قد يبدو عنوان هذا الموضوع محيراً لبعض أفراد الرأي العام، ومن خلال تبيان طبيعة التمييز والتعريف وفهم السياقات المختلفة للحدث والذي سوف نحاول أن نلقي الضوء في هذا السياق بصورة أكاديمية بعيدا عن المواقف والاعتبارات الشخصية الخاصة ومن وجهة نظر محايدة, خاصةً في ظل ما تطرحه حاليآ وسائل الإعلام العربية والأجنبية المختلفة ” المقروءة والمسموعة والمرئية ” من مصطلحات قد تكون مشوشة وغير واضحة المعالم للبعض. حيث تتداخل المفاهيم والمفردات في أذهان الكثيرين منهم، ويتساءلون : هل هم “رهائن” أم “أسرى حرب” أو “محتجزين قسرآ” ؟ وما هو الفرق بينهما؟ في البداية يجب أن نوضح المعاني الدقيقة لهذه المصطلحات، باعتبار أنهما يحملان دلالات قانونية وإنسانية مختلفة من حيث تناولها في صيغ مختلفة حاليآ من قبل وسائل الإعلام . المعروف بأن “الأسير” هو الشخص الذي يتم القبض عليه أثناء نزاع مسلح أو حرب بين دولتين أو أطراف متنازعة فيما بينهما , وعادة ما تتم معاملته وفقاً للقوانين الدولية التي تنظم أوضاع أسرى الحرب أثناء النزاعات والحروب ، مثل اتفاقية جنيف التي تضمن حقوقه الإنسانية، بما في ذلك الحق في الحماية من التعذيب والمعاملة الانسانية,يُعامل الأسير كطرف في نزاع مسلح وتُخصص له حقوق وإجراءات قانونية واضحة تتضمن تقديم الرعاية الغذائية والصحية والطبية اللازمة، في إطار التزامات الدول الموقعة على الاتفاقيات الدولية.
أما “الرهينة” فهو شخص يتم اختطافه من قبل مجموعة أو جهة معينة أو حركة مسلحة لأغراض سياسية أو اقتصادية أو شخصية و الهدف من اختطاف الرهينة غالباً ما يكون الابتزاز والمساومة ، سواء من خلال المطالبة بفدية مالية، أو الإفراج عن معتقلين ، أو تحقيق مكاسب أخرى وبدوره لا يتمتع الرهائن بالحقوق نفسها التي يتمتع بها الأسرى في حالات الحروب، حيث لا تشملهم غالباً القوانين الدولية الخاصة بالحروب أو حقوق الإنسان المتعلقة بأسرى الحرب.
أما مفهوم “المحتجز قسراً” والذي يشير إلى الشخص الذي يتم احتجازه أو سجنه بشكل غير قانوني أو دون موافقته، وغالباً ما يكون ذلك تحت ظروف قسرية أو قهرية، دون وجود مبررات قانونية أو جرمية. ويشمل ذلك احتجاز الأفراد من جماعات مسلحة أو أي جهة أخرى تحت تهديد أو ضغوط، ويشمل ذلك أيضاً الأشخاص الذين يتم احتجازهم في ظروف قاسية أو في أماكن غير قانونية أما بالنسبة للسلطات الحكومية فأنها لا تخضع لمحاكمات عادلة أو حتى توفير مبررات قانونية له من قبيل إعطائه فرصة للدفاع عن نفسه أو توكيل محامي لغرض الدفاع عنه.
وبناءً على هذا التمييز في المصطلحات والتي لغاية الآن ما تزال وسائل الإعلام المختلفة نراها تتلبس عليها المفاهيم والمصطلحات عندما تتناول سردية هذا الحدث ومن خلال برامجها الحوارية، ومع اتضاح أن التعريف وفق سياق الحدث يشير إلى حالات مختلفة تماماً من الناحية القانونية والإنسانية. فعندما نتحدث عن شخص تم اختطافه بهدف المساومة أو الابتزاز المالي، فإننا نتحدث عن رهينة أو محتجز قسرآ لأنه يندرج في نفس السياق، بينما إذا كان الشخص قد وقع في قبضة طرف متحارب خلال نزاع مسلح، فإنه يعد أسيراً ومن هنا، يتعين على وسائل الإعلام المختلفة أن تتحرى الدقة والموضوعية وأن تكون دقيقة في استخدام المصطلحات والتعابير وليس كما يتم تصويره حاليآ من تخبط وعشوائية في طرح موضوع الان ، وذلك لضمان الحيادية والفهم الصحيح للمواقف والأحداث التي يمر بها الأفراد في سياقات مختلفة.
هناك العديد من العمليات التي تتعلق باختطاف واحتجاز الرهائن، سواء كانت هذه العمليات تتم عبر الطائرات أو في البنوك والمصارف أو في السفارات أو في أماكن أخرى، إلا أن هذه العمليات، على الرغم من تنوع أساليبها، لم تصل إلى الفترات الزمنية الطويلة التي يمر بها بعض الرهائن في حالات معينة.
وفي الوقت الذي تتابع فيه وسائل الإعلام، سواء العربية أو الغربية أو الإسرائيلية، باهتمام بالغ هذا الحدث، نجد أن القنوات الإخبارية تنتظر بفارغ الصبر اللقاء مع هؤلاء الرهائن، وتطرح عليهم العديد من الأسئلة المتنوعة، ولكن من أبرز الأسئلة التي يتم توجيهها لهم: “كيف قضيتم حياتكم طوال فترة الأسر؟” هذا السؤال بدوره والذي سوف يتفرع عنه العديد من الأسئلة الأخرى وبصيغ مختلفة ، والذي يسعى من خلاله لاستكشاف ظروف الاحتجاز والتحديات اليومية التي مر بها هؤلاء الأفراد.
ومن خلال ما جاء في بيان الناطق الرسمي باسم “الكتائب” أبو عبيدة “في إطار صفقة “طوفان الأقصى” لتبادل الأسرى، حيث قررت “كتائب القسام” الإفراج اليوم الأحد 19 ك2 2025 عن التالية أسماؤهم : رومي جونين (24 عاماً)، إميلي دماري (28 عاما)، دورون شطنبر خير (31 عاما) ولذا سوف تبدأ لنا ومعنا الرأي العام لنترقب أولى فصول قصة سردية الرواية لهذا الحدث , من حيث تختلف الظروف المحيطة بكل أسير سواء كان رجلاً أو امرأة أو طفلاً أو مسناً ، حيث تتفاوت مواقف وظروف الحرب التي يواجهها كل فرد على حدة , ويتعين علينا أن نتناول الجوانب الإنسانية المختلفة التي يتعرض لها ، من حيث توفير الغذاء، الرعاية الطبية، والصحة النفسية، والتي تعتبر من القضايا الأساسية التي تثار في مثل هذه السياقات ومنها على سبيل المثال وليس الحصر :
توفير الغذاء والرعاية الصحية:
بالنسبة للغذاء , نعتقد أن تكون الوجبات الغذائية التي يتلقاها الأسرى في بعض الأحيان أقل من ثلاث وجبات يومياً أو تفتقر إلى التنوع، حيث قد لا تحتوي على الفواكه والخضروات , ولكن في غالب الأحيان، وبالرغم من الظروف الصعبة، نستطيع أن نتأكد من أن المقاتلين والأسرى كانوا يتناولون نفس الطعام، من حيث يتم تقسيم الحصص الغذائية بين الطرفين بشكل متساو ، وهو ما يعكس بدوره الخلفية الدينية والإنسانية المجموعة المحتجزة، لان مقاتلين حركة حماس يتبنون هذه الممارسات بناءً على عقيدتهم الإسلامية , أما بالنسبة للرعاية الطبي , فإن الأسرى في كثير من الأحيان يحتاجون إلى علاج مستمر، وخاصة أولئك الذين يعانون من إصابات جسدية أو أمراض مزمنة مثل كبار السن . ولكن يواجه هذا الأمر تحديات عدة ومن أبرزها الوضع الأمني الذي يمنع الوصول السهل إلى المرافق الصحية والأدوية اللازمة , كما أن القصف المكثف من الطيران الإسرائيلي والمدفعية والدبابات يشكل عائقاً إضافياً ، حيث يجد المقاتلون صعوبة في الوصول إلى الاماكن أو المستودعات التي تحتوي على المواد الطبية والغذائية الأساسية.
الصحة النفسية والمعاملة بين المقاتل و الاسير :
أما عن الجانب النفسي للأسرى، فإنه يعتبر من القضايا الجوهرية التي سيتطرق إليها الإعلام خلال مقابلاتهم مع هؤلاء الأسرى , فمع طول فترة الأسر، قطعآ يعاني الكثير منهم حاليآ من تأثيرات نفسية عميقة كانت تشمل سابقآ لديهم وقبل أطلاق سراحهم : فقدان الأمل بالخروج أحياء ، الحزن العميق، والشعور بالعزلة، بالإضافة إلى التوتر والقلق الناتج عن عدم وضوح المستقبل بالنسبة لهم . والظروف النفسية التي يعيشها الأسرى تجعلهم عرضة للتأثيرات النفسية والعصبية الحادة، والتي سوف تتطلب بعد عدة أيام من خروجهم إلى تقديم رعاية صحية نفسية متخصصة وهذا العلاج سوف يستمر لفترة طويلة من الزمن لدى البعض منهم أن لم نقلآ جميعهم.
ومع كل هذه التحديات , إلا أن المعاملة الإنسانية التي حتمآ بانهم تلقوها تظل عنصراً أساسياً في جميع الأوقات، وفي ظل هذه الظروف التي مروا بها . وهذا ما نأمل أن نسمعه في الأيام القادمة من تصريحات هؤلاء الأسرى، بعيداً عن أي تحيز وبكل حيادية وموضوعية ، بهدف تسليط الضوء على معاناتهم وما مروا به من تجارب قاسية ومن خلال فشل حكومتهم من التعنت بعدم قبل شروط وقف إطلاق النار التي عرضت قبل اشهر عليهم وإيجاد العراقيل المختلفة والذرائع التي طالت معها فترة بقائهم في داخل الانفاق او في الاماكن الخارجية ، مع مراعاة ذكر الجوانب الإنسانية التي تلقوها ويجب أن تظل في طليعة اهتمامات جميع وسائل الاعلام وليس فقط ان تسارع بأن تختلق قصص وهمية وتقوم بتشويه وتجريد الصورة الحقيقة من انسانيتهم التي كانوا عليها المسؤولين على سلامة الاسرى الشخصية والصحية.
يعتبر حاليآ بأن هذا الحدث في اعتقادنا أطول عملية احتجاز بالتاريخ مسجلة لغاية الآن , وفي اليوم 471 للحرب، يبدأ تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى صباح الأحد 19 ك2 2025 وسبقها فقط وكانت بدعم من حكومة إيران بقيادة آية الله الخميني، حيث احتجز الطلاب الثورة الإسلامية موظفي السفارة الأمريكية كرهائن لمدة 444 يومًا وبدأت الأزمة في 4 نوفمبر 1979 وانتهت بإطلاق سراح الرهائن في 20 يناير 1981.
أما بالنسبة الى الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية وما بقي منهم وما سوف يخرج منهم الى فضاء الحرية , فحدث ولا حرج وقد أشبعته منظمات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الأنسان والأمم المتحدة وغيرها الكثير من مراكز البحوث والدراسات العربية والأجنبية عن مدى سوء المعاملة التي يتلقاها الأسير الفلسطيني من قبل سجانيهم وكذلك إدارة السجون الإسرائيلية.
من الناحية الفردية والشخصية ,يعتبر الراحل المراسل السابق لوكالة “أسوشيتد برس” تيري أندرسون والذي احتجز في لبنان قرابة سبعة أعوام وبعد اختطافه من قبل منظمة الجهاد الإسلامي خلال الحرب الأهلية سنة 1985 وليكون بذلك الرهينة الأميركية التي عرفت أطول فترة احتجاز حتى الآن.
ولدينا كذلك الجندي الإسرائيلي “جلعاد شاليط” الذي أسرته حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عام 2006 وظل في الأسر لأكثر من 5 سنوات ” 25 يونيو 2006 لغاية 18 أكتوبر 2011 ” وتم إطلاق سراح “شاليط” وتم تسليمه من قبل حركة حماس إلى السلطات المصرية مقابل 1027 أسيرا / أسيرة من الفلسطينيين، منهم 477 في 18 أكتوبر والبقية بعد شهرين.