(انشطار الصوت السردي واقنعة الحكاية)
مثلما يعمل الصوت في النص الشعري على افتتاح مجالات خاصة تستوعب طاقاته وتوفر سبل لها العمل خلال (المعادلة) التي تنهض على وجه الصوت السردي وقناعه , فان القاص في مغامراته القصصية قد تمكن من نقل تقاليد العمل الشعري الى ميدان عمله القصصي مستثمرا خاصية الصوت السردي بمستوييه الوجهي والقناعي في تحريك فعله الحكائي القائم على الانشطار الصوني والتوزع في رسم المشهد القصصي العام . يشرع الصوت القصصي في بناء شكله ( القناعي/ الحكائي) عبر بنية تكاد تتكدر في معظم قصص (شواهد الاشياء) للقاص الجاد باسم الشريف , حيث يمكننا ان نسطلح عليها (صوت السرد / اقنعة لعبة الحكاية ) هذه البنية التي تتمكن من استقطاب حيوات القصة ودفعها الى التمركز الدلالي في بعده العام وينشطر في مجازاته اللغوية . وتتنوع هذه الاقنعة الحكائية بتنوع درجة الاتقاد السردي والروحي والجسدي والشكلي الذي تعيشه افعال كل قصة وينعكس ذلك مباشرة على ايقاع فعل الرغبة الاساس المولد لدينامية الحركة القصصية .
ففي قصة (المسفن) تتقدم جدلية (اقنعة الحكاية السردية) على اساس من ابعادها على فكرة فانتازية , يتابع فيها البطل في القصة مصير علاقاته بمقياس مستوى الاثر الذي يتركه عليه الشقاء والمغامرة وادمان المخدرات , اذ يصور السارد الذاتي المشهد كما يأتي ]اخذ يتحفظ لكل خطوة يخطوها .. يخرج بأوقات حرجة على امل ان تعاد الكرة .. بدأ بأختيار المناطق التي عادة ما تكون بمنأى عن تلصص العيون ..ص13[ ولعل قصة (شواهد الاشياء) تقدم عنوانا اكثر ارتباطا ووضوحا بطبيعة الحادثة القصصية التي تنهض على فضاء التشكيل , كما انها اكثر التصاقا ببنية (اقنعة الحكاية / انشطار الصوت السردي) وعنوان قصة (استبشار) يستند في تشكيله الدلالي الى ما يعكسه فضاء القصة من مواقف , حيث تنهض الحادثة الحكائية على فكرة : ]بعد ان افقت من اغمائتي نأى بي الوعي بعيدا عن المحققين ..ص77[ ويشتغل عنوان قصة (مرايا وانعكاسات) على اساس من اسلوب بنية اللقطات (المونتاجية) في تشكيلها على فعالية الادهاش الغرائبية وبوساطة التشكيل التشبيهي التقليدي ذي الدلالة الزمكانية المحددة : ]عندما ساعود..ستبتل عروق مدينتك ملء مرابعها .. وستعلو قامات فسائلك .. سيعود الزهو الى ما كان .. ص60[ كما ويقدم عنوان قصة (خيول او سنابك المتقدات ) لعبة الزمن السردي عبر ايقاع قصصي منشطر كان حاضرا في اكثر قصص
المجموعة , حيث يحصل تبادل ادوار بين الراوي والمروي على نحو يحقق اشكالية جدل الروي . ان جميع هذه الخطوط الصوتية المقنعة تتردد في فضاءات قصص المجموعة لتتقاطع مرة وتتناظر مرة وتندمج مرة اخرى . لكنها تسهم بعمل مشترك في صياغة نسيج دلالي واحد نابع من فيض بنية (انشطار الصوت السردي /اقنعة الحكاية) ان هذه المداخلة التي تتقصد تفحص روح الشكل القصصي من خلال بنى تبدو لاول وهلة وكأنها تتحرك خارج المتن القصصي , انما تستهدف الكشف عن ثراء لغة القاص وشاعرية ادائها , فالزخم الوصفي الذي تتأثث به الصيغ الوليدة لهذه المفردات انما تعكس خاصية (ادراك اللغة القصصية ) ونقاط ثرائها وتمركزها الدلالي , الى الدرجة التي تبدو فيها وكأنها لغة جديدة لاتتحرك على سكة المعاني المجردة , بل تتحرك بأيقاع خاص يمنحها شكلا اخر وقدرة مضافة على صنع احتمالات دلالية وضمنية جديدة .