18 ديسمبر، 2024 6:48 م

قراءة في قصيدة ( مبكى السيدة العجوز ) لطالب عبد العزيز

قراءة في قصيدة ( مبكى السيدة العجوز ) لطالب عبد العزيز

(تقلبات الخارج الشعري يؤول الى خاتمة مفتعلة )
توطئة : أن مفردات الواقع الشعري في حاضنة الخارطة
الإيحائية الكامنة في موجهات عتبات النص الشعري ليست
دائما تشكل لنا تلك التحديدية المؤشراتية في رسم الأحداث
و الصور الشعرية و التي تبدو لنا من جهة ما عبارة عن
الماعات حركية تتصل أتصالا مباشرا بالأساس القصدي
لموقف الذات القارئة و عرفانيتها الأحتمالية ، بل أن الواقع
في محطات خطاب و دال القصيدة ربما هو ذلك الشكل من
المعطيات الواقعة عن نتائجية قصوى في محمولات الذهن
الأفتراضي للمقروء النصي المخالف دلاليا . من خلال
قصيدة ( مبكى السيدة العجوز ) للشاعر طالب عبد العزيز
نعاين ثمة وحدات مؤشرية خاصة راح من خلالها يتمثل
الواقع ــ الرؤية وصولا الى شجرة تصورات تجسيمية ــ
تركيبية في ملامح تحولات و انتقالات و انطلاق خصوصية
شبكة الرؤية لدى الشاعر نحو معالجات ثيماتية مسكوت عنها
من شأنها أولا إبراز النظرة القرائية التعاملية على صعيد
ما أخذت ترتبط به مسببات و حالات الأشياء في موضوعة
النص و على نحو صياغة كيفية راحت تستدعي منا النظر
الى جزئيات لحظة قدوم محكي النص التصديري في رقعة
العتبة الأولى من القصيدة .
ما تأتى للخريف أن يسقط كل أوراق الحور
في يرفان بأرمينيا
العنب و الكرز ظل مورقا الى الآن
لكنه صار يجف تباعا .
بهذا التشكيل جاءتنا مسوغات و ارتباطات دلالات توفيقية
العتبة المتنية الأولى في فضاء النص بجملة ( ما تأتى
للخريف أن يسقط كل أوراق الحور ) لتشكل لنا تلك
الأستثنائية الظرفية المجردة في فعالية أختلافية دقيقة
تتمثل بحالة ( ما تأتى ) ثم ورود قوله اللاحق بدال
( للخريف ) ببساطة شديدة أن الشاعر يسعى هنا بمقصوداته
نحو إدراج العملية الأنتقائية الزمانية نحو حالة نادرة من
المكانية التصعيدية النادرة بصفات و موصوف الأستدلالية
التشخيصية لموقعية حركة الأشياء و أمكاناتها الظرفية
لغرض الوصول الى محطة المركز العام التي تتمثل بإدراك
حقيقة ذلك المحسوس من وراء صورة دلالة ( مبكى السيدة
العجوز ) .. فمن السهل جدا على الشاعر جعل النص يبتدأ
بجملة النصف من النص ( راحت تسمعني ما يعني أنها
مشغولة ) غير أن الشاعر أراد بدلالة ( العنب و الكرز ظل
مورقا الى الآن / لكنه صار يجف تباعا ) أن واقعة هذه
الدلالات المقطعية المندرجة من شأنها خلق حس المقدمات
العقدية التي راحت تنطوي من خلالها محركات القيمة البؤروية الوظيفية في السياق الفروقاتي و في متن محور
حصيلة جزئية من خطاب محور التعارض الخارجي إزاء
ذلك الأطار التبريري المتمثل بجملة ( العنب و الكرز +
ظل + مورقا = الى الآن ) و بالرغم من تواجد حدود التابعة
المظهرية لزمن الحياة ــ النمو إلا أنه أضحى لنا كفعل غير
حركي إذ أن تواصله بات أشبه بحركة زوالية في حقيقة ذلك
التحديد الأفضائي بما لا يمكن الحجب عنه : ( لكن صار
يجف تباعا ) من هنا نعاين بأن حالة النزول الزمانية في
خصوصية الرؤية الظرفية باتت تشكل حقيقة أنتقالية في
مجال موضوعة القصيدة و دلالاتها حتى أنها باتت تبدو
و كأنها تقودنا نحو تعريفاتها الباطنة كأحتواء أختلافي و
كيفي خاص لنواة و لضرورة قد تنتهي من خلالها حجة
تحولات الأشياء في محورية خطاب القصيدة لاسيما و أن
القصيدة ذاتها أخذت على عاتقها مسؤولية كشف التوالدات
من جهة راحت تمنعنا من رؤية الواقع كما هو رغم وضوح
أفعالها الذهنية الصادرة .
ــ نحن في العشر الأواخر من كانون الثاني ــ
و حتى نهاية الجادة التي قصدتها البارحة
صحبة من غادروا اليوم
ظل الأصفر سيدا على الأسفلت و المركبات .
تظهر هذه اللقطات المشهدية رصدا أحترافيا مخيبا و محبطا
في اطار من سعي المتكلم الآخر لوضع نهايات ما لعلاقات
كانت في السابق تشكل مسودات حياتية جميلة في نفسه و
الأشياء من حوله . غير أنها اليوم ( و حتى نهاية الجادة /
صحبة من غادروا اليوم / ظل الأصفر سيدا ) في الواقع
أن حساسية الخطاب في دلالات هذه القصيدة قد لا يقود
إلا على نحو ما من حالات التوتر و الترقب و الانتظار
و عدم الصفاء و عدم الظفر بشيء مجدي إذ تظهر حالات
الأشياء و كأنها لمحات بانورامية مجزئة من على سطح
شريط سيمائي يقع في زاوية قصوى من خانة الرؤية
المربكة ، فيما نجد ثمة حجابا قاسيا و لكنه شديد الوضوح
و الفعالية و التأثير في اللحظة التي من خلالها تغيب و
تصحو روحية العلاقات المفقودة في مكتنز المعنى القصدي .
فالشاعر أخذ في نصه يطرح جملة الصور الشعرية و التي
هي في الحقيقة أقرب الى معالم راح يكرس الشاعر في أفقها
أغلالا من لغة التجاذبية الفنتازية التي لا تقل ألتباسا و
أشكالية و غموضا عن مجموعة لقطات القصيدة إجمالا .
راحت تسمعني ما يعني أنها مشغولة
بترتيب الزهر على الطاولة ..
السيدة العجوز يؤلمها
أنهم لم يدفعوا لها ثمن أزهار الأوركيد
فأتخذت من كرسي ، قرب النافذة مبكى لها .
الشاعر هنا يسعى جاهدا الى تحويل صوته التوصيفي الى
أداة محكية سردية حيث راح من خلالها يصف لنا حالات
تلك السيدة داخل رؤية ذلك المكان الخريفي . و بهذا الصدد
تتفتح لنا فضاءات حساسية تلك العجوز حيث تتوغل في
مجاهيل حزنها المفبرك لأنسنة المكان و تشخيصه و تعريفه.
( تعليق القراءة )
في الحقيقة أن عملية القراءة لفكرة قصيدة ( مبكى السيدة
العجوز) لعلها لا تستحق أن تكتب بطريقة القصيدة الشعرية
لأنها ببساطة لا تحمل أدنى درجة من درجات الحبكة
الموضوعية الناجحة شعريا . هذا الكلام هو من جهة وجهة
نظري الشخصية لا أكثر و لا أقل أما فيما يتعلق بالقارىء
فهو الآخر لعله غير قادرا على فك شبكات جمالياتها دون
معرفة شروط سلسلة مراحلها التي راحت تبني من خلالها
مقاطع موضوعيتها المفتعلة في ظل اطار من ( زمنا ــ
مكانا ــ حال ) حيث يتوقف فيها التأويل في غضون دائرة
الظن المجرد و الاستفسار الغريب و الاستخلاص المقتضب
في جدوى فكرة هذه القصيدة .
لا المطر بكركراته الألف
المبعثرة هنا و هناك
لا الصلبان الصغيرة على سور الكنيسة
ولا أشجار الميلاد ، ما أنفكت ترسل أجراسها
كانت رءابة لدموعها التي تناهبتها المناديل .
ومن رحم هذه الخاتمة الشعرية للقصيدة تتلخص لنا آلية
تصورات و رؤى النص و تجربته حيث بأمكاننا أن نقول
الآن : من خلال قراءتنا لقصيدة ( مبكى السيدة العجوز)
لعلنا لم نلاحظ في أتون محطتها المضمونية ثمة حالة
نوعية من شأنها دعم متانة أسلوبية النص البنائية و الشعرية
، بل أننا واجهنا خطية إجرائية غير منظمة في طبقة تحرك
أفعال النص الدلالية . أي بمعنى ما ، أننا لم نكن ننتظر هكذا
شكل من أشكال التعاطي الواهن مع نهاية فكرة القصيدة و
بكل ما تحمله من رؤى و سياق و اسلوب عمل . كان
يفترض بالشاعر طالب عبد العزيز مواجهة الخطاب
الشعري الختامي في نصه على نحو يتلاءم مع منطلقات
تجلياته و تموجاته و غموضاته بالمعنى و الدلالة و فيما سبق
من تأسيساته و انطلاقاته للنص في المنطقة الأولى والوسطى
من القصيدة . و تبعا لهذا يمكننا أن نقول بأن إجرائية و
خصوصية الرؤية الختامية في النص باتت أسيرة لروح
دلالية باردة . و زيادة على هذا نقول أخيرا أن دلالات
تجربة قصيدة ( مبكى السيدة العجوز ) قد وجدناها
مجموعة مشاعر انطباعية بحتة أخذ يتلقاها شاعرها مقتربا
بها من عالم المكان / الزمان / الذات : فهل من الممكن أن
يعبر الشاعر عن جملة أحوال شخصية قد مرت به فقام
بنقلها نقلا واقعيا كما حدث في بعض لقطات نصه ؟ لعل
الشاعر طالب عبد العزيز لا يغير ذكرياته في كتابة حالاته
الشعرية إلا أنها قد تعود إليه متغيرة في حين هو لا يقصد
وصف الوقائع من حوله بأوصاف مغايرة لكنها هي التي
تأتي إليه حاملة أوصافها الأحوالية التي يسعى الشاعر من
خلالها في تجسيد تجربته شعرا ليعبر عن تجربة انزياحية
شاخصة في ادوات اللغة الشعرية . فشعر طالب عبد العزيز
إجمالا لا يتركز حول ما يحدث بل أنه يتركز حول ما
سيحدث عن تلك الانبثاقات التي كان يعتمدها الشاعر مادة
لشعره و عبر لغة مغلفة توحي بأكثر مما تسمي و تعبر
بأكثر مما تصف .. لذلك كانت قصيدة ( مبكى السيدة العجوز) عبارة عن أحاسيس رؤية قادمة من خارج متقلب
لتغور افتعالا في أعماق مضمونية الداخل بحثا لها عن
اتصالية ما في ابعاد فهم مراحلها التكوينية الأخيرة . و تبعا
لهذا الأمر وجدنا بأن مظهرية تقلبات الخارج الشعري في
مجليات القصيدة لدى الشاعر راحت تؤول بالنتيجة القصوى
الى حالة من حالات الافتعال الدلالي الداخلي في مقاطع و
لقطات الحاملة الذروية المتوفرة في مساحة التصديرية
المضمونية الختامية . بيد أن فعل قراءتها في شكلها الأخير
يبدو كما لو أنها محض انفعاليات طارئة بموضوعة وأفق
دلالات القصيدة .