لازال سعر الصرف هو الشغل الشاغل للعراقيين لأنه مرتبط بأغلب النشاط الاقتصادي في البلد وبالتالي تأثيره على الجميع.
بدأ الأمر مع إجراءات المنصة الأمريكية والتفاوت والتقلب الكبير لسعر الصرف في السوق الموازي (السوق السوداء) والفرق بينه وبين السعر الرسمي وقامت الحكومة بعدة إجراءات لمواجهة ذلك أهمها قبول استقالة محافظ البنك المركزي السابق وتكليف محافظ آخر وتخفيض سعر الصرف الرسمي إضافة إلى اعتقال عدد من المضاربين وإصدار عدة حزم من التعليمات المتعلقة بهذا الشأن وتحويل الأموال وتوفير العملة الأجنبية للمواطنين والشأن الاقتصادي بصورة عامة.
عقدت الحكومة عبر محافظ البنك المركزي عدة اجتماعات في اسطنبول مع الخزانة الأمريكية كانت أغلب المؤشرات حولها إيجابية لصالح الحكومة وحالياً تجري مشاورات بين الجانب العراقي برئاسة وزير الخارجية وعضوية آخرين والحكومة الأمريكية وتزامن ذلك مع مطالبة ثلاثة جمهوريين من أعضاء لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الأمريكي حكومة بايدن بمعاقبة العراق وشخصيات محددة فيه كونها حكومة عميلة لإيران وتخوض الجهات المعارضة للحكومة والإطار حرب إعلامية شرسة في مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية لإثبات إن إجراءات الحكومة لن تنجح في معالجة مشكلة سعر الصرف وإن الحكومة في طريقها للإنهيار، تقابل ذلك تصريحات من الأطراف الحكومية أو المؤيدة لها أو المحايدة تتهم أطراف داخلية وخارجية بتأجيج الوضع وبالمساعدة في استمرار تهريب العملة عبر كردستان أو وسائل أخرى وارتفاع واضح في مبيعات البنك المركزي العراقي من الدولار في الثلاثة أيام الأخيرة.
واقعياً لازال هناك فارق ليس بقليل بين سعر الصرف الرسمي والسعر في السوق الموازي(من 18 إلى 20 ألف) والمعلومات عن اجتماعات واشنطن شحيحة سوى التصريح المهم بالسماح بترتيب الحوالات للصين مع بنك جي بي مورغان الأمريكي وهو أمر يسهل كثيراً التحويلات التي كانت تجري حصراً عبر الإمارات وهي المتهمة الأكبر في تهريب العملة والتي خضعت لنفس الإجراءات الأمريكية التي خضع لها العراق بفرض المنصة مع الفارق بين صلاحية حكومة الإمارات المطلقة في الإجراءات والحكومة العراقية التي تتجاذبها التأثيرات الداخلية والخارجية والإعلام والفساد الكبير في أغلب المفاصل.
التصريح الأخير لوزير الخارجية بأن المنصة مستمرة والمفاوضات مستمرة سوقه الإعلام المضاد على إنه فشل في المفاوضات مستدلاً بما قدمه النواب الجمهوريين.
فما هي حقيقة الأمر يا ترى وهل يمكن استقراء توجه حكومة بايدن في هذا الجانب وخططها للتعامل مع العراق وحكومته الحالية؟
وهل ستنجح الإجراءات الحكومية في خفض سعر الصرف في السوق الموازي إلى معدلات مقبولة؟
وفقاً لتصريحات السفيرة الأمريكية في العراق وممثلة الأمم المتحدة في العراق والاتصالات بين حكومة السوداني وحكومة بايدن ووفقاً للنهج المتعارف عليه عند الديمقراطيين في التعامل مع الشرق الأوسط والعراق بصورة خاصة ورفضهم السابق من خلال كامالا هاريس-نائبة الرئيس الأمريكية الحالية وعضو لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي في حكومة ترمب- وفقاً لما جاء في مذكرات وزير الخارجية ومدير المخابرات الأمريكية الأسبق بومبيو ، رفضهم لمعاقبة العراق والتعامل بنهج عدائي علني معه واعتباره محتلاً من قبل إيران، وفقاً لمحللين فإن الموقف المعلن للنواب الجمهوريين الثلاث غير مقبول ليس من حكومة بايدن الديمقراطية فقط بل هو ليس محل ترحيب من الجمهوريين أنفسهم ووفقاً لهم أيضاً فإن حكومة السوداني قد تستخدم ملف الغاز كورقة تفاوض وكذلك تنظيم العلاقات مع كردستان التي تعيش مرحلة صراعات كبيرة بين الحزبين الحاكمين وكذلك قد تدخل الأردن والعلاقة مع الدول العربية كورقة ضغط أيضاَ، ووفقاً لآخرين فإن هذا الموقف هو نتاج اللوبي الكردي أو الخليجي في أمريكا وإنه لن يتطور لأكثر من ذلك.
مما ذكر سابقاً يبدو إن خطوات حكومة السوداني في محاربة التهريب والسيطرة على وضع العملة مقبولة إلى حد ما لدى حكمة بايدن، ولكن السيطرة على تهريب العملة وتنظيم إجراءات التحويل الخارجي الفوضوية السابقة واعتياد رجال الأعمال على طرق غير رسمية واضطرار بعضهم لذلك في الفترة السابقة يتطلب وقتاً كما إن تأثير الإجراءات على السوق فعلياً يتطلب وقتاً، لذا وفقاً لكل ما سبق فإن استقرار سعر الصرف في السوق الموازي هو المرجح ولكن تدريجياً وصولاً إلى فارق سعر معقول (8 آلاف دينار) بين سعر الصرف الحكومي والسعر المتداول في السوق وقد يصل الأمر لتطابق سعر السوق الموازي مع السعر الحكومي فيما لو نجحت الحكومة في اعتماد العملة العراقية كعملة تجارة داخلية دون وساطة الدولار.
الحديث عن التخلص من المنصة نهائياً حديث غير واقعي في هذه المرحلة وكذلك التخلص النهائي من سيطرة الفيدرالي الأمريكي على واردات النفط ولكن الأخير قد يكون ورقة ضغط قصوى بيد الحكومة فيما لو فشلت كل المفاوضات وشخصياً استبعد فشلها فما يهم الأمريكان حالياً هو التقليل من احتمالية اعتماد العراق كمنصة لتجاوز العقوبات الأمريكية على إيران وروسيا ولو شكلياً بما يخدم حكومة بايدن انتخابياً وإجراءات الحكومة العراقية كما أسلفت مقبولة أمريكياً لحد الآن بمستوى معقول.
الخلاصة إن الأمور ستتجه تدريجياً للاستقرار في سوق العملة ولكن ربما هذا سيتطلب بضعة أشهر أو بضعة أسابيع اعتماداً على ما سيسفر من نتائج لمفاوضات واشنطن وأنصح المعارضين للحكومة باستخدام ملفات أخرى حقيقية للمعارضة لأن هذا الملف والجدل فيه يضر الشعب واقتصاد البلد أكثر مما يضر الحكومة والمسؤولين، وأنصح الحكومة بمتابعة سلوك وتصريحات المضاربين الكبار وسلوك المسؤولين في كردستان لأنها عدائية تجاه الموضوع وتقوض الكثير من الإجراءات الحكومية التصحيحية.