مقدمة :
أن ما يشد انتباه القارىء إلى ملفوظيات قصائد مجموعة ( مثل طائر الفلامنكو أحجل على ساق واحدة ) للشاعر كاظم اللايذ ، هو تلك المادة الواقعية المتخيلة على بنيتها الاستعارية ، فهي ظاهريا بنية ذا موجهات تشكيلية خاصة ، من شأنها تجميع و تحيينأنساق دوالية مهيمنة من حسية ملكات الذاكرة اليومية و الزمنية المبعوثة بمسكونية مفردات و أفكار و تجليات اسلوبية حالات كـ ( المرثية / الهجاء / العلامة الإيحائية ) و تباعا لذلك نعاين مدى اقتراب نصوص الشاعر اللايذ في مجموعته هذه موضوع دراستنا ، من تحولات الدلالة الشعرية إلى جملة من الصياغة الوحداتية ( مكانية / زمانية / ذواتية ) وصولا إلى خصوصية و خاصية خطابها المعتمد أساسا على مساحة ملفوظية محفوفة بطاقة الانتكاسية و محاولة التحرر من أعباء ضيق مسافة الدليل الموضوعي اليومي الناتج عن تفاصيل اللحظات الحاسمة من حياة الذات الشعرية في النص .
ـــ ثورة الذات بين سجدة التصالح و ردود هوية الواقع : ــ
و من خلال الدلائل المفيدة في مشروع قصيدة مجموعة الشاعر اللايذ ، هو وعيها بأحوال جذور واقع الحدث الشعري لديه ، لذا ترانا نتابع ثمة خصوصيات متفارقة و متصالحة في منطقة بوح الذات الواصفة ، كحال في المتن الشعري لقصيدة ( إني أشفى من حزني ) :
أمضي أياما هانئة
ما بين الأسرة
و الأحفاد .. / ص5
لعل هذا البوح الاستهلالي من عتبة خطاب النص ، هو ما يقودنا إلى تصور مدى تفارقية و تصالحية النص مع ذاته ، خاصة و إن الشاعر يلوح لنا في ثريا عنوانات قصيدته إلى شعرية من حالة أخرى ، إلى ما يعاكس هذا النوع من منطقة الادائية في اختيار منطقة دلالة القول ، و مثل هذا الحال واجهنا في نموذج قصيدة ( من ألقى الطفل إلى البحر ) :
قذفتنا الأمواج إلى الساحل …
فنهضنا ..
مثل المبعوثين من الموت
لتنفض عنا ملح البحر ..
قلت لأصحابي ـــ ولقد كانوا عربا ـــ
نحن الآن بلا وطن ./ ص13
هذه الأحوال الذاتية هي كنموذج لمحاولة اثباتنا إلى كيفية موضوعة الشاعر في شكل و مضمون و دلالة نموذجها الإجرائي في نصوص مجموعته الأنفة الذكر . ومن الدلالات الأخرى التي احتفت فيها مجموعة الشاعر و عبر وسائلها الانتقائية في توظيف الرؤية الشعرية ، نلاحظ ما جاءت به قصيدة ( حمامة في القبو ) :
في باكو ..
دركات القبو
نجرخطاك
إلى عالمها السفلي ..
يتكسر ظلك في السلم منقلبا
تنزل :
صمت .. وسكون .. و دخان . / ص20
يتكشف لنا عبر تمظهرات قصائد مجموعة الشاعر ، ثمة حركية تشكيلية ممنهجة بروح فعل و حركة متتاليات المستودع المشهدي الحافل بمقروئية التماثلات المحتملة و في تجاوبات ( هوية الأنا ) في محددات النص أولا . أما ما يقوم عليه النص في مسار معناه ، فذلك بحد ذاته المرجح الاسنادي المقرون بتمظهرات أحواله و آفاق خاصيته الفاعلة في التحاور و التحقيق مع شيفرته الدوالية المؤولة في برمجة مقارباته الحركية في مناطق الوضوح و الاخفاء ، كما الحال عليه في قصيدة ( البصرة في الحلم ) :
جاءتني البصرة في حلم
سيدة
فارعة
تنقل خطواتها
مثل من بلور ..
لم أتبين
ما كانت تحمل في يدها
هل تحمل أطراسا ؟
أم زنبيلا من رطب ؟أم أشياء مما كان يجيء بها البحارة
من أعلى البحر ؟ . / ص29
من هنا نعاين مدى أختفاء الذات الواصفة بأشياء محيطها ماديا ، إيذانا منها بحلميةوجدانية أخذت تقدم تساؤلات دليلها الأحوالي ضمن مؤثثات البديل الانعكاسي ذاتا و المندرج في دساتير الواقع الحي و المنظور في خصائص المشهدية الاستفهامية من المتن الشعري ، و ما وراء مكامن شعرية السؤال و المساءلة :
كانت تلبس اسمالا
وخفافا من ليف النخل ..
وتحط على الجيد
قلائد من صدف . / ص30
1ــ استراتيجية الخطاب و علامة المنظور التخاطبي :
أبرز ما تمتاز به قصائد مجموعة ( مثل طائر الفلامنكو أحجل على ساق واحدة ) هو ذلك الترابط التواصلي الكامن بين ( البؤرة المزدوجة ) و بيئة محيط استنباطية الذات الفاعلة . لقد أدركنا قرائيا هنا عن مدى جوهرية تحيينات المخيلة لدى الشاعر اللايذ ، خصوصا وإنها تحدق في تجربتها اللاشعورية و مصير عذاباتها الصانعة لمقدمات وهمية ترى في قبح المدينة و البلاد إجمالا ، ذلك الإيقاع الأصحاحي من معزوفة قبولها و بالاعتراف لها بجمالية سقوطها في اتون الكلمات وحدها :
ها أني بعد سنين
أشفى من حزني ..
من يبلغ أمي ــ في تربتها ــ
أني قد عوفيت من الأحزان . / ص6
الذات الشعرية هنا تتميز بقدر واضح من الخلاص من المغطوبية السالفة حيث اتصافها الآن بصفة التفاءل وهما ، اعتمادا على أدوات الاخفاء و توزعها أو تراوحها بين قطبين هما الحلم و اللاواقع . لعل الشاعر أيضا يستحضر في مجالات أخرى من سياق قصائد مجموعته ذكرى صديقنا الشاعر الراحل (مجيد الموسوي ) رحمة الله عليه و أحسن مثواه ، و ذلك من خلال قصيدة ( تسمع الأرض تبكي ) :
كنت حزينا ،
ومنخطف الوجه
تلبس ثوب وطاقية و قماش بلون السحاب
وتحمل كفك قبعة
كنت أهديتها لك ذات شتاء ..
تقدمت مني
دفعت إلي بها
قلت: خذها
هنا لا يتحمل من الثوب إلا البياض . / ص24
2ـــ ملفوظيات صيغة الدوال المشار إليه أحتمالا :
ولعل قيام جملة ( الارض تبكي ) فيها ما يحيل المعادل الدلالي التحولي المنسحب نحو تنوير استجابة المستوى التعددي من فاعلية المستعار توصيفا ، فيما تفتحه على شبكة المعنى المختزل تأويلا مركزا ، حافلا بعشرات الاحتمالات المستجيبة لمنطقة آليات الرثاء المقترح في صيغة فاعلية النظر إلى الصورة الترسيمية التالية : ( رأيتك في النوم = أستقبال صيغة = تحفيز رغبة الرثاء = كيفية ) لذا نستنتج بأن وظيفة المجموعة قد حلت بروح تنشيط الفاعلية الرثائية الى كلا من الصديق و الوطن و المدينة و الاوطان العربية المتمثلة باليمن تحديدا في قصيدة ( الطيارات على صنعاء ) و قصيدة ( غنائم الحروب ) و قصائد جميلة أخرى من مجموعة الشاعر ، حيث لم يسعفنا المقام هنا إلى ذكرها ، إلا أننا في سياق الخاتمة نقول : أن مجموعة قصائد الشاعر المبدع الصديق كاظم اللايذ ، هي دائما لها خاصية بلاغية هائلة ، تترك في ذائقة القارىء ، ذلك المؤشر المؤثر الجمالي الذي منه نستشف حلاوة الرؤية في حضرة ذائقة شعرية بارعة تدعمها أدوات الخطاب الإيحائي المنطلق من سرانية شفافة تؤشر في النص أسباب الموهبة الشعرية الدالة و المتمحورة بين مواطن جوهرية الرؤية ومنازل قيم دلالات احوالية خاصة في مستوى ثراء شعرية الدليل القصدي المضاعف في وظيفة السياق القولي من زمن القصيدة .