الجزء الثاني
أستهلال : هي سلسلة مقالات في النقد العقلاني للنص القرآني .. سأتناول في كل مقالة نصا قرآنيا محددا ، ومن ثم أعرض قراءتي الخاصة له بعقلانية وكل تجرد .
الموضوع : سأعالج في هذا الجزء ، النص التالي ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [ سورة الإسراء: 1] أولا سانقل التفسير المختصر للرحلة وفق تفسير الطبري ، منقول بأختصار / والمصادر تعج بتفاصيل هذه الرحلة ، من موقع (1) / http://quran.ksu.edu.sa ( ثبت الإسراء في جميع مصنفات الحديث ، روى الصحيح عن أنس بن مالك أن رسول الله قال : أتيت بالبراق وهو دابة أبيض ، فوق الحمار ودون البغل – قال – فركبته حتى أتيت بيت المقدس – قال – فربطته بالحلقة التي تربط بها الأنبياء – قال – ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاءني جبريل – بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال جبريل اخترت الفطرة – قال – ثم عرج بنا إلى السماء .. ثم أتيت بيت المقدس الأقصى فنزلت عن الدابة فأوثقته في الحلقة التي كانت الأنبياء توثق بها ثم دخلت المسجد وصليت فيه .. فقال لي جبريل ما سمعت يا محمد فقلت نداء عن يميني يا محمد على رسلك حتى أسألك فمضيت ولم أعرج فقال ذلك داعي اليهود ولو وقفت لتهودت أمتك – قال – ثم سمعت نداء عن يساري على رسلك حتى أسألك فمضيت ولم أعرج عليه فقال ذلك داعي النصارى أما إنك لو وقفت لتنصرت أمتك .. قالوا لجبريل : ومن معك قال : محمد قالوا وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم ، ففتحوا لي وسلموا علي وإذا ملك يحرس السماء يقال له إسماعيل معه سبعون ألف ملك مع كل ملك مائة ألف – قال – وما يعلم جنود ربك إلا هو .. ) . وفي تكملة الرحلة أنقل التالي وبأختصار من موقع (2) / https://www.masr3.com ( .. وظل جبريل يصعد بالرسول إلى جميع السماوات ، وفي كل سماء كان يُتم الترحيب برسول الله ، واستمر الصعود حتى وصلوا إلى سدرة المنتهى ، وهناك اقترب جبريل وبصحبته الرسول من الحجاب ، والذي فيه منتهى الخلق ، وعندها قام جبريل بترك الرسول ، واستلمه ملك آخر ، فقام هذا الملك بالصعود برسول الله إلى عرش الرحمن ، وهناك فرض الله سبحانه وتعالى على النبي وأمته الصلاة ، وكانت وقتها خمسون صلاة في كل يوم وليلة ) ، وظل الرسول يفاوض على تخفيض الصلوات الى أن وصلت الى : ( وظل الأمر على هذا النحو ، ورسول الله يرجع إلى ربه في كل مرة ، ويسأله التخفيف في عدد الصلوات ، حتى أصبحت خمس صلوات في اليوم والليلة ، وفي تلك المرة أراد موسى عليه السلام أن يرجع الرسول إلى ربه ، حتى يسأله التخفيف ولكن الرسول استحى من ربه .. ) . * سأكتفي بهذا المرور على بعض تفاصيل رحلة الأسراء والمعراج ، وللمزيد يرجى الرجوع الى المراجع ذات العلاقة .
القراءة : أولا – من القراءة الأولية ، نلاحظ عدم ذكر أسم ” محمد أو النبي محمد أو الرسول أو محمد رسول الله .. ” في النص ، لأنه ذكر فقط كلمة : ” عبده ” ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ .. ) ، فمن هذا العبد ! ، وهي تستخدم لكل عباد الله ! .
ثانيا – لو سلمنا جدلا أن الرحلة لرسول الأسلام ، فهل هي رؤية أم حلم ، وأن كان حقيقة أن محمدا هو المقصود هل سافر بروحه أم بالجسد ، وهو الذي يبينه المصدر (1) أعلاه ، حيث يبين ما يلي ” وهي هل كان إسراء بروحه أو جسده ; اختلف في ذلك السلف والخلف ، فذهبت طائفة إلى أنه إسراء بالروح ، ولم يفارق شخصه مضجعه ، وذهب معظم السلف والمسلمين إلى أنه كان إسراء بالجسد وفي اليقظة ، وأنه ركب البراق بمكة ، ووصل إلى بيت المقدس وصلى فيه ثم أسري بجسده ” ، ولكن المنطق يقول / ووفق تفكير السلف المفسرين ، أنه أسرى بجسده وفي اليقظة ، ولو كان بروحه لكان حال النص ، كما يلي ( سبحان الذي أسرى بروح عبده .. ) ! . أي أن معظم التفاسير تميل الى أنه أسرى بجسده يقظا !! .
ثالثا – في موقع الألوكة الشرعية ، يعطي سببا لهذه الرحلة ، وهوأرادة الله لتقليل الضغط على الرسول ، حيث يبين التالي : ( ولقد اشتدَّ إيذاء قريش له ولأصحابه ، عقب وفاة زوجه خديجة وعمه أبي طالب ، قبل الهجرة بثلاث سنين ، وكان لهما في تسليته والتخفيف عنه أثرٌ عظيم . ) ، والتساؤل هنا هل أن الله يأخذا محمدا برحلة سماوية بصحبة جبريل وعلى البراق ، من أجل الترويح عنه ! ، وهل من مهام الله الترويح عن الأنبياء في أحزانهم ! .
رابعا – هناك أشكاليات متعددة في التفسير منها : ” عدد الصلوات ” ، والتي خفضت من 50 صلاة الى 5 صلوات ، وبجهد وتلقين من النبي موسى ! ، التساؤل هنا هل كلام الله يخضع للتفاوض ! ، أم كلامه لا رجعة فيه ، خاصة وهناك آية بالقرآن تنص على ذلك ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ 82 / سورة يس ) ، ومن جانب أخر ، هل تحديد عدد الصلوات يكون بهكذا أسلوب من الكر والفر ! .
خامسا – أشكالية أخرى ، وهي في وجود المسجد الأقصى وقت رحلة الرسول ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى .. ) ، حيث أن الرسول توفى ” في عام 11 هجرية المصادف يوم الأثنين 12 ربيع الأول / نقل من موقع / موضوع ” ، أما المسجد الأقصى ف ” بني في 73 هجرية / نقل من موقع / اليوم السابع ” ، هنا نكون أمام تضارب تأريخي في الحقائق ! حيث أن المسجد الأقصى لم يكن قد بني وقت الأسراء والمعراج ، بالرغم من كل ذلك أن شيوخ الأسلام يجدون حلا لأي تقاطع أو تضارب في الوقائع والأحداث والحقائق ، حيث يبين ابن حجر في الفتح ( كتاب أحاديث الأنبياء ) : (( إن أول من أسس المسجد الأقصى آدم عليه السلام ، وقيل الملائكة ، وقيل سام بن نوح عليه السلام ، وقيل يعقوب عليه السلام ” ، وقال كذلك : ” وقد وجدت ما يشهد ويؤيد قول من قال : إن آدم عليه السلام هو الذي أسس كلا المسجدين ، فذكر ابن هشام في ( كتاب التيجان ) أن آدم لما بنى الكعبة أمره الله بالسير إلى بيت المقدس وأن يبنيه فبناه ونسك فيه”. / نقل من موقع طريق الأسلام )) . * وهذا الأمر غير منطقي حيث يعطي عدة أحتمالات للذي شيد المسجد الأقصى ” أدم ، الملائكة ، سام بن نوح ثم قيل يعقوب ” ، وهذا التعدد يعطي عدم مصداقية لرواية أبن حجر ! .
الخاتمة : غذيت شخصية رسول الأسلام من ينابيع الميثولوجيا / علم الأساطير ، وذلك من أجل أضفاء نوعا من الهالة الأسطورية والقداسة لصورته مع أعطاء رمزا غيبيا لسيرته ، وتمثل هذا جليا في نص ” الأسراء والمعراج ” ، ومن المؤكد هذا لم يأتي من فراغ ، بل أنه مرتبط بسرد متخصص لغرض تشكيل صورة مبهرة للرسول ! . وأرى أن خلفية رحلة محمد مستقاة من عدد من الأساطير ، منها التالي : ( دونت كتب الزراداشتية منذ 2600 سنة ان اول من امن بزراداشت بعد نزول الوحي عليه زوجته هافويه و ابن عمه ميتوماه ، وذكرت معراج زرادشت على ظهر حصان طائر الى السماء ، خلدت الرسوم الحجرية و كتب الزرادشتيين قصة معراج زرادشت منذ 2600 سنة ، النبي زرادشت صعد الئ السماء بواسطه طائر كبير يشبه الئ حد ما الثور المجنح الاشوري وكان لزرادشت موعد مع الاله اهوارا مازدا ” الاله النور ” لكي يعلمه : الحكمه ويعطيه الشرائع ورافق زرادشت من السماء الاولئ الئ السماء السابعه ملاك عظيم .. نقل بأختصار من الموقع التالي : https://nidaatatsache.wordpress.com/ ) ، وكذلك قصة صعود ايليا الى السماء ، حيث جاء في / 2 Ketab El Hayat (NAV)، التالي ( عِنْدَمَا أَزْمَعَ الرَّبُّ أَنْ يَنْقُلَ إِيلِيَّا فِي الْعَاصِفَةِ إِلَى السَّمَاءِ ، ذَهَبَ إِيلِيَّا وَأَلِيشَعُ مِنَ الْجِلْجَالِ. فَقَالَ إِيلِيَّا لأَلِيشَعَ: « امْكُثْ هُنَا أَنَّ الرَّبَّ قَدْ أَوْفَدَنِي إِلَى بَيْتِ إِيلَ». فَأَجَابَ أَلِيشَع ُ: «حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ، وَحَيَّةٌ هِيَ نَفْسُكَ إِنِّي لَا أَتْرُكُكَ » فَانْطَلَقَا مَعاً إِلَى بَيْتِ إِيلَ . / نقل من الموقع التالي بأختصار https://www.biblegateway.com) . ، وبما أن الحقبة الزمنية للسيد المسيح يفصلها عن رسول الأسلام ستة قرون ، فلا بد من أضفاء هذه الصورة الأسطورية للرسول ، تمثلا وتشبها بالمسيح ، ولكن المسيح شخصية أخرى يصعب أن يشبه بها أي كائن ، حيث يقول ، ” سي. إس. لويز ” – وهو كاتب وباحث إيرلندي وُلد في 29 نوفمبر 1898 وتوفي في 22 نوفمبر 1963. تنوعت اهتماماته بين أدب القرون الوسطى وعلم العقائد في المسيحية والنقد الأدبي ، حيث قال عن السيد المسيح : ” إنها أسطورة لكنها وقعت ” . * وأنا أقول ، نعم أن المسيح هو الأسطورة الحقيقية الوحيدة في العالم التى حدثت فعلا ، والكثير يشهد لها ، أما صعوده الى السماء لم يكن حلما ، أو رؤية ، أو في اليقظة ، بل كان صعودا ، على رؤوس الأشهاد ، أمام تلامذته وأتباعه ، وأنقل المقطع التالي ، حول صعود السيد المسيح الى السماء ( نقرأ قصة صعود الرّب يسوع في سفر أعمال الرّسل 9:1-12 “وَلَمَّا قَالَ هذَا ارْتَفَعَ وَهُمْ يَنْظُرُونَ . وَأَخَذَتْهُ سَحَابَةٌ عَنْ أَعْيُنِهِمْ . وَفِيمَا كَانُوا يَشْخَصُونَ إِلَى السّماء وَهُوَ مُنْطَلِقٌ، إِذَا رَجُلاَنِ قَدْ وَقَفَا بِهِمْ بِلِبَاسٍ أَبْيَضَ، وَقَالاَ :” أَيُّهَا الرِّجَالُ الْجَلِيلِيُّونَ ، مَا بَالُكُمْ وَاقِفِينَ تَنْظُرُونَ إِلَى السّماء ؟ إِنَّ يَسُوعَ هذَا الَّذِي ارْتَفَعَ عَنْكُمْ إِلَى السّماء سَيَأْتِي هكَذَا كَمَا رَأَيْتُمُوهُ مُنْطَلِقًا إِلَى السّماء “. / نقل من الموقع التالي https://www.linga.org/varities-articles/ODEyNA . ) .
* من كل ما سبق ، أرى أن نص الأسراء والمعراج نصا يرتبط بحقبة ماضوية جاهلية قبلية ، كان العرب / جلهم ، لا يقرأون ولا يكتبون ، وليس لهم أطلاع على أمهات الكتب فلسفية كانت أو دينية ، فالرسول جاء في هكذا حقبة ، تتميز بفراغ عقائدي وفكري ، والوعي الثقافي شبه منعدم ، والوعي كان نخبويا ، والمجتمع القبلي من الممكن أن يصدق ما يقال له ، فالنص أبهر القوم ، كل هذا من جانب ، التساؤل لو جاء هذا النص في ظرف زماني ومكاني قريب من حقبتنا الزمنية ، هل سيؤمن به المجتمع ! ، من المؤكد لا . ومن جانب أخر ، أرى أن شيوخ ورجال الأسلام يتحملون وزر دفن هكذا خرافات في عقول المسلمين .