قراءة للبعد الأخر بعد سقوط نظام الأسد والصراع التركي الإيراني الإسرائيلي وتحدي مستقبل سوريا

قراءة للبعد الأخر بعد سقوط نظام الأسد والصراع التركي الإيراني الإسرائيلي وتحدي مستقبل سوريا

*اليوم ودون أي تأخير ، وقبل شروق فجر يوم غد ، يجب على جميع فصائل وأحزاب المعارضة السورية بمختلف توجهاتهم السياسية والعقائدية والأيديولوجية، أن يتركوا وراءهم عقلية “المعارض المسلح” ويعتمدون عقلية رجال بناء الدولة،وأن يتبنوا قيم دولة المؤسسات والقانون , ويتم الانتقال من مرحلة عقلية الصراع المسلح إلى مرحلة عقلية التنمية والبناء السياسي والاقتصادي والمجتمعي ,والذي يتطلب الآن تحولًا جذريًا في التفكير والسلوك ,وبعيدًا عن خيارات الصراعات المسلحة التي أوصلت البلاد إلى كل هذا الدمار والخراب , المعارضة اليوم يجب أن تكون عقليتها في كيفية بناء دولة المؤسسات والقانون ,وليس تقسيم الغنائم والامتيازات ,وأن تتحول إلى قوة سياسية فعالة قادرة على توحيد الجهود نحو بناء دولة مستقلة وحرة وعادلة ومتسامحة بين أطياف ومذاهب المجتمع ، تقوم على أسس القانون والعدالة الاجتماعية والتي تضمن الحقوق والحريات لجميع المواطنين بدون استثناء .

على الجميع، بما في ذلك الفصائل التي كانت في السابق مسلحة، أن يدركوا أن المرحلة المقبلة تتطلب العمل السياسي الحكيم القائم على الحوار والتفاوض واحترام الرأي الآخر ، وتحقيق المصالحة الوطنية  والسبيل الوحيد لبناء سوريا جديدة هو من خلال التزام القوى بالقانون والاعتراف بالمؤسسات الدستورية و المدنية والعمل على تمثيل كافة شرائح المجتمع السوري بشكل عادل ومتوازن داخل مؤسسات وهيئات الحكومة القادمة.

سقوط نظام بشار الأسد بهذه الصورة المتسارعة غير المتوقعة حتى لأقرب حلفائه والانهيار التام لجميع الفرق والألوية في الجيش لذا سيكون على السوريين بمختلف طوائفهم وتوجهاتهم السياسية والعقائدية والمذهبية والدينية مواجهة صعاب وتحديات ضخمة على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وستكون عملية إعادة بناء الدولة السورية الجديدة معقدة ومتشابكة للغاية, وقد تتطلب سنوات قادمة من التعاون بين الحكومة السورية الناشئة والمجتمع الدولي والإقليمي للمساعدة لتحقيق السلام الداخلي والاستقرار المستدام المجتمعي , وكذلك تتعلق للمساعدة بإعادة بناء الدولة والاستقرار وطريقة كيفية تنظيم نظام الحكم والاهم والمهم في كيفية عن التعامل مع آثار الحرب الأهلية المدمرة وإعادة الإعمار ليس فقط للبشر وإنما للحجر .

وحسب ما مر به العراق بعد الغزو والاحتلال بعد انهيار الجيش العراقي واحتلال بغداد وحرق بصورة مفتعلة ومنسقة معظم الوزارات والمؤسسات الحكومية , وما نشاهده اليوم من استغلال اللصوص والمجرمين الذين تم إطلاق سراحهم مع المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي في استغلال الفوضى بعمليات سرقة وحتى احراق بصورة متعمدة دوائر ومؤسسات امنية وبما تحتويه على ملفات مهمة واضابير خاصة والمغيبين بالمعتقلات وسجناء الرأي , وقد تشابهت لدينا سيناريوهات إعادة بناء الدول من الصفر كما حدث بالعراق , وبما سوف يحدث في سوريا اليوم , ويمكن أن نلخص أهم هذه التحديات اليوم في سوريا :

1)طريقة وكيفية والأسلوب الذي سيكون عليه  إعادة وتشكيل صورة بناء النظام السياسي , صحيح أن هناك سيكون في البداية من الصعب التوصل إلى اتفاق شامل بين القوى السياسية المتعددة والمتناقضة بالتوجهات والأيديولوجيات التي شاركت في الإطاحة بنظام الأسد وبما في ذلك المعارضة المعتدلة ومختلف الفصائل والأحزاب الإسلامية والأكراد التي يمثلها اليوم قوات سوريا الديمقراطية المعروفة بـ “قدس” وسيكون هناك حاجة ماسة وملحة الى وضع أساسيات دستور حكم جديد من خلال الحوارات واللقاءات وتنظيم انتخابات نزيهة وغير مسيسة وبمساعدة منظمات المجتمع الدولي والأمم المتحدة والدول الإقليمية .

2) التحديات الأخرى اليوم هو كيفية إعادة بناء كافة الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية وستواجه الحكومة المنتخبة الجديدة تحديات كبيرة ومتشعبة في تحقيق الأمن والعدالة والتعليم وتقديم الخدمات العامة والتحدي الأكبر سيكون في وضع مؤسسات حكومية مستقلة ونزيهة وشفافة وإنشاء هيئات مستقلة لمكافحة الفساد المالي والإداري والابتزاز والذي كان سابقآ متجذر في جميع المؤسسات الحكومية وإعادة بناء وصياغة قانون جديد خاص بـ “الجهاز المركزي للرقابة المالية” من خلال وضع المسؤولين والموظفين المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة وحسن السمعة الوظيفية وأن تكون سوريا الجديدة دولة القانون والمؤسسات وأن لا نشاهد في المستقبل القريب دولة تحكمها الانتقام والتشرذم والتخبط والعشوائية بين كافة فصائل المعارضة السورية.

3) سوريا ستكون على موعد مع تحدي من نوع أخر وعلى الحكومة المنتخبة أن تعي بصورة أكثر حسمآ وتمنع قدر الإمكان من أن تكون ساحة مفتوحة ومباحة لتنافس القوى الإقليمية والدولية مثل تركيا، إيران، روسيا، والولايات المتحدة. وحتى أسرائيل ويجب أن يتم التوصل إلى اتفاقات وضمانات بشأن الدور الذي ستلعبه هذه القوى في المستقبل السياسي والاقتصادي والاجتماعي السوري وبالأخص كيفية معالجة التواجد العسكري التركي والأمريكي وحتى ما تبقى من الوجود الإيراني وعلى الرغم من أن الدعم التركي الذي تلقته فصائل المعارضة كان له الدور المشهود في تسارع سقوط نظام الأسد كأحجار الدومينو ودخولهم العاصمة دمشق بدون قتال , وحتى لغتهم التي وصفوها قبل ساعات قليلة جميع فصائل المعارضة السورية بالإرهابيين والتكفيريين تحولت بين دقيقة وثانية الى فصائل المعارضة المشروعة والصديقة والكلام السم بالعسل وأصبح بنظر هؤلاء الذين كانوا داعمين له بكل قوة قبل ساعات الى نظام دكتاتور وطاغية وجزار ومجرم!!؟.

4) أن سوريا دولة مختلفة ومتعددة الأعراق والطوائف والمذاهب ومع تواجد ملحوظ وتنوع كبير في المجتمعات الكردية، السنية، الشيعية، العلوية، والمسيحية يجب أن يتم عقد اجتماعات موسعة من قبل قادة الطوائف ورجال الدين للوصول إلى حلول عملية وسلمية وإلى إيجاد صيغ توافقية للتوازن سياسي يضمن حقوق الجميع ويمنع نشوء النزاعات الطائفية فيما بينهم ومن خلال إيجاد قوانين وتشريعات حيادية غير مسيسة تكون ملزمة للجميع.

5) وبما أن الحرب الأهلية السورية قد  دمرت معظم البنية التحتية بشكل مؤثر وواسع  مثل الطرق والمستشفيات والمدارس والمؤسسات الحكومية لذا فأنها سوف تحتاج الى مساعدة المجتمع الدولي وإلى استثمارات ضخمة في إعادة الإعمار وكما ستحتاج إلى عقد مؤتمرات داخلية وخارجية وتفعيل القوانين والتشريعات الحكومية لغرض جذب شركات ومؤسسات دولية لغرض الاستثمار في البنية التحتية وكذلك انشاء الهيئات القانونية من خلال الخبراء لغرض التعامل مع المجتمع الدولي في كيفية رفع العقوبات الاقتصادية والسياسية والعودة التدريجية الى المجتمع الدولي والطلب حتى المساعدة الخارجية لغرض معالجة مشاكل الاقتصاد السوري والذي يعاني من التضخم الكبير و قلة الموارد ونقص العملة الصعبة ومن أجل استعادة الاستقرار المالي وسيكون من الضروري حتى إجراء إصلاحات في البنية التحتية الاقتصادية والمالية اقتصادية.

6) معدلات البطالة والفقر لنسبة كبيرة من المجتمع السوري وبالأخص بعد سنوات الحرب الأهلية وتوفير فرص العمل وتحسين مستوى المعيشة ستكون أكبر تحدي التي سوف تواجهه الحكومة المنتخبة ولكن من خلال إصدار القوانين وإعادة الاعمار يمكن أن تتقلص نسبة البطالة الى حد كبير جدا وبالتالي ستغير نسبة البطالة بين القوى واليد العاملة وكذلك العمل للسيطرة على جميع الموارد النفط والغاز لأنها ستكون نقطة محورية وجوهرية في إعادة استقرار الاقتصاد السوري تدريجيا.

7) على الحكومة المنتخبة الاستفادة من السوريين في الخارج وبالأخص الأطباء والمهندسين وأساتذة الجامعات والأخصائيين في جميع المجالات العلمية والتقنية والحياتية والاستفادة من قدراتهم العلمية والمعرفية في وضع الحلول الكفيلة والمساعدة في إعادة بناء الاقتصاد السورية وبناء صرح علمي جامعي والاستفادة من وضع القوانين والتي تساعد كذلك على جيل من الشباب قد فقد فرصة التعليم وبسبب المسلح النزاع وتفعيل إعادة بناء النظام التعليمي الأساسي والجامعي.

8) العمل فورآ على إنشاء هيئة قانونية مستقلة لغرض إعادة الأموال المنهوبة في الخارج وتجميد جميع أرصدة المسؤولين السوريين بنظام الأسد في البنوك الخارجية ,وعائلة الأسد والعمل مع الأمم المتحدة والمجلس الأمن الدولي على حثهم لغرض إصدار قوانين تساعد على إعادة الأموال والأرصدة الموجودة في البنوك الخارجية والاستفادة من هذه الأموال في إعادة البناء والتنمية.

وأخيرآ وليس أخرآ كل ما ذكر أعلاه وغيرها سيكون مجرد حبر على ورق , إذا لم تطبق  العدالة الاجتماعية والنظام على الجميع وبدون أستثناء , وإذا لم توفر الحكومة السورية المنتخبة الأمن والأمان للمواطن السوري , وإعادة بناء مؤسسة الجيش وجميع الأجهزة الأمنية , وفق أسس ومعايير احترام حقوق الإنسان  والرأي والآخر , وأن يكون صوت المعارضة داخل قبة البرلمان اعلى من صوت نظام الحكم , وأن تكون السلطة الرابعة دورها المشهود لغرض المساعدة في إعادة سوريا خالية من سلطة الخوف , ولان كل هذا وغيره هو الضمان الفعلي بالأمن والاستقرار , وأن تكون جميع الأجهزة الأمنية ومؤسسة الجيش غير منحازة مناطقيا أو مذهبية أو سياسياً , وأن تتعامل بالمستقبل وهذا ما سوف يحدث قطعآ وحتمآ مع جميع التهديدات من بعض الفصائل المسلحة المتطرفة التي تريد أن تأخذ الحكم لنفسها بكل حزم وصرامة , ومن أهم هذا التحدي حاليآ هو تنظيم “داعش ” المخابراتي الذي قد تستغله بعض الدول والتي أنهى سقوط نظام الاسد مشروعها الطائفي في المنطقة ومن خلال إعادة أحيائه مرة أخرى ودعمه بالمال والسلاح والمقاتلين وحتى المساعدة في أطلاق سراح قادتهم ومقاتليهم المتواجدين في السجون ولغرض خلق فوضى مسلحة داخل سوريا , وأن تكون الحكومة القادمة على قدر من الوعي والتحديات الأمنية لغرض ودأ مسبقآ أي تحرك قد يقوم به تنظيم “داعش” المخابراتي ومن خلال التفجيرات بالسيارات المفخخة في المحافظات والمدن والتجمعات السكانية والقيام بشن عمليات مسلحة واستهداف البنى التحتية , ولنا في العراق سابقآ أسوة حسنة.

[email protected]