23 ديسمبر، 2024 8:27 ص

قراءة في مجموعة(بابيون)للشاعر حبيب السامر

قراءة في مجموعة(بابيون)للشاعر حبيب السامر

عضوية منطقة الحلم وطقوس الأنا الاظهارية
مقدمة:إن الموقف الشعري لدى تجربة الشاعر المبدع حبيب السامر،دائما يشكل في ذاته ذلك الفعل اللازم وحدود خاصية مكينة من بواعث حلمية الواقع الاغترابي،لذا فهو يشكل ثنائية وظيفة خاصة تتمثل بـ (الفعل الخارجي/الفعل الداخلي)وضمن مؤشرات اتصالية دقيقة من شواهد ومواقع ومواطن معطيات تلك الاستجابة الاستفهامية في مكامن وعي الانطباع الإيحائي لديه..فنحن ومرورا بكل أعماله الشعرية الجادة والجديدة في منحى أسلوبها وتصويرها،بدءا بمجموعة(مرايا الحب .. مرايا النار)وحتى زمن قراءة أعماله الأخيرة كـ (مادة الأسئلة/حضور متأخرة جدا/أصابع المطر/شهرزاد تخرج من عزلتها/على قيد الحب)وصولا إلى منجزه الأخير (بابيون)الذي هو موضع دراستنا الآن.نعاين لدى الشاعر تلك التمايزية المنفردة جدلا،في تنصيص فضاء قصيدته،كما ولا ينتهي الأمر بنا عند حدود رسومية هذا المقال تقويما،لأعمال هذا الشاعر المائز،بل أننا حتما سوف نواصل قراءتنا وكتابتنا عن نصوصه الجديدة المؤثرة. كما أود قوله هنا،هو أن اسلوبية التنصيص لديه دائما ترتكز على مبررات موجهاتها الاقناعية الكاملة،مما جعل نصه مجالا رحبا يتعدى صفة وملحوظة الانطباع الموضوعي الهش في الكتابة الشعرية،بل أنه أخذ يستميل في حالاته التصريفية،أحوالا تجريبية هي في أقصى غاية التأثيروالأمتثال لنوازع الذائقة الشعرية الواعية حصرا لدى القارىء الشعر الاستثنائي.
ـ تقانات الدال المكثف و معادلة حلمية الإجراء: ـ
ومن خلال ما يتحدد به المعنى الشعري في تجربة مجموعة(بابيون)ويتسع له،الغرض الانتقائي في مرشحات أدوات الشاعر،تواجهنا انعطافات(ألانا المركزية)لتبث في محكياتها الحلمية،جملة تحولات التسيير الدوالي في مسافة مفاصل علاقة( الومضة/التوقيعات/الدليل/الصيغة الغرضية/ = قصيدة)واستكمالا لهذا نعاين استقرائية حدود درجات حركية الدال وتقانته التشكيلية المتداخلة وواصلة أفق علائقية دلالة علاماتية سليمة،نقرأ في هذا الصدد ما جاءت به قصيدة(نافذة مغلقة على الحلم):
هل فكرة أن تمسك غيمة ما،
تطاردها،وانت تعد خطاك؟
تنتابك أمنية لاحتوائها./ص5

توافينا الذائقة هنا بما يتفاعل به المشهد التساؤلي من هدف شعري محفوف بمجليات الذات الشعرية المرتبطة بتوجهات مسارية الدال الاستهلالي(فكرةـ تصورـ اشتغال ذهني) تتابعا مع وصلة دلالة جملة(تمسك غيمة = حلم = مساحة زمنية = قوة الإحالة) فيما تأخذ المقاطع اللاحقة شكلا فنتازيا في مواضع المتن النصي(تطاردهاـ الدال المتعادل ـ ثريا المحور) غير أن جملة(وانت تعد خطاك) تدخلنا نحو مستوى مقارب من مجهولية البحث عن منطقة ومنطوقية مملكة الحلم والامنيات والركض خلف،ذلك السؤال المتحول الى فاعلية التخييل لأجل امتلاك الصورة المرادة من حياة كينونية الأشياء المفقودة في اتون اللازمن الآنوي والصفاتي و الأفعالي.لذا تأتي دلالة جملة(تنتابك أمنية لأحتوائها)تبعا لهذا التمني المشروعي بالوهم،تصادفنا قصيدة(الأصدقاء)بما يوفر لنا حالة خاصة من إجرائية المعالجة الذاتانية المتوحدة في ذاتها اللاقطة لصورها واعدادها واشكالها،عبر جدلية احصائية أخذت تطرح لنا ماهية ونوعية المعنى الأحتمالي في مقدماتها الأحصائية الأصابع عدا:
مرة تلمست أصابعي
وبدأت أعدها
فرصة مواتية كي أحصي عدد أصدقائي
فكان أحدهم يتكرر أكثر من مرة
وأنا أعدهم
وأكرر العدد
يتكرر
لماذا أنت أكثر من واحد
على مقدمات أصابعي؟
يتجفف الحلم
والمطر النازل على هامات أصابعي
يغسل أحد الأصدقاء./ص 7

بمعنى ما أن(فضاء الأنا) تواصل أحصائها لذاتها،حيث ينفتح على معادلة جدلية تقارب تحويل حال إلى مكرورية استفهامية،من شأنها صنع اشكالية اللاصديق في دليل محور حالاتها المتمثلة في منحى دلالة هذه الجمل الشعرية(لماذا أنت أكثر من واحد..على مقدمات أصابعي.. يتجفف الحلم..والمطر النازل)ولا شك أن في حيز هذه الجدلية،ما راحت تشتغل به تناوبية الأنا كفاعلية فراغية متداخلة وحدود الانفتاح الخارجي لها حول العالم،فيما بقيت علامة استفهامية مضافة لمفقودية الأصدقاء والأشياء في حركة المشاهد الشعرية المتكرسة في بطون المتن الشعري.و يوغل سؤال الأنا النقدي زمنيا لحال وصور واشكال المدينة،وهذا ما قرأناه في مسعى قصيدة (ليل لايجيد تداول الحلم):

بعد برهة
سنحدق بالمدينة التي شارفت على النهوض،
مثل انحسار الضوء،
بقيلولة الصمت
تسأل لونا الأرصفة،
وهي تلوذ بكسل متراكم./ص9

ان الحالة التوصيفية هنا لا تستهدف طبيعة المناخ،أو أنها من جهة أخرى،تحاول الأشتغال على محددات زمنية كيفية خاصة وتعاقباتها النسقية كمواعيد الليل والنهار،بل أنها راحت تستوقف لغة الكلام في محفوظات الصور والمشاهد العينية الشاخصة من مفردات قاموس روحية المدينة،ألا أنها أصبحت أكثر أنكفاء وجمود(بقيلولة الصمت)حتى تبلغ معدل ذروتها الأخبارية الكامنة في مستهل حركية دليل بؤرة المعنى المراد(تسأل لونا الأرصفة..وهي تلوذ بكسل متراكم)هنا يحاول الشاعر عكس طبيعة الأشياء على مرآيا المقولة الدلالية المركزة،وعلى النحو الذي غدا أكثر افصاحا وعمقا في دلالة هذه الجملة(النهارات المعطلة)إذ أن الزمن في تضاريس الصورة الاجمالية للمدينة وحالة الذوات،صارت تحاور ايقاعات زمنية غاطسة في الذبول والعطب و اللازمن:
فرصة مؤاتية لحرث ما تبقى من نشيج
والليالي لا تجيد تداول الحلم
في نون تسقطه عند بهتانه
آيات الكوابيس المسفوحة
في أخيلة اليقين!./ ص9

وتحيل علامة اللاتوافق في تفاصيل مفردات الذات الواصفة على متتاليات مأساوية قادمة من نبض تقاويم،ذلك التصعيد الزمني وذبوله المقترح في عزلة مفكرة،ذلك الحرث الهالك والمتواصل في رقعة الواقع الجوال في قعر بؤسه،وغياب الأمنيات عنه فيما لا وجود منه إلا في محصلة( آيات الكوابيس المسفوحة)وعلى هذا النحو تبقى صورة الخارج بمثابة،الطاقة التعويضية التي تعبر وتستجيب لهوس قابلية(أخيلة اليقين)وذلك بعد أن تبلغ الصورة التعجبية مبلغا كاد أن يفقد مصير الأنا الشاعرة دلالة وجودها الحلمي تحقيقا(المصائر حبل من صبر واهن..يمسك قبضة الهواء..ويعانق الفجيعة!)./ص9

ـ السياق الشعري ومرئية الفاعل الشعري:
أمام فاعلية المستوى الشعري في بناء الموضوعة الشعرية المحفوفة بمعيق اشكالية غياب فسحة الأمل الذواتي،نقرأ حالات قصيدة(ما تبقى من الطفولة):

في الليلة المعطلة
أدس النوم خفية في الوسائد
أمسح على الضوء المنحسر بيدي
أهرب الحلم
كي ينطفىء الموت./ص11

لعل ما يقدمه السامر هنا،من معطيات حلمية،أخذت تخلق فينا حالة ما من حالات الأغترابية الموحشة في تمفصلات قول(الأنا/ صوت الأشياء) لكننا نقول في الآن نفسه،هل أن طريقة الأفضاء بخصوصية الأنا،هو ما جعل السامر يخص بها انطولوجية وطبيعة المفكرة الأحوالية شعرا؟أم أنها محض كبوات هستيرية بلا مقدمات رؤية دقيقة لهوية تصوير الوجود من حوله وبملامحه الأصلية جدلا؟أن واقع موضوعة التوصيف الشعري لدى الشاعر،لربما هي حالات تكرارية في حالاتها القصدية غالبا،وبأستثناء ما جاءت به قصيدة(كل هذا لك،ويكفي؟!)وقصيدة (الرقصة الأولى).أما الحال في قصيدة(النمل لا يغير مساراته)وقصيدة(هذا العالم نريده مختلفا) والقصيدة الرائعة(رياح غريبة الأطوار)والقصيدة المقطعية الرائعة أيضا(محاورات):
القطرة تحاور النهر:
ماذا لو خسرتني؟
فيما الرجل يسمع تعاقب القطرات
قال النهر للرجل:
القطرة الخاسرة مني
تأوه الرجل
تحسر قائلا:
وكيف بي وأنا أخسرك أيها النهر؟
وماذا تعني لي القطرة إذن!./ص29
أن ايقاظ وتعارض جوهر الأشياء،من السمات التكاثرية في مجموعة(بابيون)للشاعر السامر، وصولا منها الى حافزية استلهام ضدية الأحوال إزاء مستلزمات بقاء ديمومية الذات الشعرية الحالمة بمدينتها اللاحلمية ابدا.
ـ تعليق القراءة ـ
من الخصائص الجمالية و الدلالية في شعر ووظيفة الرؤية لدى تجربة حبيب السامر،هو طرحها لملامحها الذاتية ولغتها الحداثوية ضمن لغة محاكية،تثير فينا استجابة اللعبة التفارقية الفنية الجميلة والمطروحة في الدال الشعرية بحسية الظل والومضة والضربة،تباعا لها نحو ذلك الأحتواء الدوالي المتمظهر في سياق منطقة(عضوية الحلم)ومن خلال فسحة(طقوس الأنا الظلية) المستشرفة على،فاعلية اللحظة الصماء والترقب والألتباس في رسم حقيقة نداء العوالم المتلاحقة عن واقع مدينة الشاعر التي ترقد ما بين،شعرية الشعراء وصورة أحلام شرف النوافذ المطلة على شظايا كوابيس الحروب والهموم:
السمكة
في الحوض الزجاجي
ترفس بزعانفها الماء الحصور
حذلة
تنظر إلينا
نحن السجناء./ص45 قصيدة مقاربات

هكذا وجدنا المبدع(حبيب السامر)اداة فاعلة،في عكس مصوراته الباطنية(الذاتية/الموضوعية) وعلى النحو الذي يجعل من شعريته منظورية متفردة ومغايرة في براعة توفيق الأشياء والذوات والحالات بروح شفافية الخطاب الاظهاري المكين.