لا يختلف أياً من المهتمين في المشهد السياسي في الشرق الأوسط في إن الأحداث الجارية الآن أسفل جزيرة العرب ما هي إلا رسالة قوية وواضحة من القيادة السعودية الجديدة الى (إيران) المنافس الإقليمي القوي على بسط النفوذ في المنطقة فلطالما كانت السعودية تحاول ممارسة نفوذها على جارتها الجنوبية ولكن على طريقتها المعتادة في ضخ الدولارات لشراء الذمم من خلال إستخدامها وتسخيرها لبعض القبائل الحدودية معها . إن أشد ما يقلق ملوك وأمراء الخليج بشكل عام والسعودية بشكل خاص هو المخاوف من تدخل إيراني سريع وأساسي لدعم الحوثيين التي تدعم قضيتهم إيران وبشكل مكشوف ومعلن ، خاصة بعد أن تمكنت السياسة الإيرانية الطموحة والذكية من ضمان حضورها المميز في كل من العراق وسوريا ولبنان . ولمن لايعرف طبيعة المجتمع اليمني أود الإشارة هنا الى المخاوف التي سمعتها من أحد الأصدقاء الذين عاشوا فترة طويلة من الوقت في هذا البلد ، والذي أفصح عن كارثة ربما ستحل في هذا البلد نتيجة ما يجري الان بسبب الصبغة القبلية التي تسود مجتمعه من حيث العادات والتقاليد والفهم السطحي والخاطئ في احيان كثيرة للكثير من الأمور بما فيها الدين فضلاً عن العلاقات الإجتماعية التي لا تخلو من التشنجات القبلية والموروث المُتأتي من أعماق الجهل والفقر والتخلف . لذا أعتقد أنه لا يمكن ان يحكم بلد ذات تعقيد واضح في تركيبته الإجتماعية ومستواها الفكري كاليمن بهذا الاسلوب والطريقة التي تنوي السعودية فرضها ، فلا وجود لخطوط واضحة لدى كل طرف متصارع في اليمن بل مجموعة مظالم تنتشر هناك وهناك .إن ما تمخض عنه مؤتمر شرم الشيخ من تشكيل قوة عربية مشتركة لمواجهة كافة أشكال التهديدات المحيطة بالمنطقة ما هو إلا محاولة عربية لا تخلو منها رائحة الطائفية لتشكيل محور سني مكافئ للمحور الشيعي الذي تتصدره ايران التي تتنامى قدراتها السياسية والعسكرية والتقنية يوما بعد يوم .
إن كل من أجتمعوا في شرم الشيخ نسوا أن من ساهم في تدمير الهوية العربية هو حملة الفكر القومي الذي يحمله جرذان تلك الأمة (الأكذوبة) منذ منتصف القرن الماضي وحتى سقوط نماذجهم الاخيرة في ما أسميه بالحريق العربي ، وهاهم اليوم يعودون لنفس الخطأ الذي أرتكبه أسلافهم بتدمير ما تبقى من الهوية العربية ولكن بعقلية طائفية هذه المرة . لذا أعتقد متيقناً أن لا وجود ولا مستقبل لأمة عربية في ظل العقليات المتعفنة التي تحكم البلاد العربية. إن المخاوف الخليجية تأتي من النظرة الى الحوثيين على أنهم جماعة موالية لإيران التي تزايد نفوذها في المنطقة مع قرب توقيع إتفاق إيراني ـ غربي حول الملف النووي الإيراني . وإن ما شجع السعودية على قيادة ذلك التحالف (المحور السني العربي) هو المبالغة الكثيرة من قبل إيران في التدخل في كل من العراق وسوريا تحت ذريعة مقاتلة داعش ، وهذا بالتأكيد أمر يثير الخوف والرعب لدى العديد من دول المنطقة وفي مقدمتها السعودية ، فما كان من القيادة السعودية الجديدة إلا أن تبادر لاستعراض عضلاتها وبدعم أميريكي واضح لكبح جماح المتمردين من الحوثيين في اليمن خوفاً من تزايد النفوذ الإيراني الذي أصبح يهدد عروش حكام الخليج التي لا تخلو بلدانهم من نسبة كبيرة من الطائفية الشيعية ، وهذا بحد ذاته مصدر قلق وأزعاج وخوف من مستقبل الأحداث التي بدأت تتسارع بشكل خطير ، فإذا ما حصل إتفاق غربي ـ إيراني حول البرنامج النووي الإيراني فهذا كفيل لوحده بزيادة حدة التوترات في منطقة الشرق الأوسط ، فدول المنطقة ليست على إستعداد لرؤية إيران نووية من شأنها أن تشكل تهديداً وخطراً لأغلب دول المنطقة وفي مقدمتها إسرائيل ودول الخليج فضلا عن تركيا التي تحاول بهدوء خلع لباسها العلماني وارتداء لباس الاسلام الراديكالي وهذا واضح من خلال السلوكيات والسياسات التي تنتهجها سياسة أردوغان في تقديم كل انواع الدعم لحملة الفكر المتطرف وتدخلها السافر في شؤون العديد من بلدان المنطقة . وهنا لابد من الاشارة الى ما تحقق من
انتصارات عراقية على مختلف جبهات المواجهة مع داعش والذي اثار استياء الادارة الاميركية بل شكل مفاجأة لها ، أذ ان هذه الانتصارات ( المدعومة من ايران ) بحسب رأيي قد شكلت احدى دعائم تشكيل هذا الحلف العربي لضرب الحوثيين فما كان من الادارة الاميركية الا ان تمهد لتأسيس تحالف عربي (سني) يوضع تحت التجربة يستفاد في جوهره لمواجهة ايران فيما لو وصلت المفاوضات النووية مع الغرب الى طريق مسدود وفي ظاهره لمواجهة الخطر الشيعي المتمثل بمحور ( العراق –ايران – سوريا – لبنان) ، لقد كانت اليمن هي حقل التجربة التي يجب على الحلفاء العرب ان يخوضوا غمارها وان مسألة تقييم نتائج تلك التجربة ستُدرس في مختبرات الغرب وصناع القرار ومن دفعوا بالاغبياء ممن يتسيدون القرار العربي الى أتون محرقة لا أعتقد انها ستقف عند حدود معينة .