منذ عام 2003 وحتى انتخابات 2025، ظل المشهد الانتخابي العراقي محكوماً بتحولات سياسية واجتماعية متسارعة، انعكست على طرق وأساليب الترويج الانتخابي التي اتخذتها الكتل والأحزاب والمرشحون.
في البدايات، كان الصوت الانتخابي وليداً لمناخ استثنائي قائم على التحول من النظام الشمولي إلى التعددية، وكانت أدوات الترويج بدائية في أغلبها، تعتمد على الملصقات الكبيرة التي تملأ الجدران والشوارع، والشعارات العامة التي تركز على الهوية الدينية أو القومية أو الرمزية التاريخية، بينما كان الإعلام الفضائي الوليد يشكل منبراً لاظهار صور المرشحين، دون أن يمتلك أدوات مهنية راسخة.
ومع مرور السنوات وتكرار الدورات الانتخابية، بدأ الترويج يتحول إلى ظاهرة أكثر تنظيماً، إذ دخل المال السياسي بقوة، وأصبحت الحملات أكثر احترافية في استخدام الصور الضخمة واللافتات المضيئة، وتنظيم المهرجانات الشعبية والولائم واللقاءات الميدانية في المدن والأرياف على حد سواء، متكئة على وعود تنموية وخدماتية غالباً ما بقيت حبيسة الخطابات.
ومع صعود الإعلام المرئي وتكاثر القنوات الحزبية، باتت الحملات تعتمد على البرامج الحوارية والإعلانات المدفوعة، وحضور المرشحين المكثف عبر الشاشات، الأمر الذي جعل صورة السياسي مرتبطة بشكل مباشر بقدرة قناته أو داعميه على تسويق خطابه.
غير أن التحول الأبرز جاء مع اتساع فضاء الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي منذ عام 2010 تقريباً فصاعداً، حيث انتقلت الحملات الانتخابية إلى الفضاء الرقمي، فظهرت الصفحات الممولة، أو حتى ما يسمى بـ”الجيوش الإلكترونية”، وصناعة الرأي العام عبر الحملات المنظمة التي تستهدف شرائح الشباب خصوصاً. ومع انتخابات 2018 ثم 2021، صار للتواصل الرقمي الكلمة الطولى، بينما تراجع تأثير الأدوات التقليدية مثل الملصق أو الخيمة الانتخابية، وإن لم تختفِ تماماً.
وبحلول انتخابات 2025، بدا الترويج الانتخابي أكثر تعقيداً وتنوعاً، إذ اجتمعت فيه خبرة عقدين من التجربة العراقية مع تطور التقنيات الحديثة، فأصبح المرشح مطالباً بالجمع بين الحضور الميداني المباشر لبناء الثقة، وبين إدارة حملات إلكترونية تعتمد على التحليل الديمغرافي لتوجيه الرسائل بحسب الفئات الاجتماعية. كما صار الخطاب الانتخابي نفسه أكثر براغماتية وأقل أيديولوجية، يركز على ملفات الخدمات والاقتصاد والفرص الشبابية، وإن بقيت في العمق الولاءات والهويات التقليدية مؤثرة في تحديد اتجاهات التصويت.
وهكذا، يمكن القول إن مسار الترويج الانتخابي في العراق من 2003 إلى 2025 يمثل رحلة انتقال من العفوية والرمزية والشعارات الكبرى إلى التقنية والتنظيم والدعاية الرقمية، لكنه في جوهره ظل يعكس التوازنات السياسية والاجتماعية التي لم تتغير جذرياً بقدر ما تغيرت أساليب تسويقها وصياغة خطابها.