برغم جميع المواقف الرافضة والمتحفظة المحلية والاقليمية والدولية ازاء مشروع الاستفتاء الكوردي على تقرير المصير وما رافقه من تصريحات متباينة بين الاطراف المعنية ، منها من دعت لحل الخلافات عبر الحوار والسياقات الدستورية ومنها ماكانت تحريضية ومنها ما وصلت لحد التهديد والوعيد ، الا ان الجانب الكوردي بقى مصرا على موقفه باجراء الاستفتاء بوصفه ممارسة ديمقراطية وحقاً طبيعياً لشعب كوردستان على وفق المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الانسان وبالنتيجة اجري الاستفتاء في موعده في ظل اجواء متشنجة على مستوى العراق والمنطقة نوعا ما بسبب الحرب النفسية الشاملة التي شنتها ماكنات الاعلام التابعة للاطراف الرافضة للمشروع ، الا ان الشعب الكوردي واجه التحديات و قال كلمته الاخيرة وصوت باغلبية وبنسبة اكثر من 76% ب(نعم) بحسب الاحصائيات الاولية لقيام الدولة الكوردية .
اليوم وبعد اجراء الاستفتاء لابد من بدء مرحلة جديدة من العلاقات بين اربيل وبغداد وفقا للمعطيات الجديدة التي افرزتها العملية الديمقراطية ، لان جمود العلاقات او ربما القطيعة المؤقتة لاتخدم الطرفين ، ولاسيما ان التحالف الوطني الذي يقود الحكومة والقوى الكوردستانية طرفان رئيسان في العملية السياسية منذ 2004 ومن دون مشاركة احد اطرافها لا يمكن للعملية ان تستمر، الامر الثاني هو ان الاستفتاء اُجري وصوت الشعب الكوردي لصالح تقرير المصير وبناء الكيان الكوردستاني المستقل ، لذلك فانقطاع العلاقة بين اربيل وبغداد او القطيعة بينهما لا يمكن ان تحل الخلافات والاشكاليات بل ينبغي ان يعاود الطرفان الحوار بافكار وحلول جديدة وبعقلية منفتحة على الواقع والاتفاق على صيغة للعلاقات مختلفة عن الماضي.
هناك بعض القوى السياسية تلمح بعدم استئناف الحوار مع الجانب الكوردي بعد اجراء الاستفتاء ، ولكن السؤال الجوهري هو ما الجدوى من اتخاذ كذا قرار والاستفتاء اُجري واُعلنت نتيجته؟ هل يمكن رفض نتائج الاستفتاء الذي اُجري امام انظار العالم و بحضور المئات من المراقبين المحليين والاجانب و وسائل الاعلام المحلية والعالمية وشارك فيه اكثر من ثلاثة ملايين مواطن كوردي ، اذن ربط استئناف المفاوضات والحوارات بين بغداد واربيل باجراء او عدم اجراء الاستفتاء لا يعد قرارا صائبا ولايحل المشكلة بل يعقدها.
بقدر مايتعلق الأمر بالجانب الكوردي بتقديري ، القيادة الكوردستانية ستتريث لترى ردود الافعال المحلية والاقليمية والدولية حيال نتائج الانتخابات ، لان جميع المواقف قبل الاستفتاء كانت تعد جزءاً من الحرب النفسية لثني القيادة الكوردية على الانصراف عن اجراء الاستفتاء وترويع الشعب الكوردي بغية عدم مشاركته فيه ، لكن بعد ما اُجري الاستفتاء ستكون ردود الافعال والمواقف المحلية والاقليمية والدولية حقيقية وينبغي ان يحسب لها حساب دقيق ، على اية حال ربما تتغير المواقف والقناعات لدى بعض الاطراف ونتيجة الاستفتاء ستفرز مواقف جديدة في دعم الاستقلال الكوردي او ربما المواقف تكون اكثر تشددا حيال المرحلة المقبلة التي سيسعى الكورد الى انشاء دولتهم المستقلة.
بحسب قراءتي للواقع الجديد بعد الاستفتاء ، فان الجانب الكوردي سوف يدرس المعطيات والمواقف الجديدة وردود الافعال بعد الاستفتاء بدقة وسيتعامل مع الواقع على الارض من دون التسرع باتخاذ الخطوات اللاحقة وسيعمل وبخطى حثيثة من اجل بناء الارضية اللازمة للاستقلال عبر الحوارات المكثفة مع جميع الاطراف المعنية .
لكن الحوار الكوردي مع المركز بتقديري سيتركز بأتجاهين :
الاتجاه الاول التفاوض من اجل تغيير بعض المواد الدستورية والاتفاق مع بغداد على تبني النظام الكونفدرالي كبديل للاستقلال اذا توافرت عوامله و ربما يكون هذا البديل مقبولا على الاقل في هذه المرحلة من دول المنطقة لتفادي حرب جديدة من جانب وعدم تأثيرها بشكل مباشر على ايران وتركيا من جانب آخر اللتين يعيش في كل منها جزء كبير من الشعب الكوردي.
في حال استمرار المواقف الرافضة المحلية والاقليمية والدولية للاستقلال و النظام الكونفدرالي سيبقى امام الكورد خيار آخر وهو المطالبة بتطبيق المادة 140 وصدور قانون النفط والغاز اللذان يشكلان جوهر الخلافات بين الطرفين باشراف وضمانات دولية وبتقديري لابد للطرف الآخر القبول باحد الاتجاهين مع بعض التنازلات من الطرف الكوردي وبذلك تكون ورقة الاستفتاء الكوردية قد حققت اهدافها في المرحلة الحالية على الاقل وبالنسبة للمستقبل ايضا ستكون ورقة ضغط في اية توافقات او حوارات جديدة.