18 ديسمبر، 2024 7:18 م

قراءة في مجموعة ( و . . . ) لعدنان الصائغ

قراءة في مجموعة ( و . . . ) لعدنان الصائغ

رؤية الذات اليومية تزهق شعرية القصيدة
إن الانطلاق في فضاءات و حيوات و مكونات مشروع
قصيدة مجموعة ( و . . . ) للشاعر عدنان الصائغ لعلنا
نفهم من خلالها بأن السفر في ظرفية دوال و أبنية ذلك
المعنى الإبداعي لا يعني أن تكوينية خطاب النص الشعري
ما يمنحنا تلك القيمة الدلالية الدالة فحسب ، بل إن هناك
أشبه بالخريطة ( البياضية / الفراغية ) التي من شأنها أن
تسهم في دفع حافزية وصول الدال في حد ذاته الى دركات
المعنى الجمالي وصولا نسقيا يتيح لنا فضاء المكونات
العضوية في داخل و خارج النص بذلك الشكل الكيفي
القار في موجبات أغوار استشرافية المعنى التماثلي الباعث .
( خصوصية التجربة في البواعث الظاهرة )
في حديقة أيامها
ثمار يابسة في أغصانها
ثمار منخورة بالوحشة ، كحياة لم تستعمل
ثمار تعبت من الانتظار .
أن شعرية عدنان الصائغ كما عهدناها سابقا دائما هي عبارة
عن مخطوطة معطيات تبحث لها عن جهات ما في كشف
المعنى المضمر أو عن جهة ما تتلمس دربها للولوج الى
مجموعة أسئلة مخصوصة الهوية البيئية و الذاتية و الأفعالية
و الحدثية حيث يكون مبعثها فضاء زماني / مكاني / ظرفي
/ انطباعي . فالشاعر الصائغ من خلال جملة الاستهلال
الأولة في القصيدة : ( في حديقة أيامها ) نعاين بأنه راح
يكشف للقارىء عن فحوى مديات تجربة حياتية مريرة في
طيات فصول دوال شعرية راحت تستقرأ المعنى القصدي
بموجب مكونات ملفوظية مبتئسة (اليباب / الجدب ) وصولا
الى ( ثمار منخورة بالوحشة ) ولهذا أتجهت جميع علامات
و ملامح البوح في النص نحو خالصية جذور الغور قريبا
من خصوصية تجاورية محور التقطيع البياضي ( ثمار …/
ثمـ … ) و حين يفصح النص عن مضامينه و عن مقاصده
الظاهرة / المضمرة يتيح لنا الأجراء الخطابي الدال مجموعة
بنيات متحركة و متسآءلة ( كم هي الثمار ) تتبعها واو
العطف و انساقها الاجتمالية المعطوفة على مساحة دال
( القبلات ) وصولا الى واقعة الحال ( بحاجة لمن يقطفها
دائما ) . و في كل هذا نجد النص يظل مشرعا حول
تصورات تناظرية التواصل بين عملية خصائص واو
العطف و بين عناصر و صفات و مقتضيات النص
الأنقسامية .
هذي الأشجار المخضلة في الغاب
ربما تغدو طاولة
مشنقة
بابا
أو قبقاب
أو رفا لكتاب
هذي الأشجار
هذي الأشعار .
ولكنها أيضا تغدو أي ــ الأشجار ــ الى أمكانيات قصدية
أكثر بعدا مما توصل إليه شاعرنا الصائغ من خلال هذه
التوليدية الأشتقاقية ، و بالتالي فأن عملية كشفها تبدو علاقة
يسيرة بين تبرير الموصوف و وعيه المكرس في مرحلة
آنية المحاولة في خطاب كان يسعى جاهدا نحو دمج و فصل
أواصر المشتق العلائقي التوليدي ( ربما تغدو طاولة / مشنقة
/ بابا / أو قبقاب ) أن ما يمكن أن ينجزه الشاعر في عضوية
هذا الشكل الارتدادي المفصلي هو خلق حالة من حالات
المقايسة التي لربما لا تضف الى فطانة و مقاصد صنعة
القصيدة المحمولة على أكتاف الظاهرة النموذجية النادرة ،
بل هي تعد من البداهة و الأفكار الجاهزة في مركب
صورتها الإيحائية العابرة .
(منظور التقاطب و تشكيلات الفعالية المنتجة )
يقوم فعل التقاطب في مجموعة قصائد ( و … ) الشعرية
بين طرفين مركزيين يواجه أحدهما الأخر مواجهة تعارض
و اختلاف و هذان الطرفان هما : الوطن / الحرب و حالات
أخرى موزعة في نسبية تشكلات صور و أفكار النصوص
في المجموعة . غير أنها في الوقت نفسه لم تشغل لذاتها
موقعية المركز / التصدير / المهيمن و بطبيعة الحال فأننا
وجدنا محور ( الوطن ) و محور ( الحرب ) هما من بات
يشغلان سليقة رؤية القصائد في كافة أبعادها الباطنة و
الظاهرة و الرمزية المباشرة .
. . .
يحط الذباب
بتكرار ممل
على أنفه الذي هرسته قذيفة عابرة
من بين ما هرست من حيوات و أشجار و ذكريات . .
أن من أشكاليات شعرية الصائغ الكبرى هو أنها في جملة
أوصافه للأشياء لربما لا يبتعد عن رسم صور و حالات
الأشياء وهي في مواضعها الأصلية الظرفية الواقعة ،
أي بمعنى ما نراه لا يكترث ولا يتردد في وصف الأشياء
بموجب حجومها و مساحاتها و دلالاتها الفطرية المباشرة .
كحال هذه المشاهدة : ( أنفه : الذي لم يكن ذا أهمية لديه/
أكثر من أنه كان يعلق عليه نظارتيه / و أنه كان يسرب
الهواء الى حياته ) هكذا وجدنا نموذجا تصويرية المواقف
و الحالات الدلالية لدى الصائغ و كأنه يسعى منها الى
ألتقاط محض صورة فوتوغرافية عن منظر تهكمي ما ؟
فهذا الكلام لا يخضع بدوره الى مجال حالة شعرية معمقة
في قصديتها الإيحائية النادرة ، بل أنها جاءتنا محض
توطيدية انطباعية مفترضة لا تحقق لذاتها الواصفة سوى
انطباعية رسم الأشياء من خلال منظورية غير شاعرة
بحسية الأبعاد الدائرة في فلك فاعلية الحالات الأبداعية
في القصيدة المتطورة . و تبعا لهذا يلحقها الشاعر بهكذا
شكل من الدوال التقريرية : ( حياته : التي كانت تنبض
قبل قليل / على بعد شهقة منا . . . )
( رؤية البياض تجاور تقاطعات أطروحة القصيدة )
لعل في هذه المقاطع التي استعرضناها سلفا من قصائد
المجموعة ما يشف لنا عن امتزاج صوت الأهواء و
الأصوات و القيم الواصفة و على نحو بات يستحضر من
خلالها خطوط الصور المركزية الى موضع تنويعات
تلتحم بالمكونات التخييلية و الأبعاد بما يخرجها من حسية
الرمزية و القصدية اللامباشرة الى شبكة لغة الأوصاف
المتواترة في تجسيدات الواقعة الشعرية . و بصرف النظر
عن إجرائية و رؤية الشاعر النقلية المباشرة لفحوى معنى
وظائفية الدوال ، نراه يواجهنا في اشتغالية قصيدته بتقانة
فضاء البياض / التقطيع / الأنفصال و الانغمار في سرد
تفاصيل الأفق الصوري في مجريات حدوثات النص :
يمشي
منتفخا بيقين
يملأ رأسه
لا يعرف معنى الشك
و ــ لذا ــ
يجهل ــ
ـــ حتى
نفسه
. . .
يطول التحديق في أحوال قصيدة الصائغ التي يتضح لنا
بأن كل شاغلها هو رسم ملاحقات الرؤية اليومية الذاتية
لديه ، بل أنها تبدو جملة علاقات صورية يومية تقترب
من دفاتر المذكرات الشخصية و السرد الأخباري المحفوف
بالمزاجية المفرطة . فالصورة الشعرية لديه تنحو في مسار
من الذكريات و البيوت التي هجرها أصحابها و للبقية الباقية
من شظايا الزجاج و ألواح الزينة و أطر النوافذ :
لا تتودد
لي ..
لا تقترب
طبعا أن تلدغ
ياعقرب
لن تغلب طبعك ..
فالطبع ــ و أن حاولت ــ هو الأغلب
( تعليق القراءة )
في الحقيقة و بعد أن اطلعنا على نماذج من قصيدة مجموعة
الشاعر الصائغ لعلنا لا نستطيع أن نخرج عن مشروعية
هذا المنجز دون أن نتلمس بعض معالم الطريق الذي
أختطته شعرية الشاعر في مسار هذا العمل الشعري حيث
أجدني أخيرا أقول : في مجموعة قصائد ( و … ) تعصف
بنا قوة الكشف البوحي في القصيدة . فالصورة الشعرية
تتصادى في كل مواطن صور الأشياء الصغيرة و الكبيرة
حيث تمتلك حدة الرؤية الأنطباعية المفرطة مما جعل فضاء
الأشياء القريبة و المألوفة و المفهومة و المباشرة هي السمة
السائدة في فضاء أعشاب و أزهار القصيدة . أن النص في
عوالم شعرية الصائغ ينبعث بموجب أفعال ذاكراتية متأصلة
و خصبة لتصفية الحساب مع الوطن و المواطن و الحروب
و مع الطغاة و الغزاة و الخطوط و الحظوظ و اللقاء والفراق
. و لكننا أصبحنا أشد عجبا و نحن نقرأ مثل هذا الكلام الذي
لا يمت بصلة موضوعية حقيقية ما الى المنطق و المعرفة
و الحقيقية و الأصول التي ورد من أرحامها الشاعر ، بل
أنها بمثابة حالة من حالات الالحادية المعلنة و التي لا دخل
للشعرية و الشاعرية و الأبداع فيها أبدا بل أنها تبدو صادرة
عن شخصية لا تمتلك للأسف أدنى درجات الحكمة والمعرفة
و كي لا ننسى أقول أن معرفة الله و الأيمان به هو في نهاية
المطاف ما يشكل قمة رأس الحكمة و العرفان و النور . و تبعا لهذا و جدنا الصائغ راح يدبج بديباجته اللندنية / المحاكاتية ليظهر فيها لنفسه و للناس بأنه أضحى رجلا أوربيا وجوديا بأمتياز .
ياسيدي الفقيه !
عندي سؤال وجيه !!
أن كان رب الشأن ،
لم يعدل موازينهافما
الذي
يفعل
من يليه !! ؟
هكذا وجدنا الصائغ يختتم كوكبة قصائد مجموعته بأبشع
التصورات الشيطانية و الألحادية ، و كأن أجواء إقامته
في لندن قد أنسته أصوله السالفة و الميلادية في مدينة
الكوفة المقدسة . على أية حال فلا أهمية لكل ما ذكرناه
بصدد الحادية الشاعر و ذلك يعود لسبب بسيط جدا هو
أن هناك شخوصا لهم القدرة و المهارة على انكار دينهم و ذويهم و أوطانهم و حتى أنفسهم إذا أقتضى في ذلك الحال
من المنفعة و المراد الشخصي .