لا يختلف اثنان على أن الولايات المتحدة الامريكية هي التي اسقطت النظام الدكتاتوري في العراق في نيسان 2003، لكن ما حدث بعد ذلك من دخول العراق في دوامة العنف وعدم الاستقرار السياسي كان بإرادة إقليمية تحالف فيها الاضداد من أجل هدف واحد هو: افشال المشروع الديمقراطي في العراق. ومنذ ذلك الوقت تحول العراق إلى ساحة لصراع القوى الإقليمية وبالتحديد( إيران، المملكة العربية السعودية، تركيا). ان النظام السياسي العراقي، وبفعل الأرث الاستبدادي وفشل القيادات السياسية في إدارة الدولة بعد سقوط الديكتاتورية ، عاجزاً عن تحقيق الإندماج السياسي والاجتماعي وبناء دولة المؤسسات القادرة على تحويل الأفراد من الؤلاء للطائفة والقومية إلى الدولة. ومن ثم بدءت تتضائل الرغبة في العيش المشترك عند افراد مكونات المجتمع العراقي. تشكيل حكومة وطنية تترأسها شخصية متفق عليها بعيدًا عن المحاصصة الطائفية، من الممكن أن يعيد التوازن إلى المؤسسات الحكومية من خلال العمل على إعادة بناء المؤسسة العسكرية على أسس وطنية، وكذلك إنهاء الصراع المسلح في البلاد والقضاء على الميلشيات والحركات الإرهابية. ومن هنا قد يتجنب العراق مصير التقسيم والانجرار إلى حرب أهلية. هذا الاتجاه لن يستطيع العراق بمفرده تحقيقه، حيث ينبغي على دول الجوار مساعدته على الخروج من أزمته ووقوف المجتمع الدولي بجانبه.العراق يواجه تحديات امنية واقتصادية هي الاخطر من نوعها منذ الاحتلال الامريكي ، الأمر الذي يؤكد ضرورة وجود موقف مجتمعي موحد للتعاطي مع هذا الواقع الجديد ومواجهة ما يفرزه من مخاطر بما في ذلك الحفاظ على الثروات النفطية من خلال التوظيف الامثل لايراداتها السنوية في الاوجه الاستثمارية الحقيقية التي تضيف إلى الناتج القومي الاجمالي على ان يكون هناك اجراء موحد للتعامل مع الدول العربية حيث ان هناك ضرورة ملحة لوجود مشاركة عربية جادة وفاعلة في تحديد مصير العراق، والاسهام في اعادة اعماره، ويتم ذلك جنباً إلى جانب اهمية تدعيم الجهود على المستوى الدولي بما يضمن احلال الامن والسلام والاستقرار في منطقة الشرق الاوسط بهدف توفير المناخ الملائم امام النهوض بالنمو الاقتصادي الحقيقي واوضاع التنمية المستدامة. تحوّل العراق إلى مسرح للتنافس الإقليمي والدولي، ما يكرس الانقسام المجتمعي في العراق، هو الصراع الإقليمي الأوسع في المنطقة. فإيران تسعى لتوسيع نفوذها في منطقة الخليج وكقوة إقليمية بارزة في الشرق الأوسط، وتعتبر العراق أحد المجالات الطبيعية لمدّ نفوذها. وفي نفس ذلك الجوار، توجد دول الخليج العربية، التي تخشى من النفوذ الإيراني وتجِـد في السُـنة العراقيين تيارا يجب دعمه لوقف النفوذ الإيراني داخل العراق. إسرائيل والولايات المتحدة تقِـفان بالمرصاد أمام الطموح النووي الإيراني، وفيما تتصاعد المواجهة الأمريكية مع إيران، يحلو للولايات المتحدة أن تشعل صِـراعا بين ما تسمِّـيه دول الاعتدال العربي وبين إيران، انطلاقا من النفوذ الإيراني على أرض العراق، وسرعان ما تحوّل العراق إلى أرض للتنافس بين كل تلك القوى. “وبدون شك، يتحمّـل الساسة العراقيون جزءاً كبيراً من المسؤولية عمّـا حدث ويحدث ، وكانت المعارضة العراقية في السابق تُـحمِّـل صدّام حسين كل المسؤولية عما كان يجري في العراق، ولكن الإخفاق لم يكن مسؤولية المعارضة العراقية وحدها، فما قام به الأمريكيون في العراق، وخاصة ما قام به رئيس سلطة الحكم المؤقت بول بريمر من حلّ مؤسسات الدولة وتسريح الجيش والشرطة، في إطار سياسة اجتثاث البعث والشروع في إضفاء صفات مؤسساتية على التمثيل المذهبي القائم على الحصص، وهي جرائم فتحت المجال أمام تدهور الأوضاع، مما أنشأ خلال سنوات الاحتلال الماضية واقعا عراقيا أليما. ولكن الاحزاب العراقية المتنفذة دخلت في مرحلة من فقدان الوعي لخطورة هذه المنزلقات، ولم تفعل شيئا لوقف انزلاق العراق إلى تلك الهوّة السحيقة، إما تعمّـدا باعتبار أن بعض قيادات هذه الاحزاب لم تمانع في تكريس هذا الواقع الأليم، لأنه يقوِّيهم سياسيا أو جهلا بما يمكن أن تنطوي عليه من عواقب أو خليطا من الإثنين أو تأثرا بالبيئة السياسية، التي أعقبت انهيار نظام صدّام حسين، ولكن اليوم، لا نستطيع تحميل صدّام أو الأمريكيين لوحدهم مسؤولية ما يحدث في العراق. فالعراقيون بكافة أطيافهم يتحمّـلون مسؤولية كبيرة، لأنه حتى الناخب العراقي، هو الذي صوّت للكُـتل الرئيسية، على أساس طائفي او عرقي ، وليس على أساس برامج حِـزبية تقدّم حلولا للوطن . إن إقامة دولة مواطنة تديرها حكومة مركزية تقوم على المؤسسات والعدل تمثل جميع العراقيين بدون تمييز، وأصبح هذا الخيار بمثابة حلم كل عراقي يريد العيش الامن . الازمة في ظل الاوضاع الحالية اثرت وبشكل كبير على دور العراق في الساحة الدولية، لانه كلما اشتدت حدة الخلافات الداخلية تؤثر سلبا على دور العراق في المجتمع الدولي وينظر اليها نظرة تختلف عن باقي الدول، الازمة وان كانت تعرف بالسياسية ولكنها اصبحت في اكثر من صفحة وفقدت الكثير من ملامحها، المسؤولية تقع على عاتق السياسيين بالدرجة الاولى لعدم سماعهم النداءات والتحذيرات التي تاتي داخليا وخارجيا وتحمل معها القلق على مستقبل البلاد، لكن يبدو فقدان الحرص على مصلحة البلاد، والاهم تحقيق المكاسب في اطرها الضيقة، التحلي بالارادة القوية والرغبة في اجراء الحوار من المنطلقات الاساسية للوصول الى تفاهمات مشتركة لانهاء الازمة، وقبل كل ذلك لابد من اعادة الثقة المفقودة بين الكيانات والكتل، فلايمكن لاية خطوة ان تصل الى نتيجة ايجابية بدون هذه الثقة ، والساسة قبل غيرهم يعلمون جيدا المنزلقات التي ستحدث في حال استمرار الاوضاع هكذا وكذلك النتائج المترتبة على ذلك. استمرار الأزمات الاقتصادية والأمنية بصورة أكثر تهديداً للاستقرار في العراق، سوف تنسحب تداعياته على الاستقرار والأمن في باقي المنطقة ودول الإقليم، وأن مناخ التوتر والأزمات يمكن أن يهيء المناخ لحضور العنف وتنامي تيارات التطرف العابرة للدول المهدد للاستقرار في المنطقة بصفة عامة، وأن مصلحة كافة الدول في المنطقة أن تدرك أن استمرار هذا المناخ سوف يمس الأمن القومي لدول الإقليم كافة، وأن حل المشاكل التي يمر بها العراق حالياً، سوف له مردود إيجابي في النهاية ومكاسب للجميع، ويحصن المنطقة من الاختراقات الخارجية قدر الإمكان. وعملية تدمير الاقتصاد العراقي بهذه الطريقة في هذه الفترة يراد بها تبرئة الإدارة الأمريكية من المسؤولية وإظهار الشعب العراقي كشعب ضعيف لا يدرك مصالحه ويحتاج الى الوصاية والرعاية والأخذ بيده نحو التحضر وتعلم الديمقراطية تحت الإشراف الامريكي ، لتبرير غزو الولايات المتحدة الأمريكية للعراق وافهام الشعب العراقي بأن الولايات المتحدة اسقطت الديكتاتورية لتحرير العراق . و نتائج هذا الاحتلال على الاقتصاد العراقي كثيرة منها تفاقم البطالة بشكل كبير واستشراء الفقر وتعطيل معامل القطاع الصناعي كافة وتدمير القطاع الزراعي بكل مرافقه بعد ان كانت مساهمته إثناء مرحلة الحصار في الناتج المحلي الإجمالي جيدة، وكذلك من نتائج الاحتلال فتح باب الاستيراد بدون رقابة أو كمارك من خلال فتح الحدود إمام السلع الاستهلاكية الرديئة، حيث غزت الأسواق العراقية كافة البضائع سواء صناعية أم زراعية بدون ضوابط ولا رقابة ولا سيطرة نوعية عليها، كل ذلك أدى الى تدمير الاقتصاد العراقي وتحويله من اقتصاد إنتاجي يتوجه بموجب خطط تنمية اقتصادية لتحقيق نمو اقتصادي. تنويع هيكل الاقتصاد لبناء وكسب مصادر جديدة للتنافسية على المستوى الدولي , هذا هو الخيار الافضل والوحيد لضمان استمرارنا ككيان مستقل في المستقبل، ومن الناحية الواقعية لا يوجد لدينا خيار امثل آخر لتوظيف الفوائض النفطية المحققة. نقطة الانطلاق لنجاح أي مشروع قومي على هذا المستوى لا بد وان تستند إلى إصلاح سياسي أولا يعالج مواطن الفساد ويسمح بأكبر قدر من الشفافية والمحاسبة في ذات الوقت في ظل نمط حكومي صالح ، يستهدف مصلحة الشعب بالدرجة الاولى، ويمثل مثالا يحتذى به، ويسهل من خلاله تسويق مثل هذا المشروع الوطني لدى الجمهور استنادا الى الثقة لدى المواطن بالحكومة.