تنفتح عوالم الرواية منذ الوهلة الاولى على مسارات متشعبة، تحاكي الواقع بكل صلاته، فمن العنوان (عشر صلوات للجسد)، نلامس تلك اللمحة التي تجمع بين ال ” صلوات ” ، والجسد، ويفرض علينا العنوان الانتباه لامر مهم، لكونه لايقدم لنا صلوات الجسد، التي قد تخلتف في طقوسها ومضامينها عن الصلوات التي تقدم للجسد، وهنا المفارقة، فالرواية من خلال عنوانها بلاغياً تقدم لنا نقلة مغايرة عن السائد الذي يمكن للكاتب او المتلقي ان يتعايش معه ذهنياً، وعلى ذلك الاساس نجد الروائية وفاء عبدالرزاق، في تميزها ومغايرتها للسائد تحاول بناء رؤية لاتعتمد على الظاهر الملتقط من اتون الواقع سواء التاريخي ” ميتاتاريخ ” او الميثولوجي المسيطر على ذهنية الواقع الملتقط منه الحدث الرئيسي والذي منه تتفرع الاحداث لتتحول من خلال السرد او الميتار سرد الى التقاطات شمولية عبر الدخول في بؤر سردية تربط احداها بالاخرى، او تكمل احداها الاخرى.
بُنيت الرواية على اسسس جمعت بين الميتاتاريخ والميثولوجيا، فقد تعمدت الروائية ان تتوغل في ذلك العمق التاريخي، لتمسك باولى خيوط للحِراك النسائي – المرأة – حيث تبرز ملامح ” إنهيدوانا ” الكاهنة المنغمسة في غياهب الحب والتسامح، والتي بروحانيتها وارتباطها الوثيق بالالهة “إنانا” استطاعت تغرس اولى بذور الحب في الارض التي تسعى الروائية من خلال نصوصها دائماً على تنقيتها من براثين الصراع والتفكك والدم المراق بغير حق، وهي بذلك تحاول انتاج رؤية تلاحمية حلولية ترابطية بين الان وبين الماضي السحيق، حيث اللغة هي الحب، والوجود يتمثل بالتسامح، والانسان انسان، مهما كانت جنسيته، ثقافته، ديانته، فالجامع الاول والاخير بينهم هو الارض ، والرواية هنا لاتحاول فقط خلق واقع جديد، انما تؤكد على جذور ذلك الواقع، وانه ليس على الانسان سوى احياء معالم ذلك الواقع، وتأتي تلك الايحاءات الرامزة على لسان بطلات الرواية التي يمثلن مشاكل وجودهن الحاضر بعين الكاهنة، فالمرأة بين عنفوان الجسد والشهوة من جهة، وبين وجودها ككائن فعلي تشاركي في الوجود نفسه اشكالية تصدرت الكثير من الدراسات والقصص والقصائد والنصوص النثرية والروائية، ولكن في رواية ” عشر صلوات للجسد ” اختلفت الرؤية، وحتى اسلوبية الطرح اختلف، فالروائية وفاء عبدالرزاق لم تقحم المرأة في صراعات العصر من خلال مفاهيم الاستغلال الجسدي والجنسي وغير ذلك، انما جعلت نساءها يتخذن من اسلوب حياتهن طرحاً مغايراً للفكرة، والرؤية، حيث نلامس في حركية السرد لديها دوائر نسوية تحفر في جدران الواقع من خلال سلوكياتهن بجدليات لاتقف عند حدود واحدة بل تعددية واضحة في الطروحات ” العشق ، الخيال ، الاختناق، الانبعاث، الحكمة، والجسد، والارض….”، والعديد من المجالات الاخرى التي يمكننا ان نستنبطها من سلوك نساء وبطلات الرواية، اللاتي يخرجن من تعددية انتمائية ووفق نمط اجتماعي مغاير، بحيث تضعنا الروائية امام ثقافات ومجتمعات متباينة ” الهند في شخصية هينار ، ومهيرة من باكستان، وبربارة من المغرب، وخضرة يهودية الديانة، ودلكش ذات الاصول الايرانية، وقبس وفتنة.. وغيرها”، حيث جمعت بين الثقافات الشرقية والغربية والديانات الشرقية والغربية، فضلاً عن اقحامها لشخصيات تاريخية ذات ابعاد دينية ايضاً كزبيدة العباسية، وجان دراك القديسة، والكثير من الشخصيات اللاتي ان تمعنا النظر اليها وجدنها تغطي غالبية جغرافية العالم المعاصر، ليس من حيث الحدود الجغرافية فحسب، انما من حيث الدوائر الانتمائية الاصغر الى الاكبر الى الاكبر، تلك الدوائر التي تمنحنا كمتلقين مساحة تخييل واسعة بحيث عند محاولتنا لجمع الصور ببعضها نجدنا نعيش عمق الاشكالية الاجتماعية للمرأة في جميع تلك الدوائر، فمن ترسبات الحياة القبلية الى تراكميات الاعراف الاجتماعية، ومن ثم مثاليات التشريعات الدينية المنوعة الرسالاتية والسماوية والارضية، مع كماليات الحياة المعاصرة، كل تلك الصور المتداخلة تتجمع على لسان بطلات ونساء الرواية، لتجعلنا نقف على مضامين منوعة وذات ابعاد فكرية ووجدانية عميقة جداً.
ما يلفت النظر في الرواية ايضاً تلك الابعاد التي عملت الروائية عليها، بالاخص فيما يتعلق بالشخصيات التي وجدنا ظلالهم تقتحم بعض الاسطر والتي تحمل مدلولات تاريخية واخرى سياسية، فالعمق التاريخي الذي نلاحظه من الموروثات السومرية القديمة والاكدية ايضاً من خلال احد ملوكها سرجون الاكدي، نجد له بعد اخر في شخصيات اخرى كالخيزران زوجة الخليفة العباسي المهدي، في حين نستحضر شخصيات ثقافية وادبية كديستوفسكي وجلال الدين الرومي تضعنا الروائية امام بولا الكولومبية، وزبيدة العباسية، وغيرها من الشخصيات التي حين نحتكم الى فعالية وجودها نؤمن بفعالية وجودهن في المقابل، وكل ذلك من خلال البناء السردي الموفق على لسان الراوية الاساسية في الرواية ” أزاهير ” التي غالباً ما نسمع صدى صوتها من خلال المرايا التي تستشهد الراوية بها للتعبير عن المحاورات الجوانية لبطلات الرواية ونسائها، فالاصوات المسموعة احيانا تتعدى كونها صدى لتمتمات البطلات امام تلك المرايا، فماوراء الجدران حيث يكتظ اولئك الذين استطاعوا من خلال سطوتهم كبت انفاس المرأة ، هم انفسهم الذين لايتركون المرأة حتى في احلامها ان تعيش بامان، وذلك ما فرض نوع من التضاد في شخصية الرجل بنظر المرأة وذلك التضاد الازدواجية غير مقتصرة على ثقافة معينة، او دين معين، او قوم معين، انما هي شبه طاغية على اغلب الثقافات تلك، ودائما الضحية هي المرأة، وبذلك استطاعت الروائية وفاء عبدالرزاق ان تقدم لنا انموذج روائي ميتاتاريخي وفق اسلوب ميتاسردي مميز ومتمكن.