19 ديسمبر، 2024 12:19 ص

قراءة في كتاب د. أحمد النعمان – (الحوت والقمر)

قراءة في كتاب د. أحمد النعمان – (الحوت والقمر)

أصدرت السيدة ليلى النعمان , ابنة المرحوم د.احمد النعمان هذا الكتاب في الذكرى الرابعة لرحيله ( بالتعاون مع صديقه د. ماجد الزامل) , ووزعته على الحاضرين في الجلسة التي نظمتها في مرسمها بموسكو بهذه المناسبة , و لم استطع ان احضر تلك الجلسة مع الاسف الشديد , ولكني استلمت نسخة من هذا الكتاب الرشيق والجميل و الرائع شكلا و مضمونا, واحاول هنا التعريف به والتوقف عند بعض جوانبه الغنية جدا بالاحداث والافكار .
يقع كتاب مذكرات د. احمد النعمان ( الحوت والقمر) في 203 صفحة من القطع المتوسط , ويكتب د. فالح الحمراني مقدمة موضوعية وجميلة جدا للكتاب , ويشير- بتواضع العلماء – الى ان المقدمة هذه كان يجب ان يكتبها احد اصدقاء مؤلف المذكرات, الذين أشارالنعمان اليهم في ثنايا كتابه المذكور, مثل غائب طعمه فرمان او جلال الماشطة او سعود الناصري , لكنهم قد رحلوا جميعا مع الاسف …, ويشير الحمراني في مقدمته تلك , ان مذكرات النعمان ترسم صورة حقيقية شاملة لكل ما شاهده وما عانى منه هذا الفنان المتميز , وبالتالي , فان هذه المذكرات هي – ( شاهد على العصر ), والحمراني على حق طبعا. ونفهم من الكلمة التي اعقبت المقدمة , والتي كتبتها ليلى النعمان و د. ماجد الزامل سوية , ان د. فلاح محمد مهدي الجواهري ( ابن الجواهري الكبير ) هو الذي جمع هذه المذكرات وقام بتحريرها وطبعها بعد رحيل النعمان , وان د . الحمراني قد قام بتنظيمها واعدادها للطباعة وفاء لذكرى صديقهما الراحل , وهي مهمة نبيلة , و ليست باليسيرة طبعا.
يتضمن الكتاب اربعة فصول , يستعرض النعمان فيها حياته منذ ميلاده في الموصل عام 1939 من اب عربي وام ارمنية الاصل هربت (بعد المذبحة التركية الرهيبة ضد الارمن ) الى العراق , والتي ( …زوجوها بابي عندما كانت في الرابعة عشر من عمرها اثر مراسيم اعلنت فيها اسلامها…) كما يكتب النعمان نفسه , وتنتهي مذكراته هذه عام 1968 عندما رجع النعمان الى موسكو مرة اخرى لاكمال دراسته العليا في معهده , بعد عودته الى العراق و سفرته للعمل في المملكة العربية السعودية .
يتضمن الفصلان الاول والثاني وقائع و احداثا تفصيلية رائعة عن حياة العراقيين في الموصل و بغداد في ذلك الوقت, وقد استطاع النعمان ان يرسم في هذين الفصلين صورة اجتماعية واقعية وموضوعية للمجتمع العراقي و مشاكله آنذاك فعلا , ولا يمكن لي التطرق الى هذين الفصلين في اطار هذه المقالة , وذلك لاني اريد ان اتوقف هنا فقط عند موضوعي الاثير, الذي جاء في الفصل الثالث , وهو – (الموضوعة الروسية في الوعي الاجتماعي العراقي) , والذي ينعكس طبعا وقبل كل شئ في انطباعات النعمان عن الحياة الروسية بعد ان وصل الى موسكو للدراسة فيها عام 1960 , وبقي فيها الى ان انهى دراسته الاولية وحصل على شهادة الماجستير وسافر عائدا الى بغداد عام 1967 ( وهي الفترة التي تناولها هذا الكتاب كما أشرنا في اعلاه , اذ ان هذه المذكرات لم تشمل مرحلة الدراسات العليا للمؤلف بعد عودته مرة اخرى الى موسكو ) . لقد أثار النعمان في كتابه هذا ( وفي الفصل الثالث بالذات ) قضايا فكرية طريفة وكبيرة ترتبط بالحياة اليومية السوفيتية في ستينات القرن العشرين من وجهة نظر طالب عراقي يدرس هناك , قضايا مثل نظرة البوليس السوفيتي الى اي اجنبي , والذي كان يعتبره ( جاسوسا او عميل مخابرات دون اية مستمسكات او وثائق …) (ص 124) , او النظرة الى الفن والادب انطلاقا من مفهوم الواقعية الاشتراكية حسب التفسير السوفيتي لها , ويشير النعمان الى وجود ( .. فرق تفتيش للاقسام الداخلية للمعهد (الذي كان يدرس الفن التشكيلي فيه) للوصول الى اعمال كل من لا يتفق والتعاليم الديماغوغية المتحجرة . وفي أحد الايام زارنا في القسم الداخلي فريق تفتيش تابع للمعهد بحثا عن لوحات لا تؤيد الاتجاه العام الرجعي في الفن , وكان بصحبتي طالب ارمني اسمه فاروس يحاول بتجاربه التشكيلية ربط الفن التجريدي بالفن السرويالي , فسألونا لمن هذه اللوحات ؟ فقلت هذه لوحاتي , وبذلك نجا زميلي من قرار الطرد من المعهد . اما بالنسبة لي ولامثالي الاجانب فكان التضييق علينا أقل من زملائنا السوفييت بكثير , الا انهم منعونا بشكل صارم من العرض في اي معرض كان باعتبار ان فننا بورجوازي وليس تحت سقف الواقعية الاشتراكية ) (ص 128) واود ان أشير في نهاية هذا العرض السريع الى مقطع جاء في نهاية الفصل الثاني كمدخل للفصل الثالث من الكتاب, والذي يرسم – وبشكل دقيق وحاذق – انطباعات النعمان وافكاره تلك –
( .. ما ان دخلنا اراضي الاتحاد السوفيتي حتى كنا نمر بضواحي موسكو باكواخ خربة تشبه الصرايف ما قبل الثورة في بغداد, وقال كوركيس لعل هذه بيوت ريفية مؤقتة للعمال في المناطق القريبة من محلات شغلهم في محطات القطار. الا ان الصورة التي كانت مرسومة في اذهاننا نحن الشيوعيين الشباب عن موسكو ( الجنة) بدأت تتشوش وبدا الشك يتسرب الى اذهاننا… ماذا!؟ هل كنا على خطأ ؟ هنا تذكرت ذلك الفلاح الشيوعي البسيط الذي كان يريد اقناع الفلاحين من حوله في العراق – بأن البيضة في الاتحاد السوفيتي(ها كبرها), وكان يشير بحفنة كفيه الكبيرتين ليصور البيضة الشيوعية! اماالبيوت الصرائف فكانت تفشي الى ان الفقراء موجودون هنا ايضا في الاتحاد السوفيتي كما في الدول النامية مثل بلداننا المتأخرة , ولكننا لم نستطع تفسير او تبرير ذلك الا بالحسرات التائهة الحيرى ) ( ص 109 – 110).
في نهاية الكتاب نجد مقطعا من مقالة أ.د. عبد الاله الصائغ بعنوان – ( احمد النعمان قارة فنية ونضالية وانترنيتية ) , وهي مقالة جميلة جدا وشاملة نشرها الصائغ قبل رحيل النعمان ,وقد جاء هذا المقطع تحت عنوان – ( بدل الخاتمة ) , وهو اختيار موفق جدا لاختتام هذا الكتاب الممتع حقا , رغم اني كنت اتمنى ان يكون في ختام هذا الكتاب قائمة تضم اسماء العراقيين الذين جاء ذكرهم في صفحات الكتاب وتعريفا بسيطا ومكثّفا بهم , او في الاقل , اسماء العراقيين الذين كانوا يدرسون معه في الاتحاد السوفيتي آنذاك والذين تحدث عنهم احمد النعمان نفسه في مذكراته تلك , و أشير هنا الى بعض هذه الاسماء , مجردة من التعريف بهم ( والذين اصبحوا معروفين في مسيرة العراق المعاصر) , وهم كل من ( حسب حروف الهجاء طبعا ) –
– برهان الخطيب / ثائر ذنون ايوب / حسب الشيخ جعفر / جلال الماشطة / خليل الجزائري / سعود الناصري / سلوى زكو / شمس الدين فارس / عبد القادر رحيم / عبد الوهاب الجواهري / غائب طعمة فرمان / فخري رشيد / كوركيس يوسف / ماهود احمد / محسن السعدون / محمد علي الماشطة / محمد كامل عارف.