26 نوفمبر، 2024 6:58 م
Search
Close this search box.

قراءة في مؤشرات المقابلة التي أجرتها قناة الحرة مع وزير الدفاع وكالة سعدون الدليمي

قراءة في مؤشرات المقابلة التي أجرتها قناة الحرة مع وزير الدفاع وكالة سعدون الدليمي

بتاريخ العشرين من حزيران أجرت قناة الحرة مقابلة مطولة مع وزير الدفاع وكالة سعدون الدليمي بشأن تطورات الأوضاع الأخيرة في العراق بعد أحداث إنتكاسة الموصل وتداعيات انهيار قطعات الجيش العراقي ..ونورد في أدناه اهم ملاحظاتنا عن أبرز ما ورد في هذه المقابلة :
1.لقد حاول وزير الدفاع وكالة سعدون الدليمي خلال تلك المقابلة التلفزيونية مع قناة الحرة ، إعطاء تصور عن أسباب وحيثيات ما جرى  من هزيمة عسكرية ، وقد كانت مؤشراته عن وصف بعض الحالات من حيث تحليل بنية تشكيل الجيش العراقي الجديد فيها جانب  من الموضوعية الى حد ما ، أزاء عدم وجود عقيدة قتالية لهذا الجيش الذي بني بعد انهيارات تعرض لها الجيش السابق، وانضمام قادة وأفراد ليس لديهم الخبرة ولا الولاء للعراق ، عدا الولاء ربما للطائفة او الجهة السياسية التي تنتمي اليها هذه القطعات العسكرية التي هي أقرب الى تجميع شتات لميليشيا متعددة الولاءات ، من ان يكون جامعا يعبر عن أماني وتطلعات مكونات عراقية.

2. لقد حاول وزير الدفاع وكالة سعدون الدليمي ان يضع تصورته لابعاد الهزيمة الاخيرة لقوات الجيش ، ويقارنها بما جرى من احداث في أعوام التسعينات واحداث الفين وثلاثة، ليبرر الهزيمة العسكرية الأخيرة ، متناسيا ان هناك ثلاثين دولة أغلبها من دول كبرى شاركت في شن هجمات على العراق ، أستخدمت فيها أحدث تقنيات الحروب واشدها ابادة للجنس البشري، لم يكن بمقدور أية دولة كبرى ان تقف لوحدها في مواجهة كل هذا الحشد الدولي الهائل الذي ربما لم تبلغه حتى الحربين العالميتين الاولى والثانية من حيث ضخافة الحشد الدولي وطبيعة الأسلحة الفتاكة التي استخدمت ليس ضد الجيش وانما ضد بنيته الإقتصادية التي استهدفت إفناء شعب بأكمله وليس قواته المسلحة فقط، وهذا ما يجعل المقارنة تكاد تكون مستحيلة إن لم تكن غير موفقة ، بل وظالمة ومجحفة بحق الجيش العراقي ، الذي لم يعرف وزير الدفاع ان يغوص في مكامن قوته لسنين طويلة حتى عد من افضل جيوش المنطقة على الاطلاق،  حقق فيها انتصارات باهرة، أذهلت الدول الكبرى وخرج العراق منها عملاقا تهابه دول المنطقة والقوى الكبرى بكل جبروتها وقوتها، وتحسب له الحساب وهي بشهادة قادتها هي قبل ان يكون شهادة من قادة عراقيين .

3.لم يشر وزير الدفاع وكالة بشكل من التفصيل الى ان تشكيل هذا الجيش لم يكن وطنيا على الاطلاق ، ولم يشر الى كونه تجميعا لشتات طائفي من مكون واحد في غالبيته، اما اشتراك المكونات الاخرى فلا تتجاوز نسبتها العشرة بالمائة في أكثر تقدير ، وبخاصة لقيادته العسكرية وحتى لضباطه من الرتب الصغيرة الذين لا تتعدى  نسبتهم الواحد بالمائة في أكثر الاحوال، ما وضع تشكيل هذا الجيش في مهمة ليست وطنية ، وغالبا ما يمثل قوى سياسية وطيفا واحدا، واستخدم لاغراض التحشيد الطائفي وإساخدام الآخر ليس الا، وهذه ليست مهمة الجيش على الاطلاق، بل أن مهمته الحالية هي أقرب الى الميليشيا من ان يكون جيشا يعبر عن آمال العراقيين ولا عن طموحاتهم في أبسط صورها، في أن يكون مدافعا عن حماهم بوجه الأخطار والتحديات الخارجية التي تواجه البلد .

4. كانت الهزيمة التي تعرضت لها قوات الجيش هي لهذه الاسباب وواحدة منها اشرها وزير الدفاع نفسه عندما أشار الى انه لم يكن لهذا الجيش عقيدة قتالية وكان تركيبا غريبا عجيبا، وبسبب هذه التركيبة الغريبة العجيبة تم إدخال العراق في متاهات الانقسام الطائفي والمذهبي وادخل الجيش نفسه في مواجهة مع الشعب بدل ان يكون سورا له وحاميا لمصالحه.

5.إن إسلوب التعامل غير اللائق لقوات الجيش الذي تم استخدامه على نطاق واسع في محافظات عراقية اذل بها مكونات كثيرة وعرضها مختلف اساليب الانتقام والاستهداف غير المبرر هو الذي خلف أسفينا من العلاقات المتوترة وحالات التنافر والتناحر والاحتراب المستمر، كون أغلب أفراد هذه الجيش  مهتمون بإظهار تكوينهم الطائفي وابراز ممارسات لم تكن مألوفة في الجيش ولا القطاعت العسكرية، وينتهج أفراده سلوكيات تتنافي واخلاق العسكرة بل ولاخلاق العراقيين القائمة على المحبة والانسجام والتآالف، وظن من ينتسب الى هذا الجيش انه تم سوقه ليحارب طائفة بعينها، وليس همه مواجهة التهديدات الخارجية ، ان لم يكن مواليا لجهات بعضها خارجيا لاتمت بمصلحة العراق بصلة، اذ ان الولاء للاجنبي لايخلق حافزا وطنيا للانتماء ويجعل التبعية للاخر أمرا سائدا في الولاء للآخر ولمن يمتثل لأمره من خارج الحدود او حتى ممن يشرفون عليه في الداخل، وولاءهم الى الخارج.

6. لم يكن وزير الدفاع موفقا الى حد ما في سرد تفاصيل الأزمة في محافظة الانبار، ولا في طبيعة إختلاق تلك المعركة غير المبررة أصلا ، والتي تم خلالها زج قوات الجيش في معركة ضد أهل الانبار وعشائرهم بلا مبرر ، وتحت ذرائع مواجهة جماعات مسلحة دخلت المدينة ، في ظرف غريب عجيب، لم تطلق عليها القوات الحكومية في الانبار ولا طلقة واحدة عندما استعرضت قواتها أمام مقر المحافظة، ولم تطلق على الزاني رصاصة بندقية، كما يقول الشاعر الراحل نزار قباني، رحمه الله، وكانت حرب الانبار عملية مدبرة لإبادة هذه المحافظة وتحويل أرضها الى وكر إرهابي لكل من هب ودب وبدعم من إيران، وبمساعدة من الحكومة وتحت رعايتها، ليتم الانطلاق الى محافظات أخرى لتدميرها على نفس الطريقة التي تم بها تدمير معالم البنية البشرية والاقتصادية في هذه المحافظة التي تعد قلعة من قلاع العروبة الشماء التي كان ينظر اليها على انها المنقذ للعراق من الاخطار التي تتهدده.

7. كان من المفروض ان يقدم وزير الدفاع استقالته على الأقل لكي لايتم تحميله وزر ما جرى من انتكاسة عسكرية، ولو أقدم على هذه الخطوة رغم انها محاولة متأخرة، الا انها كانت قد أعفته جانبا من التراكمات الثقيلة التي تولدت لدى الكثيرين عن إسلوب قيادته للوزارة ، وقد ذكر بعضها في سياق المقابلة على انه ( عثرات ) تحول دون اعداد وزارة يعتمد عليها العراقيون، وقد حمل سياسي البلد مسؤولية ما تعرض له الجيش من انتكاسات، بالرغم من انه واحدا من أؤلئك السياسيين ، كون منصب وزير الدفاع سياسيا، وهو رجل ليس عسكريا، بل لديه خبرة في ميادين علم الاجتماع والثقافة، لكن وزارة الدفاع كانت عنوانا أكبر من حجمه، ولا تتناسب وقدرته التي يفترض ان من يقودها من كبار القيادات العسكرية العليا.

8. لقد أشار وزير الدفاع الى ان الخسارة العسكرية في الموصل لم يكن لها مايبررها على الأقل ، لكون القوات العسكرية الموجودة في تلك المحافظة تعادل ثلاثة أضعاف القوة المهاجمة من المسلحين، وهو يعد وفق الحسابات العسكرية ( انقلابا ) في الموازنات ، فمن يفترض ان يهجم عليه ان يكون حجم ثقله ثلاثة أضعاف القوة المدافعة ، رغم ان من هجموا ليست قوات عسكرية بل مسلحين يمتلكون خبرات بسيطة، لكنهم استطاعوا خلق حالة الرعب بإعتماد خبرات حرب نفسية أكثر من إستخدامهم خبرات عسكرية تقليدية ، وحدثت الكارثة العسكرية، مما يعني ان القوات والقطعات العسكرية الموجودة في الموصل وقياداتها لم تكن في مستوى المسؤولية، وهي تتحمل جانبا كبيرا من الاخفاق او النكسة التي حصلت ، إضافة الى تراكمات سياسة البلد في الاقصاء والتهميش وحالات الاعتداء على الحرمات والسلوكيات التي ظهرت في التعامل مع ابناء الشعب والتي تتعارض والقيم العراقية في أبسط صورها.

9.ان التمسك بالمنصب بالرغم من كل هذه الخسارات الباهضة والموجعة يعد عملا لا أخلاقيا ، يستهين بقدرات العراقيين ولا يحترم مشاعرهم ولا مخزونهم وموروثهم القيمي مما تعارفوا عليه ، ان يتنحى جانبا كل من يخفق في مهمته ويتسبب بخسارات باهضة لمجتمعه وقد اضاع شرف بلاده العسكري ومرغ سمعة قواته العسكرية في الوحل، ما يعد أي تمسك بالسلطة في ظرف نفسي عصيب كهذا عدم احترام لمشاعر الشعب وتعديا على كراماتهم، ويشكل إساءة الى سمعة بلدهم، والتمسك بالمنصب على وفق هذه الطريقة وبهذا التمادي غير المبرر، يسير بالبلد نحو هاوية لايعلم الله مدى ما تسببه من أضرار فادحة تعرض أمن البلد لمخاطر لاتحمد عقباها، بل وقد تكون عقوبة من هرب أقل هونا ممن بقي متمسكا بمنصبه، ليسرد جملة مبررات لن تعفيه من تلك الخسارة المذهلة والمربكة والمحيرة، وسيذكرها التاريخ على انها من أشد الخسارات ( إنتكاسة ) وتمريغا للشرف العسكري وإساءة لتاريخ هذا الجيش الحافل بالانتصارات والمواقف المشرفة على مدى تاريخه الطويل الزاخر بما يرفع رأس العراقيين الى السماء.

هذه بإختصار أبرز الملاحظات التي ودننا سردها في هذا المجال، على مضامين هذه المقابلة ، لأغراض إطلاع القائمين على إدارة البلد ان أحوال العراق الان بحاجة الى صياغة ستراتيجية لمنهج جديد، يعتمد التحليل العلمي المعمق للأحداث، لا ان يحاول الاقتراب من قشورها، دون أن يغوص في اعماق المشكلة، ويضع المؤشرات العملية لخروج البلد من مأزقه الراهن.

أحدث المقالات