23 ديسمبر، 2024 11:03 ص

قراءة “كوميدية” لتراثنا

قراءة “كوميدية” لتراثنا

على تعدد أنماط قراءة تراثنا العربي ـ الإسلامي بنسختيه السنية ـ الشيعية فإنه بقي حكرأ على رؤية مسبقة مغلفة بالمزيد من القدسية. ولو كلف أحدنا نفسه عناء البحث في بطون الكتب (والغالبية العظمى منها صفراء فاقع لونها لكنها لاتسر الناظرين ناهيك عن القارئين والباحثين) لن يجد مؤرخأ أو باحثأ أو فقيها أو فيلسوفأ أو  متكلما او متفيقها أو كاتبا أو شاعرأ أو مدبجأ قدم قراءة مختلفة تفضخ  المسكوت عنه في هذا التراث بقالب تهكمي, أوساخر. 
بل العكس هو الصحيح تمامأ. فبسبب تعنت كل طرف وفرحهم بما لديهم مما يفتخرون به حقا أو باطلأ فقد أخذوا يوسعون مساحة المقدس بحيث شمل كل شئ حتى تلك الفتاوى المتعلقة بالحيض والنفاس والنجاسة من كلا الطرفين. لكن المفارقة التي لفتت الأنظار بقوة إن حلقة من مسلسل تلفزيوني ساخر كشفت الكثير مما هو غاطس مما عد من باب المقدسات والمحرمات في تفكير نمطي دفع كل من الشيعة والسنة طوال 1400 سنة أثمانا باهظة بسببه. فمن على قناة “أم, بي, سي” قدم الممثل السعودي السني ناصر القصبي في برنامج “سيلفي” الذي يخرجه العراقي الشيعي أوس الشرقي قراءة جديدة للتراث بتوظيف إسمي “عبد الزهرة” و”يزيد”.         مشيئة الأقدار شاءت  وبسبب خطأ طبي أن ينشأ عبد الزهرة في أسرة شيعية حيث حمل إسمها بينما هو في الأصل ينتمي الى أسرة سنية بينما نشأ يزيد في أسرة سنية حيث منحته إسمها بينما هو ينتمي بالأصل الى أسرة شيعية. لكن بعد إكتشاف الخطأ الطبي يعود كل من عبد الزهرة ويزيد الى أسرتيهما الأصليتين حيث يكتشفان أن معتقدات كل أسرة عن الأخرى غير صحيح بالمرة. وبالقلم العريض إكتشف السني الذي تربى في أسرة شيعية إن ما يتداوله أهله الأصليون عن الشيعة غير صحيح بالمرة كما إكتشف الشيعي الذي تربى في أسرة سنية إن ما يتداوله أهله من مفاهيم عن السنة ليس صحيحأ.
هذه المعالجة الدرامية وفي إطار حلقة من برنامج وبلمسة كوميدية ساخرة قد يصعب القول إنها عالجت تاريخ الخلاف السني ـ الشيعي سواء على مستوى العقيدة أو الفقه أوالعادات والتقاليد والطقوس لكنها كسرت حاجز الخوف الوهمي من ولوج منطقة خطرة مثلما يرى الكثيرون. ذلك أن الكثير من معتقدات السنة والشيعة تجذرت بطريقة تحتاج الى اليات اخرى للتفكيك عجز عنه الاولون والآخرون من الفقهاء والمصلحين والمفكرين والمؤرخين الذين إنتهى غالبيتهم الى مقاربة واحدة تقريبا تكمن في التسامح.
 لكن دعوات التسامح جاءت عقب إدراك الجميع أن من الصعب تفكيك ما قد يكون دخل في أعماق النفوس على إنه معتقدات راسخة. الأكثر أهمية هو ما حصل بعد بث الحلقة على الهواء حيث بدا في تقديري هو الأهم. فبينما رمى القصبي ـ الشرقي حجرأ في بركة راكدة فإذا بما اعقبها من فيضان لم يكن متوقعأ وهو الذي يمثل القيمة الحقيقية للفن الناجح الذي كسر حاجز الوهم لا الخوف  في رؤية كل طرف للآخر.  فبطلي النزاع (الشيعة والسنة) إنتهيا عبر الإشادة بالحلقة حيث إشتعلت على مدى أيام مواقع التواصل الإجتماعي الى نتيحة واحدة وهي إنهما شبعا ضحكا ليس على أداء  القصبي بل على .. نفسيهما.