كانت وما زالت الديمقراطية الهاجس والحلم لكل الشعوب .. واذا كانت بعض هذه الشعوب سواء في اميركا او اوربا قد نجحت في بناء تجارب ديمقراطية لن ندعي هنا انها مثالية وعليها الكثير من الملاحظات ، فاننا ما زلنا في دول ما يسمى العالم الثالث ومنه وطننا العربي نحاول الامساك ببعض خيوط حلم بديمقراطية تلبي جزء من تطلعاتنا المشروعة بحياة كريمة يحترم فيها الانسان .. السياسيون والزعماء حكام وملوك في اوطاننا العربية يتحدثون عن الديمقراطية واهميتها غير انها ما زالت بعيدة عن التطبيق .واذا كان العراق قد تعرض لاسوأ احتلال في 2003 بحجة الديمقراطية واحترام ارادة الانسان وخياراته ، فان واقع الحال الذي عشناه وما زلنا تشير الى ان كل الاجراءات والممارسات وهيكلية النظام السياسي على النقيض من التطبيق الديمقراطي حتى في ابسط صوره .. وفي هذا الكتاب يأخذنا المؤلف الاستاذ عبدالله سلمان الى جذور الديمقراطية منذ عصور ما قبل الميلاد الى اليوم ..وقد اخترنا ان نستعرض الكتاب من بابه الثالث والاخير الذي ركز فيه الاستاذ سلمان ومن خلال فصوله المختلفة على بدايات الديمقراطية في العراق تاريخيا ومنذ 1917 الى 1932 والانتداب البريطاني وتأثيره على المؤسسات الديمقراطية ابان العهد الملكي وملاحظاته عليها لينتقل بعد ذلك الى ثورة الرابع عشر من تموز 1958 والتحديات السياسية التي اعاقت المسار الديمقراطي والدستور العراقي المؤقت . كما تناول الكاتب الصراعات السياسية بين الاحزاب الوطنية التي وصلت حد القمع والتصفيات الدموية بين الشيوعيين من جانب والقوميين من جانب اخر ومن ضمنهم البعثيين التي اسهمت في تعميق ازمة الديمقراطية .. ويتوقف الكاتب كثيراً عند احداث تاريخية قوضت اي حلم بالديمقراطية منها تشكيل المقاومة الشعبية و احداث الموصل والخلاف بين الزعيم قاسم والشيوعيين وغيرها ما اضعف النظام الجمهوري في عهد الزعيم عبد الكريم قاسم يرحمه الله ومجيء ما سماها بحركة شباط 1963 واستلام البعث للسلطة وما رافقها ايضاً من سلبيات وتنكيل ومطاردة للشيوعيين وعدم الاستقرار السياسي الذي ادى بعد تسعة اشهر الى القضاء على حكم البعث وتسلم عبد السلام عارف رحمه الله السلطة ليأتي بعده المرحوم شقيقه عبد الرحمن عارف بعد موت عبد السلام بحادث طائرة غامض .. ويستمر الكاتب في الاسترسال بالاحداث التي مرت بالعراق وصولا الى عودة البعث الى السلطة في السابع عشر من تموز 1968 مشيرأ الى الانجازات التي تحققت على مستوى الصناعة والزراعة والتعليم وتاميم النفط والعلاقات المتميزة للنظام مع الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي التي يرى انها اسهمت في تغيير قناعة قيادات الحزب الشيوعي بشقيه اللجنة المركزية والقيادة المركزية وادت الى انبثاق الجبهة الوطنية والقومية التقدمية ، لكنه أي الكاتب لايتجاهل ما سبق ذلك وما رافقه من ممارسات قمعية واضطهاد للمعارضين لسياسة ( الحزب القائد ) التي يعتقد انها تعني ضمناً تهميش دور القوى الوطنية الاخرى شيوعيين او قوميين .. وكان لابد للكاتب ان يمر على الحرب العراقية الايرانية ودخول الكويت وما تبعه من فرص حصار جائر على العراق .. ثم الطامة الكبرى باحتلال العراق بحجة وجود اسلحة دمار شامل اثبتت الايام زيفها .. واذا كانت الادارة الاميركية في 2003 قد ادعت ان احد اسباب غزوها للعراق كما قال جورج بوش اكثر من مرة نشر الديمقراطية فان سلسلة الاجراءات التي اتخذتها بعد الاحتلال اكدت كذب هذه الادارة لان جميعها كانت تجاوز على الديمقراطية ومنها نشر الطائفية وتشكيل مجلس حكم محاصصاتي وحالات افوضى وانتشار الفوضى والفساد وقتل العلماء وتهجير الكفاءات وغيرها ..ولم ينس الكاتب عبدالله سلمان ان يدعو الى الاستفادة من التجارب المرة التي مرت بالعراق والوقوف عندها لوضع لمسات حقيقية لتطبيق ديمقراطي ينقذ العراق مما هو فيه ..
اخيراً لابد من الاشارة الى انني تعمدت ان اتناول في هذا الاستعراض او القراءة للكتاب الباب الثالث وهو الاخير كونه يتعلق بالعراق ، لذا فانه من المناسب هنا الاشارة الى جهود الكاتب في فصول البابيين الاول والثاني في تناول موطن الديمقراطية ” الدولة ” وبداية النشوء منذ العصور البدائية الى العصور الحديثة وتاريخ الديمقراطية والفلاسفة والكتاب الذين تناولوها على مر التاريخ من اجل اطلاع القاريء عليها وهو موضوع مهم يعزز الثقافة المجتمعية للديمقراطية التي نحن بامس الحاجة اليها في اوطاننا .. الكتاب برأي المتواضع يشكل اضافة مهمة ويستحق القراءة لما فيه من معلومات ووقائع تخص التطبيقات الديمقراطية التي قد نختلف او نتفق فيها مع الاستاذ عبدالله سلمان الذي اكبر فيه هذه الروحية والحرص على نشر المعرفة بالديقراطية بتاليفه هذا الكتاب وتوزيعه مجانا كما سبق له ان وزع كتابه عن العلمانية مجانا ايضا وهذا ما يستحق الثناء عليه ..