18 ديسمبر، 2024 10:48 م

قراءة في محاولة الاستاذ هاشم الرجب فك معميات الموسيقى العربية

قراءة في محاولة الاستاذ هاشم الرجب فك معميات الموسيقى العربية

كان استاذي الفاضل الدكتور طارق حسون فريد
الذي اكمل دراسته العالية في جامعة كورمنسكي ، فرع العلوم والتربية الموسيقية ، وكانت اطروحته ( العود ، الالة الموسيقية العربية) الداينمو الديناميكي النشط لحث الشباب العراقي على دراسة الموسيقى العربية والة العود وقد اختصني بتلك الدعوة واغراني بها كثيرا بعد ان قرأ لي مقالا عن اجواء بغداد العباسية الموسيقية وكيف كانت الموسيقى واصوات المغنيات وعازفات العود من جواري القصور تتسرب من النوافذ ومن السطوح لكنني تاخرت حتى السبعينات لالتحق بمعهد الدراسات النغمية حيث درست العود كما اراد لي الدكتور طارق والنظريات الموسيقية على يد الخالد روحي خماش الذي جمعتني به صداقة عززها تذوقه الرائع لكتاباتي الشعرية حيث دفعني لكتابة الموشحات بعد ان استمع لموشحي الذي لحنه الاستاذ المبدع عبد الرزاق العزاوي مدير موسيقى الجيش ثم الفرقة السمفونية وكان ايضا استاذي في المعهد اورد كلمات الموشح هنا –
ما لعيني كلما مر خيال عابر تهفو لذياك الخيال
وسؤال مستحيل جار فيها بالاماني فهي تندى بالسؤال
ايها العابر هل لي
بجواب منك علي
اغفر الجرح الذي غار بروحي بين شك واحتمال
واتذكر انه قال لي تعليقا على كلمات الموشح ليتني سبقت رزاق اليه ،فكتبت له موشحين ادتهما فرقة الفنون الشعبية واداهما المطربان فؤاد فتحي وعامر توفيق صولو وهما موشح يا حبيب الروح يا روح الصبا – وموشح هاجك الذكر – استعيد هذه الذكريات وانا اقرأ محاولة الاستاذ الفنان هاشم الرجب عام 1966 فك رموز الموسيقى العربية التي وردت في كتاب الاغاني لابي فرج الاصفهاني .
يعد كتاب الاغاني لابي فرج الاصفهاني المرجع الاكثر غنى حول الموسيقى العربية وبخاصة تدوينه مائة صوت اختارها لتكون مادة الكتاب الدسمة ،والصوت لدى الاصفهاني يعني اللحن ،وقد دون ايضا لتلك الاصوات جنسها النغمي ومقاماتها وكيفية ادائها على وفق التدوين الموسيقي السائد انذاك والذي قال الاستاذ هاشم الرجب انه تمكن من فك معمياته
وكنت قد كتبت مرارا عن الانقطاع الحضاري بيننا وبين الحقب العربية في العصرين الاموي والعباسي في ما يتعلق تحديدا بالموسيقى لذلك جلبت محاولة الرجب وتصريحه اهتمامي بقوة وكم سعدت لخبر استضافه الاستاذ سالم الالوسي في برنامجه المعروف من تلفزيون بغداد – النافذة الثقافية للاستاذ الفنان هاشم الرجب وقد كتب عن تلك الاستضافة الاستاذ سالم الالوسي فيما بعد ((ان وكيل وزارة الثقافة اتصل به واخبره انه اتصل بالرجب اتصل بالرجب الذي اكد وبثقة عالية توصله الى حل الرموز والمصطلحات ويمكن الوثوق من ذلك بالقاء محاضرة في أي مكان ويشفعها بامثلة تطبيقية ، وبناء عليه وافقتُ على استضافة الحاج هاشم الرجب . وتعزيزا لهذا الموضوع الفني الخطير رأيت من المناسب ان استضيف احد الاساتذة من المتخصصين بالدراسات الموسيقية فوقع الاختيار على الاستاذ الدكتور طارق حسون فريد وفي 15 تشرين الثاني 1966 تم اللقاء في استوديو التلفزيون ، وفي اللحظة الاولى اعترض الاستاذ هاشم واحتج قائلا : كان الاتفاق ان اتولى عرض الموضوع وشرحه وحدي ، ولا اوافق على مشاركة أي واحد ، سواء الدكتور طارق او غيره ، وسوف اغادر الاستوديو اذا شارك الاستاذ طارق . ولانقاذ الموقف طلبت ورجوت الحاج هاشم الهدوء والصبر ، ليطمئن بان حضور الاستاذ طارق لاصلة له بموضوع حل رموز كتاب الاغاني ، وانما الاجابة عن اسئلة تتعلق بالعود العربي وهو موضوع اطروحته ! فهدات العاصفة وعندها جلسنا نحن الثلاثة استعدادا لبدء الندوة الثقافية ، وكنت اول المتحدثين وكمقدم للبرنامج الثقافي ، قلت : من يراجع المصادر الباحثة عن الاستشراق والمستشرقين ، يخرج بنتيجة ان هؤلاء لم يتركوا بابا من ابواب وعناصر الحضارة العربية الاسلامية الا وطرقوه واشبعوه بحثا ودراسة ونشرا الا ما يتصل بفنون الموسيقى ، فقد كان حظهم فيها ضئيلا ، ولم يتصد لهذا الموضوع الصعب الا قلة قليلة ، وقد وجد هؤلاء صعوبات جمة وكثيرة ، منها :
1 ــ قلة الوثائق والمخطوطات الباحثة في الموضوع والمدونة بالعربية واللغات الشرقية الاخرى .
2 ــ ان اغلب المستشرقين الذين عكفوا على دراسة الموسيقى الشرقية ومنها العربية كان من المؤرخين او من ذوي الاختصاص بموضوعات اخرى كالرياضيات وغيرها من العلوم .
3 ــ صعوبة فهم واستيعاب الكثير من المصطلحات الموسيقية وتعدد مسمياتها في اللغات المدونة بها .
ثم توجه الاستاذ سالم باسئلته المتعلقة بالعود الى الدكتور طارق الذي اجاب عليها باقتدار واسف لانه لم يتمكن من عروض تطبيقية لاجاباته
ثم جاء دور الضيف الاستاذ الحاج هاشم محمد الرجب الذي طلب منحه كما ذكر الاستاذ الالوسي وقتا كافيا لحديثه المتشعب من اجل الوصول الى الغاية المنشودة ، فكان له ما اراد ومنح مدة 45 دقيقة.)) .
واود هنا ان اذكر ان عددا من المستشرقين بذلوا في هذا المضمار جهودا مضنية دون جدوى منهم زارلينو الايطالي ( القرن 16 الميلادي ) ، هربان ( القرن 18 الميلادي ) ، اندريه الاسباني ، كاتلين شليزنكر ، بوركستال النمساوي ، واخيرا هنري فارمر prof . henry farmer رئيس الفرقة الموسيقية في البلاط البريطاني . وهؤلاء حاولوا على مدى تلك القرون ولم يتوصلوا الى نتائج مرضية ومقبولة من قبل دوائر الاستشراق وعمالقة فنون الموسيقى .
وفي الحلقة التي تحدث فيها الرجب من تلفزيون بغداد باستضافة الالوسي نصب الاستاذ هاشم الرجب سبورة وامسك بعصا لشرح المصطلحات الواردة في كتاب الاغاني ، وهي : خمسة مصطلحات تتفق مع الاوتار الخمسة في العود التي تتالف منها الة العود . وبعد شروح طويلة حصل لدينا وخاصة الدكتور طارق حسون فريد ان ايراد هذه المصطلحات وتطبيقها عمليا على العود ومقارنتها بالمقامات العراقية المعروفة : الرست والصبا والحجاز والنوى وغيرها ، امر غاية في الصعوبة ، ولم يتوفق الاستاذ الرجب بالاجابة على التساؤلات واهمها التطبيقات العملية من اجل ان نقول: ان مصطلح (مطلق من مجرى الوسطى يقابل مقام الرست)، وان مصطلح (مطلق من مجرى البنصر يقابل النوى) ومصطلح (سبابة في مجرى الخنصر يقابل مقام الحجاز) وهكذا .
انتهت الندوة على هذه الصورة لعدم وجود طريقة قديمة للتدوين الموسيقي أي التنويط ، فالمصطلحات جاءت مطلقة. وهنا جاءت النتيجة مخالفة للقاعدة الفقهية (المطلق يجري على اطلاقه) . ورحم الله الحاج هاشم محمد الرجب الذي حاول محاولة تاريخية كسب من ورائها الشكر والتقدير ،ليس هذا فقط كما ارى فانا في قرائتي لمحاولة الرجب اقتحاما لمغلق بجرأة يحسد عليها ومن المؤسف اننا لم نجد بعده من يكرر المحاولة مع كل مستجدات وسيقى العربية واحسب ان السبب هو عمق الهوة التي فصلت بيننا تاريخيا وتوثيقيا ومعرفيا وبين العصر العباسي .