19 ديسمبر، 2024 3:35 ص

قراءة في كتاب المگاريد لمحمد غازي الأخرس

قراءة في كتاب المگاريد لمحمد غازي الأخرس

تجربة المگاريد ظاهرة فريده يخوض فيها الكاتب محمد غازي الأخرس في تابوات المجتمع العراقي ومواضيعه الملغمة مثل الطائفيه والتهميش.
ينطلق الكاتب من مدينة الصدر ويجعلها عينه ليقوم بتشريحها وهو حريص كل الحرص على المشاعر حتى في تسميه هذه المدينة فتارة يطلق عليها الثورة وتاره يسميها بمدينه الصدر خوفاً من الإتهام والتحيز لفئه دون الاُخرى. يغوص الأخرس في جزئيات المجتمع معتمداً على ذاكرة ثاقبه وحس مرهف فيصف عادات أهل المدينة وشجونهم وأفراحهم في مختلف الأماكن فمن المقبره الى السينما ومن الفصل(العشيرة) والعرس الى مواطن الموت في المعركة والمغيسل(المغتسل). هذا التداخل بين الأبطال والأهوال وبين ساعات الفرح من أعراس ومواويل وشعراء ومطربين الى الجبهه والاعدامات حيث مراره لا يشبهها حضيض مكسيم.
الكتاب أقرب الى علم الاجتماع منه الى الأدب بالرغم من القصص والأشعار  التي أحتفظت بها ذاكرة الاخرس لعقود.
يتناول المگاريد الطبقيه ونظرة الاستحقار نتيجة لمنهجية التميز الطائفي التي سارت به الحكومات متعاقبه منذ أكثر من مئه عام. فالقرائن والحوادث التي ذكرها الكاتب في مسأله التميز بين طائفه وطائفه والمناطقية هي نتيجة التأسيس القسري لطائفيه الدولة والذي نعيش اليوم أحدى مأسيها حتى أصبح الخروج عنها يعتبر مروقا.
أليوم أصبحت الظاهرة التي يتكلم عنها الأخرس قبل عقد أو عقدين موجوده وقد عادت نتيجة ضعف الثقافة التشريعية في تجريم الأفكار العنصرية والطائفيه. فهارون محمد لا يستحي أن يصف الشيعة بأنهم أولاد متعه متهماً طائفه كاملة بهذا الاُسلوب الرخيص. وصفحات الفيس بوك التي تدعو الى جعل بغداد خالية من الشروك وأخرى تطالب أن تكون مناطق في بغداد حكراً على طائفه دون ألأخرى لازالت تعيث في عقول المتصفحين.
يركز كتاب المگاريد على جدلية الهويه فيتناول صراع الهويات في  مدينة بغداد التي تعتبر من أكثر مدن العراق تعدديه وأثنيه خصوصا مع وجود قبري الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) والإمام أبو حنيفه ألنعمان.
ميزة كتاب الأخرس هو تتناوله للحياة الاجتماعية بطريقة ظريفه وسرد أدبي ممتع ومشحون بمواويل جنوبيه.يقف بها الأخرس عند محطاته الشعريه وينثر مقاطعها ويمزجها بمواقف سعيده تارة ومحزنه عندما يتذكر من فقدهم.
كتاب ألاخرس يتناول التهميش الذي حصل للمدن الفقيرة التي يقطنها المهاجرون الذين تركوا مدنهم وزحفوا نحو بغداد طلباً للرزق نتيجه لإهمال مدنهم من قبل الحكومات.
شكوى الأخرس وحرقته من هذا الحيف الذي أهمل الكثير من مبدعين هذا الطبقه فقط لأنتمائاتهم وبشرتهم. ولايكتفي الكاتب بوصفه طرق معيشه هؤلاء ولكن  يتناول المأساة التي رافقت حياة هؤلاء ومعاناتهم وتأسيس مدينه الثورة (الصدر).
العديد من الإقتباسات التي يستشهد بها الكاتب تضعك على الخزين الذي  يمتلكه الأخرس من مفردات الحياة البسيطة وتراكيب الجمل في لغة الشروك وحتى دندنتهم وأهازيجهم. والتي استطاع الكاتب  توظيفها بهذا السفر الذي جانب المألوف من طريقة التأليف.
ينعى الأخرس عراقاً تكالبت عليه الأعداء وعصفت به أفكار اليمين واليسار وجالت به أمراض الطائفيه. دفاع محمد غازي الأخرس عن المگاريد ليس دفاعاً طائفياً لكنه لا يخفي حبه لطائفته. فالكثير من المثقفين يتهربون من الكلام عن طائفتهم وطبقتهم خوفاً من ألإتهام   بالطائفيه هذا الخوف يمنعهم حتى من إلقاء التحيه أو المشاركة في أفراح وأعياد أبناء جلدتهم. فرغم من أن أعياد الميلاد هي أعياد دينية لكن لا يجرأ أحداً حتى وأن كان شيعياً أن يذكر عيد الغدير ولو بكلمة. فالخوف من ألإتهام بالطائفيه جعل البعض يتنكرون حتى الى مورثهم الشعبي خوفا من عقدة الطائفيه وعارها. 
لم تحضى التبعيه مثلما حضيت الطائفيه ومشكلة الشروك في كتاب الأخرس بالرغم من أن التبعيه  كانت أشد فتكاً من تهم  الشروك التي كان يطلقها البعض. فتهمه التبعيه طاردة عابرة للحدود وقد نال الكرد الفيلين حظهم الأوفر من هذه التهمه.
مدينه الصدر أو الثورة نقطة الانطلاق الى الاخرس نحو كشف اسرار هذا العالم المعذب.يبدأ بسرد مواويله والأهوال التي ترافق قصص الحرب وأيام الحصار. ذكرتني قصة الثلاجة التي يتحدث بها الأخرس كيف وجد أمه تولول عندما تعطلت الثلاجة وقصه الثلاجة لا يكاد بيت من المگاريد لم يكن خائفاً من هذا المصير فقد كان أبي  يعتبرها كأحد أولاده لأن خرابها في وقت الحصار يعني الهلاك والتحسر على شربه الماء البارد.
يقف الكاتب مدافعاً بالضد من ثقافة  إنصهار  الهوية الفرعيه (بالعالمه) وتأكيده على طائفيه المجتمع العراقي وهذه هي أم المصائب. محملاً ألافكار التي تشدق بها البعثيون بعد وصولهم الى السلطة أمثال سامي مهدي وأخرين.  
شجاعة الاخرس ليس عند هذا الحد بل تتعداه الى الحديث عن سنين فقره وأيام العوز فجعل منها إنموذجاً للكلام حول مايدور  في دهاليز مجتمع المدينة.
يستطرد الأخرس إلى خياله بصورة عفوية كلما تذكر مأسي أهله وأحزانه وعندما يفتح قارورة أحزانه من مأسي وكوابيسه. أمه أخوه وأبن عمه علاوي أبطال لا يفارقون المشهد.

أحدث المقالات

أحدث المقالات