلامية الكردستانية فانها ستبقَ غير ذات تأثير في رسم المشهد السياسي .
وما يخص مشهد الكتل والاحزاب السنية ربما سيزداد عدد مقاعدها وسيكون للسيد رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي النصيب الاكبر في عدد المقاعد ، وذلك للشعبية التي يتمتع بها هذا الزعيم الشاب في المناطق السنية ، فقد قدم الحلبوسي إنموذجاً جديداً في الزعامة معتمداً على دعم المدن والقرى والوقوف الى جانب الفقراء ومد يد العون لهم ، والقيام بزيارات ميدانية ، ولعل ما تشهده الانبار من تطور عمراني خير دليل على ذلك، وربما يقال ان السيد الحلبوسي قد يجب البساط من تحت ارجلهم، أضف الى ان الزعامات السنية التقليدية تعيش باغلبها خارج العراق ، او انها لم تلامس هموم الشارع السني فأصبحت بعيدة. عنه.
وفيما يخص المشهد الشيعي. وهو الاكثر تعقيدا في معادلة الانتخابات القادمة ، فقد طرأت متغيرات كبيرة في واقع محافظات الوسط والجنوب . فالجميع يعلم ان هذه المحافظات بما فيها العاصمة بغداد شهدت تظاهرات منذ تشرين الماضي الى اليوم، وهي صاحبت الفضل في هذه الانتخابات. ومن فرضت هذه المعادلة واجبرت الطبقة السياسية على الرضوخ لمطالبها.
لكنها في الوقت ذاته هذه المحافظات التي انقلبت على الاحزاب والكتل السياسية والتي بمعظمها تنتمي للتيار الاسلامي ، تعاني سياسياً .
لم تبلور موقفاً سياسياً موحداً ، ولم تتمخض حركتها عن ولادة جديدة لتيار سياسي جديد.
لكن المتغير المهم في المعادلة الشيعية هو بروز زعامة جديدة اخذت تستحوذ على رضى الشارع ولو بنسبة بسيطة لكنها واضحة .
بروز السيد مصطفى الكاظمي وقيامه ببعض الخطوات المهمة وتركيزه على الهدف الذي يسعى له وهو استعادة الهوية العراقية كهدف اساسي، جعلت منه قريب من ساحات التظاهر ، ومن ثم زيارته الاخيرة واستقباله في مكتبه لمجموعة من المتظاهرين، منحته قوه ومقبولية اكبر .
وبناءً على هذه المعطيات سيحصل السيد الكاظمي و( حزبه الذي بدت تباشير تأسيسه تلوح بالافق) على عدد ونسبة مهمة من المقاعد في مجلس النواب القادم.
ولعل البعض سيعترض على جملة ( حزب السيد الكاظمي ) اعتقد على الكاظمي ان يقوم بهذه الخطوة ان لم تكن موجودة وان يبادر الى القيام بتشكيل سياسي يضمن له الاستمرار وسيكون لتنظيمه صدى كبير .
من جانب اخر ستمنى الاحزاب الدينية وبعض التشكيلات الغير منتظمة بشكل جيد كالتيار المدني و النصف مدني وكذاك الحزب الشيوعي بخسارة موجعة في هذه العملية، من خلال المعطيات التي سنستعرضها :

زعزعة القواعد الشعبية

الاحزاب الدينية في وضع لا تحسد عليه فقد تراجعت شعبيتها بنسب كبيرة، فهناك رفض واضح لها في الشارع ، فلم تعد المدن ذات الغالبية الشيعية تثق بالاحزاب ذات التوجه الديني أو ما تسمى باحزاب الاسلام السياسي .
تراجع التأييد للحشد الشعبي بسبب الضخ الاعلامي الذي سلط عليه ابان التظاهرات فلن تحضى الاحزاب التي تقف تحت خيمته بالدعم والتأييد اللازمين .
موت او زوال بعض الكتل الشيعية اما موتاً سريرياً او نهائياً مثل تيار الاصلاح الذي اختفى زعيمه واعتزل السياسة وانسحب من المشهد وبالتالي لم يعد هذا التيار فاعلاً ، وكذلك المجلس الاعلى الذي يعاني من الام كبيرة وقد اعلن زعيمه الشيخ همام حمودي اعتزال العمل السياسي وبذلك كتب نهاية هذا الحزب وموته وخروجه من المشهد . وحزب الدعوة تنظيم العراق هو الاخر لم يبقَ منه سوى قناة المسار ، وشخصيات غير ذات تأثير ، يلحق لهم حزب الفضيلة الذي تقلصت مساحة نفوذه، واقتصرت على اقامة مناسبات دينية ولم يعد حزب له مشاركة فعالة كما كان سابقاً فقد مات سريريا .
عدم وجود تكتلات واحزاب سياسية حقيقية للمتظاهرين لحد الان تبلور موقفهم تجاه الانتخابات القادمة.
عدم وجود احزاب ليبرالية شيعية تملء فراغ الاحزاب الدينية.
اقتصر دور الحزب الشيوعي العريق على دعم التظاهرات والتواجد بكوادره فيها ولكنه لم يعلن عن اسمه الصريح بكل قوة و بقيَّ يسير على استحياء في خطواته ، ولم يَعُد العُدة للانتخابات بشكل ٍكاف.
علينا ان لا نغفل محاولة السيد عمار الحكيم في ترميم بعض جوانب الهدم للخروج من العملية بأقل الخسائر من خلال تأسيس تشكيل سياسي جديد ( عراقيون) الا ان هذا التشكيل لا يمكنه ان يكون مهيأً في هذه المدة القصيرة . لذا لا اتوقع ان يحتل مكانة مؤثرة في خارطة الانتخابات القادمة .
وللحديث بقية في الحلقة القادمة ساستعرض دور المرجعية الدينية وتأثيرها و دور التيار الصدري وبقية التشكيلات وغياب بعضها الاخر والفراغات التي احدثتها وتأثيرهاعلى خارطة الانتخابات المقبلة .