23 ديسمبر، 2024 1:09 م

قراءة في كتاب : صفحات مينائية مضيئة في تاريخ العراق

قراءة في كتاب : صفحات مينائية مضيئة في تاريخ العراق

الموانئ مطبخ العلم والعمل , منها نستنشق رائحة الماء , ونلوك المترشح بأيد غير فارغة ولا مقلوبة لأنها تاريخ كونته الضرورة ’ ضرورة المتنفس الجغرافي الذي يحمل بين طياته هذه المدينة النبية التي استعصت على الكثير ممن ارادوا لها ان تضمحل وان يأكل الزمن  جسدها الطري . لم تكن الموانئ طابوق مركوم على بعضه او مجرد هيكل اسمنتي , انها نافذة العراق التي يطل منها على عالم اوسع لكي يؤسس مدنا فاضلة وبلدا يعانق الشمس في اكثر من موقع ومكان . هذا المدد التاريخي يمتد في الواح المعرفة الاولى ويثرى مما هو مائز في مكامن الارض البصرية التي كانت وستبقى موئلا للعمل والمعرفة والسخاء الروحي الذي لا يلتفت الى حسابات الربح او الخسارة . ولا نجانب الحقيقة في ان هذه المؤسسة المعطاء كانت ولا تزال ولودة بكل ما يديم زخمها المعرفي من الرجال الذين استطاعوا ان يرسموا خطا للتعبير على لائحة الزمن العراقي . ان البعض يتصور – ولنقص في التصور – ان  موجات الجزر قد حلت في الموانئ وقد بدأ الانحسار والضعف على جسدها لكن هذا الوهم يتبدد كلما تخرج من الرماد عنقاء معرفية وتاريخية تعيد الى الموانئ نضارتها وهيبتها وتاريخها العتيد . لقد اسهم الكثير من الرواد في وضع لبنات رائعة في هيكل الموانئ عمليا وعلميا , غير ان هذا الامتداد ينحسر في بعض الاحايين لظروف ذاتية ومعنوية حتى يشرئب غصن اخضر ليكون شجرة وارفة الظل يتفيأ الموانئيون في ظلها طموحاتهم المشروعة . ولعل البحريين في موانئ العراق قد امتلكوا قصب السبق في مجال تزويد هذه المؤسسة بكل ما هو قيم ومفيد . وها نحن اليوم نستجلي نضحا جديدا لشخصية بحرية عراقية نذرت نفسها الى الموانئ منذ ريعان شبابها  واستطاعت ان تضفي مزيدا مما ينبغي ان يضفى مما هو علمي رصين اضافة الى كونها قد عاصرت معظم رجالات الموانئ وعملت في مفاصلها المختلفة ودافعت عن حقوق الموانئ البحرية بكل ما اوتيت من معرفة علمية وتاريخية انه المرشد البحري الاقدم كاظم فنجان حسين الذي يحاول بصدق واخلاص ان يعرف العالم والعراقيين بتاريخ شركة موانئ العراق من خلال فعله الميداني او النظري الذي تحقق عبر مجموعة لا يستهان بها من المقولات الرصينة والافكار العلمية الثاقبة واخرها كتابة اللذيذ  (صفحات مينائية مضيئة في تاريخ العراق ) الصادر عن دار تموز للطباعة والنشر والذي طبعه على نفقته الخاصة  .يتكون الكتاب في غلافه الاول صورة للموانئ القديمة عندما كانت ( النوالة ) تأكل من ظهر العاملين في الارصفة والصورة توحي الى الاصرار على تخطي المستحيل من اجل ان تأخذ موانئ العراق مكانها الصحيح على خارطة الانسانية . يعد هذا الكتاب الجزء الاول من هذا المشروع التوثيقي الكبير ثم ياتي ذالاهداء الشامل الذي ضم بين دفتيه الكثير من المعاني الاخلاقية . المقدمة التي كتبها المؤلف عبارة عن بانوراما تاريخية لموانئ العراق وجاءت بلغة سلسة طيعة لا تخلو من عذوبة  . يتطرق الكاتب بعد ذلك الى مجموعة من الامور ويستذكر الرجال الذين تركوا بصمة واضحة في تاريخ الموانئ حتى انه التفت الى المعمار الذي شيد قبة الموانئ واعطاه ما يستحق من الذكر . ومما تجدر الاشارة اليه في هذا المجال ان المؤلف لم يقف عند كل الشخصيات التي لعبت دورا مهما في الموانئ من الخط الثاني والثالث وحتى الرابع والذين كانوا جنودا مجهولين ولا يلام المؤلف على ذلك لان الامر يستدعي مجلدات طويلة لمثل هذا الامر واكتفى بالتلميح الى هذه العناصر الفاعلة . كما وتجدر الاشارة الى ان المؤلف  اهمل المؤثرات الخارجية الفاعلة في نمو وتطور موانئ العراق ونقصد بذلك بعض الوزراء الذين كانت لهم اليد الطولى في تمكين الموانئ من ان تحتل مكانتها الصحيحة بين موانئ المنطقة . ان كل ما اوردناه لا يقلل مطلقا من هذا الجهد الرائع واظن جازما ان المؤلف سيسعى حثيثا في الاجزاء الاتية من اعطاء كل  شخص ما يستحق . اقف بأجلال واحترام كبيرين لهذا الجهد التاريخي العلمي للأستاذ كاظم فنجان الذي لم  يألوا جهدا في كل المناسبات من اعطاء الموانئ ما تستحق وسيسجل التاريخ  له هذا الجهد المضني خدمة للبلاد والعباد كما وامل ان تقوم الشركة العامة لموانئ العراق باعتماد هذا الكتاب ليكون مرجعا من مراجعها المهمة  مستفيدة مما به من افكار واطروحات تعين المسؤولين على الاستفادة مما ترشح من نبض الميدان في حقب زمنية سابقة .