18 ديسمبر، 2024 6:59 م

قراءة في قصيدة ( في حضرة فاطمة ) لعبد الرزاق الربيعي

قراءة في قصيدة ( في حضرة فاطمة ) لعبد الرزاق الربيعي

( النص يتوالف و تنافذية الحالة المرجعية )

أن النظام الشعري في عوالم قصيدة ( في حضرة فاطمة ) للشاعر الحبيب عبد الرزاق الربيعي يتزامن بين مستويين الأول ــ خارجي ( فعل ) و الثاني ــ داخلي ( انفعال + حسي) و المستويان الأول و الثاني كائنان في زمن حدود تكمن في احوالية حال الآني الزمني فيما تكمن آفاقه الدوالية المستوعبة داخل شيفرة أحساسات الشاعر بذلك المؤثر الاستدعائي في مجالية انتقاله الحضوري الى منطقة معطيات المماثلة الشعورية و الخزين التوصيفي المتراكم في آتون الذاكرة و في أزمنة المحور الدال بــ ( فاطمة ) . أن المثيرات الحسية / المرجعية في قصيدة ( في حضرة فاطمة) تدرك عبر انتقال تأثيراتها العلامية و المدلولية عبر مسمى المخزون المرجعي المتصل و مقامية السيدة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) . غير أننا و على حد غير محاط بكشوفية شواهدية ثابتة في دلالات محور مصدرية دال ( فاطمة ) سوف نتعامل وتلك الواقعة الأحوالية في العتبة العنوانية و في البنية المتنية على أساس من أنها منظومة غير محددة سلفا . و تبعا لهذا الأمر أخترنا أن تكون عملية قراءتنا لقصيدة الشاعر بموجب علامة زمنية غير قارة فيما تكون

بالمقابل منها دلالة فاطمة بمثابة ذلك المدلول المرجعي المستوعب لكافة معطيات الحالة المرجعية لمقام السيدة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) . و هذا السلوك الكتابي منا قد جاء على أساس من إدراكنا الحسي الإنطباعي بأن الواقعة الاحوالية في قصيدة الشاعر لا تعبر بشكل حاسم عبر هوية ذلك الترابط المرجعي بين فاطمة قصيدة الشاعر و بين تلك السيدة السماوية العظيمة . و نحن نقرأ تمظهرات الدوال القصدية في مقاطع قصيدة الشاعر بات فيها ما يذكرنا و بشكل انطباعي ما بأن علائقية واقعة هذا النص مرتبطة بقصيدة ( أصابع فاطمة ) للشاعر نفسه .. تلك القصيدة التي قام بكتابتها الربيعي عن أحوال شخصية جدته فاطمة تحديدا و لربما هذا النص الذي هو الآن بحالاته التوصيفية المتماسكة ما هو إلا تلك الصورة المراوية لشخصية جدة الشاعر فاطمة . و على هذا الأساس وجدنا أفعال و مواقف و مطابقات و مشخصات هوية نص الشاعر مطابقة لما افترضنا له من حلوليات احتمالية ما في كتابة مباحث مقالنا هذا و قد جاء عنوان محورنا المركزي في المقال تحت عنوان (النص + يتوالف = تنافذية الحالة المرجعية ) . و نعني بهذا بأن جميع علاقات و شواهد و زمن ( الحاضر / الماضي ) ظلت في نص الشاعر داخل حدود توالفية تسعى في الوقت ذاته نحو خلق حالة تنافذية محتملة إزاء موضعيات و مشخصات و مواصفات دوالية تلك المرجعية السياقية لشخصية فاطمة السماوية و التي هي تقع ما وراء آنية أحوال

و شواهد و علامات و معالجات كنية دال فاطمة في قصيدة الشاعر.

( قصيدة فيها من المرجعية و الأنتاج الرؤيوي )

أن الشاعر الربيعي يحاول في مشروعه الكبير ( قصيدة النص المرجعية ) ان لا يقع انتاجه بين حالات مرجعية قارة و مؤكدة بل هو يذهب عادة في كتابة هذا النوع الشعري نحو منطقة ( التوالف ) أو على حد تقديري الى منطقة ( المابين ) التي تتيح للشاعر حرية استثمار دواله الشعرية القصدية أو اللاقصدية ليخلق في مسارية نصه ثمة مجاليات خاصة ترتبط و أخرى لا ترتبط . إلا أنه كشاعر راح يقدم في مشروعية مجال ( قصيدة النص المرجعية ) رؤى الشاعر الإيحائية كما و يقدم بالمقابل عوالم مليئة بيقينية و أحتوائية صورة ذلك الإطار المرجعي دون التوغل فيه تقويميا و توقعيا و خطيا . أن الشاعر في قصيدة ( في حضرة فاطمة ) يعمل و بجهد متميز على الابتعاد عن الواقعة المرجعية في حال ذاتها غير انه لا يقطع من عند دلالات نصه أزمنة و أمكنة و اطلاقية محورية ذلك الدليل المرجعي و لو في مسلمة خاصة من خاصيات صفاتية و اسمية و فعلية و مؤشرية الى حد بعيد .

قولي للواتي يسألن عني

أنه هائم في فيافي فاطمة

فإذا خير بين القارات

فلن يختار سوى قارة

تعيش على يابستها فاطمة .

يذهب منهج الشاعر التكويني هنا الى بث عوامله الوظيفية انطلاقا من عاملية ( حدث / وصف / لغة / إيحاء / زمان / مكان / حوار ) بوصفها مكونات فنية و انطلاقا من تخصيصات التنصيص ( فواعل / وظائف / صيغة / منظور / تبئيير ) لذا فإن القارىء لبلوغيات الصورة الشعرية الأولى من قصيدة النص المرجعية و هي تحيلنا نحو معالجات احتمالية من شأنها إدخال عملية التلقي و القراءة نحو مساحة حصولية الإخبار الخارجي السارد ( قولي للواتي يسألن عني / إنه هائم في فيافي فاطمة ) و يوغل سؤال الشاعر الأحوالي في هذا المسار و على نحو أكثر عمقا و تكثيفا بعد أن تبلغ العين الساردة جل توافقها اللحظوي الخاطف برد لفظية المساءلة عنه من قبل فاعلية الآخر الجمعي و بصيغة جولة التمهيد العتباتية و المدخلية في النص وصولا الى جملة ( إنه هائم في فيافي فاطمة ) و بهذا التركيز الوجداني / الحسي تتحول مثيرات دال ( فاطمة) الى معادلة جذبية خارقة بمعنى إنها أصبحت تشكل بذاتها قيمة

انتقائية خاصة دون انفصالها عن حدود الخارج الاختياري للشاعر( فإذا خير بين القارات / فلن يختار سوى قارة / تعيش على يابستها فاطمة ) يصل الشاعر الى أدق معطاه الخارجي المرتبط بالتجربة الروحية و التأملية و ما يتمخض عنه من طاقة لا اقتراحية في التمسك الشواهدي بالمركز الدال ( فاطمة ) فهو يرفض كل الحالات الموقعية و الجغرافية و النفسية إزاء ثبوتية أنفاس البؤرة الدالة في المركز ( فاطمة ) .

و إن زلزلت البلدان زلزالها

و أخرجت الأرض …

فلن يجد بلدا يرضى

على وسادته

سنواته الأخيرة

سوى بلد فاطمة .

يتمثل الاشتغال الشعري في هذه المقاطع من القصيدة نحو مساحة الاستثمار الناتج عن معطى السورة القرآنية المباركة ( الزلزلة ) غير أن الطاقة المعالجة هنا جاءت مرتبطة و حدود توالفية حيوية لالتقاط و أتمام الواقعة الشعرية و بصورة أخذت تدعم من صيانة تجاذبات الدوال الواقعة بين

البديل الاحتمالي و بين كائنية القيمة المرجعية في الخطاب القرآني . و أن كان المعطى الإحالي فيها لا يجسد قدسية النص القرآني على وجهه المكتمل . إلا أننا و نحن نتجه الى قراءة تلك المقاطع الشعرية لربما نجدها بمثابة المساحة التناصية و الناصة بين فاعلية شعرية التخييل و بين الانشغال بألتقاط الصور و المشاهد التي تصلنا بالتجربة الروحية في مشغل دوال القصيدة . كما ولا ننسى بأن الكاميرا المرجعية لمثل هكذا تجارب شعرية تكون بمثابة الجسر الموصل الى طاقة تذهين المعطى الشعري و على نحو راح يتمكن فيه الشاعر من تحقيق استجابة موضوعية مقنعة و مؤثرة : (وأن زلزلت البلدان زلزالها / و أخرجت الأرض .. ) أن الراوي الشعري يستدرك هنا مثالية و قدسية الصورة القرآنية مما يفضي به الأمر الى التوقف عند دال ( أثقالها ) جاعلا الجملة الشعرية من عندياته عدولا فراغيا في ظل نصاب المخالفة و الاختلاف التوصيفي مما جعل حالة التشكل القصدي لديه تبدو و كأنها إعادة إنتاج لمرجعيات رؤيوية خاصة . ( فلن يجد بلدا يرضى / على وسادته / سنواته الأخيرة / سوى بلد فاطمة ) و أمام هذه الجمل التصويرية يقودنا الشاعر باستنتاجاته عن دال فاطمة نحو فاصل يستحدث فيه فسحة تأملات أخرى يتوقف فيها المستوى الابعادي المرجعي ليستكين التلاحق التواصلي الاختياري بتفاصيله الحيرة و المترقبة .

و إذا حدث أن ضاقت به المدن

و بحث عن مدينة تحذو على أنفاسه الحرى

و تسقيه من ضروع جداولها

فلن تكن سوى

مدينة فاطمة .

أن الفاعلية الشعرية المتآتية هنا من خلال هذه المقاطع التوصيفية تبدو اساسا لفاعلية تمظهرات صورة دال فاطمة و التي راحت بدورها تشكل بعدا متناسبا في الابعاد و الاشكال و الى حد راح يغطي بخلجاته البوحية كافة أقسام شعرية القصيدة .

( تعليق القراءة )

من هنا و بعد قراءتنا لأهم وحدات الصورة الشعرية في مبنى قصيدة الشاعر أجدني ميالا الى القول : لا أريد لكلامي عن هذه القصيدة أن يتحول الى عملية إطراء للشاعر و عوالمه التي هي لربما تبدو بالنتيجة محض مجاملات رخيصة مني تحديدا فقط أود القول بأن الشاعر في قصيدته راح يطلعنا على نموذج شعري متميز في مقصودية دلالاته

المرجعية و الموضوعية الشعرية و لو بشكل مرتبط ارتباطا ذاكراتيا في وصوله الى منطقة القول المركز في بنية المعنى الشعري .

و أن صعد الى السماء

فسيرمي نفسه

من الأعلى

حتى يطأ جنة فاطمة .

من هنا تتضح سمات جوهرية العلاقة الذاتية / الموضوعية بين ذات الشاعر و دال جدته الأرضية فاطمة ــ و ليس فاطمة السماوية ــ لتكون سابقية الدلالة الفاطمية تسالما للشاعر مع أجزاء قصيدته الموصولة بخصوصية مجتمع أسرته و أسلافه و حكاياتهم العائلية الخاصة . و بهذا الأمر فالنص إذن يبقى في حيز حيوات الشاعر بمثابة المقابلة الكشوفية المحفوفة بقيامة ( الحضور / الغياب ) كما و يشكل في ذاته ارتسامية تلك الواقعة التي راحت ترتفع بدال فاطمة الى مصاف الاشتغالات الحسية الاستثنائية المثقلة بمشاعر التشكيلات الإثارية و القرائية لخطاب النص الشعري الذي راح يتوالف و تنافذية الحالة المرجعية المشبعة بحواس و مخيلة الشاعر الحيوية و الممكنة .