18 ديسمبر، 2024 9:34 م

قراءة في قصيدة ” انتظار ” للشاعرة السورية سنا هايل الصباغ

قراءة في قصيدة ” انتظار ” للشاعرة السورية سنا هايل الصباغ

آهٍ منكَ يا زمان
هل عِفتَ كلَّ الناسِ
إلّاني؟!
غرزتَ أظافركَ
في نحرِ سعادتي
مزّقتَ ضحكاتي
تركتَني أستجدي الفرحَ
على رصيف الانتظارِ
كسنبلةٍ ظمأى …
تحاكي غيمَ صيف..!
كأنَّ نوائبَ الدهرِ
سكنتْ عظامي..
والرزايا تآختْ
مع كريات دمي
والحزنُ زرعَ قُضبانَه
حولي…
والمفتاحُ بيدِ الشيطانِ!
كفـــــاني…
كفاني مرَّ الكؤوسِ
قد ثملتُ حدَّ الاختناقِ
أنامُ على جمر الدموعِ
وأستيقظُ…
على شوكِ الانتظارِ
أحاولُ قتلَ الزمنِ
أمسِّدُ شعرَ الثواني
لتنامَ …
فأراني أهربُ منكَ…
إليــــكَ…!
أحتضنُ طيفكَ
وأغفو…
أراكَ تمسِّدُ شعري
عندَ المساءِ..
أشربُ كأسكَ الدافئ
المعطّرِ بزهرِ الليمون
عند الصباحِ..
وأغتسلُ بأمطارك..
فأراني …
أحتضنُ الخواءَ
وأتجرّعُ كؤوسَ الانتظارِ!
انتظرتُك ثلاثينَ شمعة

 

من فصولِ الروحِ..
أوقدتُ عمري
قرباناً لشِعركَ..
فلِمَ لمْ تُكملْ
حروفَ السَّنة؟!!
أطفأتَني بثلاث دمعاتٍ
ومحوتَ حروفي
بكمشة شخابيط..!
تعالَ قبل أن يخبوَ
بريقُ عشتاري
تعالَ قبلَ أن أذويَ
في شمعدان المِحَنِ..
تعال قبل أن أكفرَ بزماني
وأصدِّقَ …
أنَّهُ عافَ كلَّ الناسِ
إلّاني…!!
تعـــــــالَ ….
كفاني انتظاراً..
كفـــــــاني ….

 

هذه القصيدة للشاعرة السورية السماوية المبدعة سنا هايل الصباغ ، التي تكتب بقلبها وعواطفها وأحاسيسها الجياشة ، وتحلق في فضاء عالية جميلة ، وتسافر بنا الى القمر والنجوم والغيوم ، حيث الحب والجمال وصفاء الذهن والدفء الانساني ، فنحس بنصها كأنه عقد ماس أو ورد يعبق بشذى ياسمين الصباح الدمشقي .

سنا الصباغ تتوجه بشعرها الى الجمهور ، فتعتمد الصورة البسيطة غير المعقدة ، التي تمس شغاف القلب وتلامس الوجدان . وما يميز كنابتها هو الصدق والعاطفة .

قصيدتها رومانسية وحديثة في شكلها وتموجاتها ، وقريبة في طابعها واسلوبها الى الرومانسية والرومانتيكية ، وتجتمع فيها الصور والايحاءات الشعرية الخلابة والاستعارات الجديدة .

وهي بشكل عام قصيدة جميلة عذبة شجية وموسيقية ، اسلوبها رشيق وجذاب ، وهي رنانة وساحرة وسلسة في تعابيرها واسلوبها الممتنع ، وانسيابها اللفظي الايقاعي ، وتصل بسرعة الى أعماق الروح ، تسكر القلب ، وتدخل الدفء اليه بمعانيها والفاظها الرقيقة وموسيقاها الاخاذة .

انها قصيدة وجدانية واضحة وصادقة مترعة بالاحاسيس والمشاعر ، نابعة من أعماق الفؤاد بشكل عفوي وتلقائي ، وهذا هو الشعر الحقيقي الصادق الخارج من سويداء القلب الى القلب وأعماق القارىء والمتلقي ، يؤثر فيه ، ويترك انطباعاً خاصاً ، وهكذا هي سنا في كل قصائدها الوجدانية الانسانية الرومانسية الحالمة المموسقة الطافحة بالعذوبة والرقة والسحر والجمال اللفظي .

سنا الصباغ شاعرة هادئة متميزة ، استطاعت أن تغزو عالم الشعر من أوسع أبوابه ، مشاعر عالية ، وخواطر وجدانية ، ونصوص نثرية تستحق الاشادة والقراءة المتكررة ، والتفحص الدقيق لما وراء الكلمات والجمل والجماليات المبثوثة في قلب هذا الشعر الوجداني التأملي الناعم ، الذي يتجاوز الصنعة الشعرية ليصل الى ذروة الصدق العاطفي ، لولا أنها عاشقة فريدة ، وشاعرة جديرة بالشعر .

قصيدة سنا الصباغ “انتظار” هي حالة فريدة في العشق والانتماء والشوق والحزن ، حالة شعرية انسانية تبلغ أقصى درجات الجمال والروعة ، وتظل علامة فارقة في الشعر السنائي من حيث الجودة والسبك وقوة الالفاظ وما تحويه من حب وعشق وشجن ودفء احساس ، وبراعة وصف وتصوير ، وصور بلاغية ، وهي تعرف كيف ترص الكلمات الى بعضها بتناسق أخاذ والتئام مرهف .

ولعل قصيدة الشاعرة الفلسطينية الراحلة فدوى طوقان ” الشاعرة والفراشة ” كتبت وكأنها عن سنا الصباغ ولها ، كيف لا وهي التي قالت :

هناك فوق الربوة العالية

هناك في الاصايل الساجية

فتاة احلام خالية

تسبح في اجوائها النائية

الصمت والظل وأفكارها

رفاقها ، والسرحة الحانية

حياتها قصيدة فذة

منبعها الحس ونيرانه

وحلم محير تائه

من قلق اللهجة ألوانه ..

حياتها بحر نأى غوره

وان بدت للعين شطآنه

رنت فتاة الشعر مأخوذة

بصور الطبيعة الخالية

والأفق الغربي تطفو به

ألوانه الوردية اللاهبة

كأنه أرض خرافية

هوت اليها شمسه الغاربة

ودت وفيها لهف كاسح

لو تأخذ الكون الى صدرها

تحضنه وتشبع الروح من

آياته الكبرى ومن سحرها

تعانق الأرض .. تضم السنا

تقبل الغيوم في سيرها

اليست الشاعرة الفراشة هي سنا الصباغ ..!!!

أخيراً ، تحية اليك شاعرتنا السورية المحلقة في سماء القصيدة ، من ربى فلسطين ، ودمت بعطائك ورقيك والقك الشعري .

( كاتب وناقد فلسطيني )